3- التأويل : وهو التلبس والوقوع في الكفر من غير قصد ، والتأويل الذي له وجه في العلم واللغة اتفق الأئمة على أنه من موانع التكفير .. وقد سبق ذكره ..
4- الجهل ، من غير تفريط في التعلم من مثل المعين وفي ظروفه ومحيطه .
5- الخطأ : قال تعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب : 5) ..
6- العجز : قال تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ...} (البقرة : 286)
إن القاعدة المتبعة عند أئمة اهل السنة في مسألة التكفير ، هي "من ثبت إسلامه بيقين فلا يزول بشك" ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إطلاق التكفير ، فقال "أيما امرئ قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه" (مسلم) .. فالمسألة ليست هيّنة ، وأنا أنصح الإخوة بعدم إطلاق التكفير والتوسع فيه ، وكل امرئ حسيب نفسه ، يقرأ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفهمه ، فإن تيقّن وعلم علماً لا يتخلله شك فليطلق الحكم ، أما غير ذلك فالكف أسلم .. ولو وجد الإنسان لأخيه مخرجاً فليفسح له ..
نحن بحاجة إلى إدخال الناس في الدين وليس إخراجهم منه ، وهذا لا يعني أن لا نكفر من ثبت كفره ، فإن هذا تعطيل لشرع الله ، فكيف نطبق حكم الردة إن ألغينا مسألة التكفير !! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "من بدّل دينه فاقتلوه" (البخاري) ، وفي تعطيل مسألة التكفير تعطيل لحكم النبي صلى الله عليه وسلم ..
والإسلام لا يستقيم بلا تكفير ، بل أي دين أو عقيدة أو مبدأ في الارض لا تستقيم بدون تكفير ، إذ كيف نعرف من يعتقد هذا المعتقد ممن لا يعتقده إن لم نُقم حداً فاصلاً له !! فلا بد من التكفير لتتمايز العقائد والمبادئ ، وإلا حصلت الفوضى ..
بقيت مسألة الفرق بين التكفير العام وتكفير المعيّن ، وهذه لخصها شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من موضع ، وكتب رسالة في هذه المسألة (من ضمن فتاواه : أظنها في الجزء الثاني عشر) ، وقد قال ما نصه "فقد يكون الفعلُ أو المقالة كفراً ، ويُطلق القول بتكفير من قال ذلك فهو كافر ، لكن الشخص المعيّن الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها . وهذا الأمر مطّرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة ، فلا يُشهد لمعيّن من أهل القبلة بأنه من أهل النار : لجواز أن لا يلحقه ، لفوات شرط أو لثبوت مانع" (الفتاوى : ج35 ، ص165) ..
أما قول السائل :
[أما إذا قاتل المجاهدين .. فهو كافر برب الأرض والسماء , لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ( إلا أن يتوب ) وإن مات أثناء قتالهم فهو فى النار لأنه ينافح عن طاغوت , ويقاتل من يسعى لرفع راية صاحب الملك والملكوت .. سبحانه الحى الذى لا يموت .]
فهذا ليس دقيقاً ولا على إطلاقه : فليس كل من حارب المجاهدين يكون كافراً برب الأرض والسموات !! بل من قاتلهم متأولاً أو جاهلاً أو مقلداً لا يكون كافراً ، ولا أعلم في ذلك خلاف بين أهل السنة ..
بل إني أعتقد بأن المقصّر في البلاغ والبيان هو المذنب ، لا هذا العامي .. فنحن الذين قصرنا في البيان والبلاغ والدعوة إلى الحق حتى جهل هؤلاء وصدّقوا الأئمة الضلال والعلماء الفساق ، فقاتلوا المسلمين وتركوا قتال الصليبيين !!
لا بد من البيان الواضح الجلي الذي لا يُعذر – بعد سماعه وإدراكه – العامي والجاهل .. لا بد من كشف زيف وبطلان أقوال علماء السلاطين البائعين الدين بثمن بخس .. لا بد من كشف حال هؤلاء السلاطين المعتدين على دماء وحرمات المسلمين البائعين مستقبل الأمة للكفار مقابل عروشهم .. فإذا عُرف الحق ، وتمايزت الصفوف واختار الناس راياتهم ، عندها نطلق الحكم ..
وهذا لا يعني ايضا إلغاء الجهاد ، أو عدم الدفاع عن النفس ، فهؤلاء الجنود لو بادروا المجاهدين فعلى المجاهدين الدفاع عن أنفسهم بما يرد عنهم العدوان .. أما من ظهر كفره من الضباط والمحققين الذين ذكر السائل بعض حالهم ، فهؤلاء أقترح اغتالهم اغتيالات فردية مدوية تردعهم وأمثالهم عن مثل هذه الأعمال القذرة الدنيئة التي هي واجهة حكامهم النتنى ..
خلاصة القول : هؤلاء الجنود فيهم المسلم ، وفيهم الفاسق ، وفيهم المنافق ، وفيهم الجاهل ، وفيهم المتأول ، وفيهم المقلِّد ، وفيهم الكافر ، وفيهم من يظن أنه مُكره (ولا يُقبل هذا العذر من صاحبه لتعدي الضرر) ، ولا أرى إطلاق حكم الكفر عليهم ، وأما كفر أعيانهم فكل حسب حاله بضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة : من توفر الشروط وانفاء الموانع .. ولا أرى إعفائهم من كامل المسؤولية ، بل عليهم التبيّن والسؤال والتعلُّم ..
كما أرى بأننا مقصرون في البلاغ والبيان والجهاد بالكلمة في صفوف الجنود خاصة ، والناس عامة ، ونحن علينا كثير من اللوم في هذا ، ولا نُعفي أنفسنا منه .. ولو أننا انشغلنا ببيان الحق ونشره على اوسع نطاق بدلاً من تكرار المسألة بين الفينة والأخرى ، لكان هذا أفضل للأمة عامة ، وللمجاهدين والجهاد خاصة ، وعندها يقوى القول الآخر ويكون أعظم حجة لأنه انتفى الجهل والتأويل والتقليد عن كثير من الناس ..
هذا رأيي في المسألة بناء على ما ظهر لي من أدلة وما فهمته من أقوال أهل العلم ، ولا أُلزم به أحد ، فمن رآه حق فهذا من توفيق الله ، ومن رآه مجانباً للصواب ، فالكل يؤخذ من قوله ويُرد (خلا نبينا صلى الله عليه وسلم) ، والحق أحق أن يُتّبع ، فمن عرف الحق وعلمه لزمه اتباعه ، ولا يجوز للمسلم ترك العمل بالحق - بعدما تبين له – لقول بشر كائناً من كان ..
أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
7 ربيع الأول 1426 هـ