عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 13-04-2005, 01:10 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي الصدود الجماهيري لماذا ؟؟

الصدود الجماهيري لماذا؟


معظم أبناء الأمة يميزون بين الحق والباطل ، لكنهم يختلفون في القدرة عن التعبير عما يجول في خواطرهم ، فالمثقف والمفكر أقدر على صياغة ما يجول في خاطره من ابن الشعب العادي ( وكلهم عاديون) ، وكلهم متساوون في اكتناه الجميل من القبيح ، والحق من الباطل ، لكنهم لا يشكلون ، حشد واحد او حزب واحد ، ولا يستطيع أي فرد أو جماعة او حزب او حكومة ان تدعي أنها تتكلم باسم الأغلبية ، او حتى الكلام باسم شرائح مؤثرة .

ولا تزال الغالبية العظمى من ابناء الأمة ، لا تثق بعمل الأحزاب ، كما لا تثق أيضا بالحكومات العربية في نفس الوقت ، تلك الخاصية التي انتبهت إليها الدوائر المتربصة بالأمة السوء . لقد فهمت الدوائر تلك ان زعم الحكومات لا يقل زيفا عن زعم الحركات السياسية في التفاف الجماهير حولها ، فقالت ولما لا ازعم أنا بدوري ان الجماهير تنتظرني بفارغ الصبر . وطالما ان طعم الظلم متشابه فأنا الأقوى عسكريا و أنا الأقوى اقتصاديا ، فلما لا أغتنم الفرصة وأعيث فسادا في ربوع بلاد واسعة ، وأمم بات أفرادها يحسون أنهم أصبحوا كذرات من الغبار لا حول لهم ولا قوة ، ولا يستطيعون غير الولولة والأدعية .

لكن ما هو سر ابتعاد المواطنين عن الالتفاف حول الأحزاب او حتى حول الحكومات ، هل هو عيب في الخطاب وشكله ، أم عيب في الشخوص التي تحمل الخطاب ، أم هو تعب طال فكانت النتيجة هي القرار بالصدود من قبل الجماهير تجاه دعوات من يدعي .

برأيي لم يكن العيب في الخطاب ، فلم يكن الخطاب القومي كله خطأ ولم يكن الخطاب الإسلامي كله خطأ ولم يكن الخطاب الماركسي كله خطأ ، فكل خطاب من الخطابات الثلاثة يحمل في ثناياه جوانب إيجابية بكل تأكيد ، كما يمكن ان يكون في كل خطاب بعض الجوانب محل اعتراض الآخرين ، ولكن ونتيجة لضعف القدرة السياسية ، أي المهارات السياسية للأطياف السياسية ، وهي في موقع المعارضة ، فان جل خطابها لم يكن مكرسا في رسم صورة الأوطان وشكل الحكم المنشود ، بقدر ما كان ذلك الخطاب موجه الى نقد الأطياف السياسية الأخرى بشكل لاذع . مما وصل الى المواطن بشك استنتاج جاهز ان تلك الأطياف معيوبة مستندا لأقوال بعضها تجاه بعض .

فاكتفى المواطن بالنقد وأوجد مبررا لجلوسه متذمرا بصمت ، دون أن يكلف نفسه بالخروج الى مظاهرة أو التوقيع على عريضة جماهيرية ، او الامتناع عن الصمت تجاه ما تقوم به الحكومات العربية من تطبيع وصمت رهيب تجاه ما يحاك ضدها هي . لا بل لا يتوانى بالذهاب الى تهنئة قريب له تسلم منصبا هاما او حتى غير هام في حكومة من تلك الحكومات التي لدى هذا المواطن فهارس طويلة من الانتقادات تجاهها ، وهذا مما يزيد من تعقيد الأمور .

فالمعارض الذي يجلس مع عينة من هؤلاء المواطنين ، يسره ما يلقاه من إطراء وتبجيل في جلسة عائلية او في ديوان عزاء ، ويعتقد ان هنالك جماهير عريضة مبتهجة لما يطرح ، و جاهزة لمؤازرته اذا تقدم للترشيح في انتخابات او تؤازره اذا جار عليه الزمن !

وذاك الذي استقبل قدر من المهنئين ، تتعاظم أحلامه و طموحاته ، فيقول انه اذا ما لمست أجهزة مخابرات الدولة هذا الحب العظيم للجماهير لي فان ذلك سيشفع لي في تحسين موقعي .

لا أريد ان أسهب في تلك الصور فهي معروفة للجميع ، وهي تصنف تحت باب النفاق العفوي غير المرغوب ، ولا يمكن وقفها الا اذا توقفت المسببات الرئيسة ، وهي القمم التي يمكن أن تكون مؤثرة في المعارضة .

ولكي تتوقف مسألة الصدود الجماهيري ، لا بد من تآلف وتحاور قيادات التيارات المؤثرة في الساحة ، فاللقاءات تخفف نقاط الاختلاف وتقلل من اللغو بين الفئات ضد بعضها البعض ، وتعزز من إمكانية التنسيق في عمل النقابات وتقلل من إمكانية قمع المظاهرات ، فقمع ألف متظاهر اسهل من قمع عشرة آلاف ، ورغبة المواطن تزيد في المشاركة ، بحالة انه يشعر ان عمله العبثي هذا لم يعد عبثيا ولم يعد محفوف بمخاطر فصله من عمله و إخافته بلقمة أولاده وتزايد فلسفة الحذلقة لديه في محاباة أجهزة الحكم ، فينطلق مواطناً مهماً بعد ان كان رقما مهمشا تعسا .

إذن رحمة بأمتنا و رحمة بأوطاننا ومنعا للأجنبي و أعوانه الليبراليين اليائسين ، فلتبدأ كل القوى الخيرة على التدرب بقبول الآخر ولتتعامل معه كشريك كامل له أهميته ، وله الحق في ان يسهم دون مصادرة أحلامه ، وليثق كل من يعتقد انه على حق ان ذاك الآخر يعتقد انه على حق ، ومن يدري فيمكن ان يكونوا كلهم على حق اذا التقوا .

وعندها ستكون محصلة القوى هي بالجمع وليس بالطرح ، ورياضيا سيكون الكل رابح وأول الرابحين الوطن والمواطن .
__________________
ابن حوران