بقية الموضوع
ضلال من لم يأخذ العلم والتزكية على أهلهما..
إن من أهم أسباب ضلال من ضل من الفرق والجماعات والأفراد المنتسبين إلى العلم، عدم أخذهم العلم والتزكية الربانية عن أهلهما، بالطريقة التي سلكها سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان..
إذ يسلك بعض الجهلة المغرورين الذين ينصبون أنفسهم للتعليم والفتوى وقد يدعون أنهم من المجتهدين، وهم على جهل بقواعد العلوم الشرعية وعلومها وآلات تلك العلوم، بسبب قراءتهم لبعض الأبواب في بعض الكتب، وسوء فهمهم لكثير مما قرأوه، وعدم اقتدائهم بالصحابة والتابعين وعامة السلف الصالح في أخذ العلم عن أهله المتحققين به..
وهذا من أهم أسباب الزيغ، وهو منطلق المُفرِطين والمُفَرِّطين.. ولهذا حث فقهاء الإسلام طلاب العلم على سلوك نهج السلف في طلب العلم على أيدي أهله الذين يجمعون بين العلم والعمل، والتربية، وحذروهم من سلوك نهج فرق الضلال..
ومن ذلك قول الشاطبي رحمه الله:
"من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به، أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام..
وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات:
إحداها: العمل بما علم، حتى يكون قوله مطابقاً لفعله، فإن كان مخالفاً له، فليس بأهل لأن يؤخذ عنه، ولا أن يُقتدَى به في علم..
والثانية: أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم، وملازمته لهم، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك، وهكذا شأن السلف الصالح..
فأول ذلك ملازمة الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذهم بأقواله وأفعاله واعتمادهم على ما يرد منه، كائناً ما كان، وعلى أي وجه صدر..
وصار مثلُ ذلك أصلاً لمن بعدهم، فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى فقهوا ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية..
وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالماً اشتهر في الناس الأخذ عنه، إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك.. وقلما وجدت فرقة زائغة ولا أحدا مخالفا للسنة، إلا وهو مفارق لهذا الوصف".. [كتاب الموافقات في أصول الشريعة (1/91-95) بتحقيق الأستاذ محمد عبد الله دراز، باختصار]..
وذكر في موضع آخر أن فرق الضلال، يعمدون إلى ظواهر الأدلة التي لا يعجزون عن الاستدلال بها على مذاهبهم، أي وهم يتركون ظواهر أدلة تخالف مذهبهم دون تمحيص ولا جمع بين تلك الأدلة والعمل بكل منها في موضعه..
قال:
"ولذلك لا تجد فرقة من الفرق الضالة، ولا أحدا من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية، يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، وقد مر من ذلك أمثلة، بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة".. [الموافقات(3/76)]..
وقال ابن تيمية رحمه الله في رده على بعض المخالفين:
"والعلم شيئان إما نقل مصدق، وإما بحث محقق، وما سوى ذلك فهذيان مسروق، وكثير من كلام هؤلاء هو من هذا القسم من الهذيان، وما يوجد فيه من نقل فمنه ما لا يميز صحيحه عن فاسده، ومنه ما لا ينقله على وجهه، ومنه ما يضعه في غير موضعه..
وقد قيل:
"إنما يفسد الناس نصف متكلم، ونصف فقيه، ونصف نحوي، ونصف طبيب، هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد اللسان، وهذا يفسد الأبدان" [مجموع الفتاوى [(2/729- 730)].
وإذا كان "أَنصاف" هؤلاء الأصناف يفسدون المعاني – وبخاصة الأديان – وغيرها من المحسوسات والماديات، فإنا نجد اليوم من لا يبلغ "أرباع" ولا "أثمان" ما بلغه أولئك الأنصاف..
ولهذا تضاعف فسادهم، وبخاصة في هذا العصر الذي يستطيع فيه كل مفسد أن ينشر فساده ويعممه عن طريق وسائل الاتصال التي لم يتمكن منها المفسدون في القرون الأولى..
موقع الروضة الإسلامي..
http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=start
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..
|