عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 12-05-2005, 02:47 AM
tigger tigger غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 49
إفتراضي

وفـي أواخر عام 1948م أعلن عن قيام الكيان الصهيوني فـي فلسطين فسارعت إدارة ترومان إلى الاعتراف بهذا الكيان بعد عشرة دقائق من إعلانه.

إذن أصبحت سياسة الولايات المتحدة منذ أن أصدر (ترومان) أوامره فـي 27 شعبان 1364 هـ المصادف يوم 6 أغسطس 1945 م بالقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما، وبعد ثلاثة أيام أصدر أوامره بالقاء القنبلة الثانية على مدينة نكازاكي، أسيرة لشهوة الرأسمالية الأمريكية. يقول (جورج كينان) رئيس هيئة التخطيط السياسي فـي وثيقة وضعها فـي شباط 1948م: إن لدينا خمسين بالمائة من ثروة العالم ولكن 6.3 ٪ من عدد سكانه، وفـي مثل هذا الوضع لا نستطيع أن نكن عن أن نكف موضع الحسد والاستياء وواجبنا الحقيقي فـي هذه الفترة القادمة أن نبتدع إطار علاقات يسمح لنا بالمحافظة على وضع عدم التعادل هذا.. ولسنا بحاجة لخداع أنفسنا فـي أننا نستطيع أن نتحمل اليوم ترف الايثار والاحسان العالمي.. وعلينا أن نتوقف عن الحديث عن الأهداف الغامضة وغير الحقيقية، مثل حقوق الإنسان ورفع مستوى المعيشة، وتحقيق الديمقراطية، وليس ذلك اليوم ببعيد حين يكون علينا أن نتعامل بتطورات القوة الصرفة. وكلما كانت الشعارات المثالية أقل إعاقة لنا كان الوضع أحسن.. ان مصالح المجتمع القومي التي يجب أن تعني بها الحكومة هي أساساً مصالح الأمن العسكري وتكامل حياته السياسية ورفاه شعبه، وهذه لاتحتاج لأن تكون لها صفة أخلاقية. ولقد ناقش نعوم تشومسكي أفكار (كينان) السابقة، وخلص إلى انه: يرى أن السياسة الأمريكية تسعى لخلق الأعداء باستمرار، وهو يضرب أمثلة عديدة من غواتيمالا ونيكاراغوا إلى فـيتنام وأندونيسيا. ويقدم معلومات عن المذابح التي ارتكبت ضد هذه البلدان. ولقد قدم (تشومسكي) بالإضافة إلى ذلك حقيقتين هامتين:

الأولى: من حيث علاقة السياسة الأمريكية بحقوق الإنسان: وقد أثبت (كينان) استناداً إلى دراسة متخصصة ان المساعدات الأمريكية تزداد حيث يتدهور مناخ حقوق الإنسان.

الثانية: حول علاقة المساعدات الأمريكية بالتحولات فـي مناخ عمليات الاتجار والاستثمار. ولقد أثبت كينان أيضاً ان المساعدات الأمريكية تزداد بمقدار ما يتحسن مناخ عمليات الاتجار والاستثمار ([7]). هكذا أصبح واضحاً أن (المصالح الحيوية) للولايات المتحدة التي يرددها السياسيون الامريكيون لا بد وأن يرافقه إيجاد أنظمة لها استعداد غير محدود لتنفـيذ السياسة الأمريكية فـي الحيز الذي تسيطر عليه هذه الأنظمة، وأن تكون ذات طبيعة وحشية تراهن على القمع وكم الافواه تحت حماية الولايات المتحدة بصيغ وأشكال يفرضها الواقع الذي تعيشه هذه الأنظمة. كتب (تشارلز ميخلنغ): إن قبول الإدارة الأمريكية بممارسة التعذيب والقتل الجماعي الذي تقوم به حكومات عميلة، يقترب إلى درجة الخطر من انتهاكات حرمت فـي محكمة جرائم الحرب فـي نورمبرج ([8]).

فـي شباط 1949م أكمل (مبدأ ترومان) بـ (برنامج ترومان) الذي اشترطت إحدى بنوده مباشرة تدعيم وتوسيع الاحلاف العسكرية تحت حماية أمريكا. فالبند الرابع من البرنامج وسع نفوذ (مبدأ ترومان)، وبالتالي خطة الولايات المتحدة للانخراط فـي أحلاف عسكرية خارج حدود أوروبا فـي البلدان النامية ([9])، وبهذا أصبحت سياسة تشكيل الاحلاف السياسية العسكرية والتحالفات المدعوة لاقامة السيادة الأمريكية على العالم إحدى أهم عناصر إستراتيجية الإدارة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. واهتمت الولايات المتحدة بنشاط فـي فترة ما بعد الحرب، وبعد ان خرقت تقليد عدم الدخول فـي الاحلاف، بتشكيل الائتلافات السياسية فـي كل العالم والمواثيق العسكرية والتنظيمات الاقليمية المغلقة والتكتلات الاقتصادية. وأدخلت الإدارة الأمريكية فـي حيز التطبيق فـي إطار سياستها هذه مجموعة من البرامج، والتي تهدف فـي حقيقتها إلى إنحياز تحالفات غير منظورة بشكل متواز مع البرامج العديدة الأخرى التي كانت موجهة أيضاً لاقامة علاقات عسكرية تحالفـية متبادلة بالفعل بين أمريكا والبلدان الأخرى، (فضمان الأمن المتبادل) مثلا هو أحد البرامج الذي طبقاً له أخذت الولايات المتحدة تورّد لشركائها الناشئين التقنية العسكرية والسلاح والذخيرة وتقدم المساعدة لبناء الصناعة العسكرية الخاصة بها وتجهيز وتدريب قواتها المسلحة.

