المرجع : كتاب الأذكياء لابن الجوزي " مختارات مبسطة "
باب في ذكر فضل العقل
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله " صلى الله عليه وسلم " يقول : ( أول شئ خلقه الله القلم .. ثم خلق العقل فقال : وعزتي لأكلمنك فيمن أحببت ، ولأنقصنك ممن أبغضت ) .
باب في ذكر علامات العقلاء
قالوا : إنه يستدل على عقل العاقل بسكوته و سكونه وخفض بصره ، و حركاته في أماكنها اللائقة ، و مراقبته لكل عمل يعمله و ما يتبعه من خير أو شر .
باب في سياق المنقول عن الأنبياء عليهم السلام
والآن يا أحبة الإيمان لابد لنا من التأني في قراءة ما سوف يأتي والتمعن فيه ، لعلنا بذلك ندرك و لو الشئ اليسير .. اليسير من حكمة الأنبياء وفطنتهم وحسن تدبيرهم للأمور ........
** كان داود عليه السلام نبيا من أنبياء الله تعالى الذين أرسلهم إلى بني إسرائيل ، و كان ابنه سليمان عليه السلام أيضا نبيا ترعرع في كنف أبيه ، وآتاه الله من الحكمة ما لم يؤت أباه ، وحدث في عهدهما أن امرأتان خرجتا من بيتهما ، وترافقتا في سفر ، وكانت إحداهما أكبر من الأخرى ، وكان لكل واحدة منهما صبي حملته معها في سفرها ، و ما إن ابتعدتا عن بيتهما حتى سطا عليهما ذئب كاسر ، وخطف منهما أحد الصبيين ،فأخذ الحسد يدب في قلب التي اختطف ولدها ، وراحت تخاصم رفيقتها في الولد الباقي ، وتدعي أنه لها ، حتى رفعتا قضيتهما إلى داود عليه السلام ، و لم يكن هناك شهود معهما ، و أخذت الكبرى تدلي بحجتها ، و تستعين بخبرتها التي كسبتها من الزمن ، و لم تكن الصغرى قادرة على إثبات حجتها كرفيقتها ، فظن داود عليه السلام أن الولد للكبرى ، و حكم بذلك ، فخرجتا من عنده و ما تزالان تختصمان حتى مرتا بسليمان عليه السلام ، فقال لهما : كيف أمركما ؟ فقصتا عليه قصتهما ، وطلبتا منه أن يحكم من جديد بينهما ، فقال لهما : أحضرا لي سكينا لأشق هذا الصبي نصفين و أعطي كلا منكما نصفا ، فصمتت الكبرى و لم تجب بشئ ، أما الصغرى فقد جزعت من هذا الحكم كثيرا ، وارتعدت فرائصها ، و قالت لسليمان : أو تفعل ذلك بالصبي ؟ فقال لها : نعم : فقالت : لا تفعل ذلك إذا ، لقد تنازلت عن حقي لها .
فعلم سليمان أنه لو لم يكن ولدها لما خافت عليه كل هذا الخوف ، و حاولت إنقاذه من الموت ، فقال لها : إنه لك ، خذيه فقد حكمت بينكما .
** وكان في عهد سليمان عليه السلام رجل يربي الإوز ، فأحس في أحد الأيام أن جيرانه يسرقون من إوزه ، و حاول أن يعرف السارق فلم يستطع ذلك ، فشكا أمره إلى سليمان قائلا : يا نبي الله ، إن لي جيرانا يسرقون إوزي ، و لست أعرفهم ، ففكر سليمان في الأمر ، ثم نادى الناس إلى الصلاة فهرعوا إليه ، وصلوا ، ثم وقف فيهم خطيبا و أمرهم بتقوى الله تعالى ، ونهاهم عن مخالفة أمره ، و ما زال يعظهم حتى قال لهم : ( و أحدكم يسرق إوزة جاره ثم يدخل المسجد و الريش على رأسه ؟)و لم يكن سليمان كاذبا في قوله، فقد عنى بالريش الذنوب التي حملها السارق على رأسه ، ومع ذلك أوهم السارق أن شيئا من ريش الإوزة على رأسه ، فإذا برجل يمسح برأسه ، فقال سليمان عندما رآه يفعل ذلك :( خذوه فإنه سارق الإوز ) .
|