كانت السياسة التحالفـية لبناء الصناعة فـي مقدمة العلاقات المتبادلة بين الولايات المتحدة وشريكاتها، وفـي حقيقة الأمر كانت أحد الاشكال الجديدة للتوسع الأمريكي على الساحة الدولية. وخطة ما بعد الحرب الأمريكية لاقامة النظام المتشعب للعلاقة المتبادلة بين الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية وبين الدول الأخرى الموالية لها كانت تعني إبتعاد الاوساط الأمريكية الحاكمة عن أحد المبادئ السياسية الخارجية الرئيسية الذي وضعه المؤسسون للدولة الأمريكية والذي أصبح فـيما بعد تقليداً بالنسبة لهذا البلد. وقد أوصى الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن فـي (رسالته الوداعية لامريكا) الشعب الأمريكي بـ (تجنب الاحلاف الدائمة مع أية منطقة من العالم، وهذه الوصية بعدم تقييد النفس بالالتزامات فـي الخارج لم تنفذ عملياً اطلاقاً لأن أمريكا لم ترفض أبدا احتمال استخدام القوة كما تشاء لتحقيق مصالحها التوسعية ([10]).

وإذا كانت الاولوية فـي التخطيط الدفاعي الأمريكي قد أعطيت لأوروبا الغربية فإن الشرق الأوسط لم يغب عن الاهتمام. ففـي 7 محرم عام 1368 هـ المصادف يوم 8 نوفمبر 1948م قام وزير الدفاع جيمس فورستال بابلاغ وزير الخارجية مارشال أن الهيئة المشتركة لرؤساء الأركان قد وافقت مؤخرا على سلسلة من الخطوط التي يجب اتخاذها فـيما يتعلق (بالسعودية) من أجل تحسين الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة، وأوضحت الهيئة المشتركة لرؤساء الأركان أن القدرات الدفاعية الأمريكية ستتحسن تحسناً كبيراً فـي حالة نشوب حرب ضد الاتحاد السوفـيتي إذا ما تم استخدام قاعدة الظهران الجوية لإدارة عمليات جوية مستمرةِ. ولذلك اوصت الهيئة بأن تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق ذلك عن طريق زيادة عدد القوات العسكرية الأمريكية المعينة فـي القاعدة زيادة جوهرية ([11]).

فـي يونيو 1950م بدأت الحرب الكورية وازدادت مع بدأها أهمية الوجود العسكري الأمريكي فـي الجزيرة العربية، كما أنه من جانب آخر أدركت الولايات المتحدة أهمية تقوية النظام السعودي لخشيتها من سقوطه. على ضوء ذلك تم تجديد عقد قاعدة الظهران فـي يونيو 1950م، وأرسل الرئيس الأمريكي ترومان فـي 20 محرم عام 1370 هـ المصادف يوم 31 أكتوبر 1950م تعهداً عن طريق السفـير الأمريكي الجديد (ايموند هار) بأن أي تهديد يقع على (المملكة) سيكون موضع الاهتمام المباشر من جانب الولايات المتحدة ([12]).

فـي أكتوبر 1951م تقدمت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا إلى كل من مصر وسوريا ولبنان والعراق و(السعودية) واليمن والكيان الصهيوني والأردن باقتراح للمشاركة فـي تشكيل ما يسمى بقيادة الشرق الأوسط الموحدة، وكان من المزمع ان توضع تحت إشراف هذه القيادة طرق المواصلات والمنشآت العسكرية الواقعة داخل أراضي الدول العربية، وكان من المؤمل ان ترابط فـيها قوات أجنبية ويقام اتصال بين قيادة الشرق الأوسط الموحدة والناتو إلاّ ان هذا الاقتراح قد فشل ولم يطبق.

بعد اخفاق ذلك خلص مخططوا الاستراتيجية الأمريكية إلى استنتاج يقول بضرورة تغيير التكتيك. لذا أرسيت فـي أساس خطتهم الجديدة فكرة تشكيل ما يسمى بـ (حزام الدفاع الشمالي) المؤلف من تركيا وايران وباكستان على ان ينضم إلى هذه الدول فـي وقت لاحق العراق ودول عربية أخرى.

فـي يوليو 1952م حدث انقلاب عسكري فـي مصر، ورفع الانقلابيون شعارات تدعو إلى القضاء على الوجود الغربي، والى وحدة الشعوب العربية، هذه الشعارات شكلت تحدياً للسياسة التي يتبعها النظام السعودي والتي ترتكز على أساس الحفاظ على المصالح الأمريكية فـي المنطقة. أمام هذا الموقف الجديد كان لابد للادارة الأمريكية من التصرف وفق استراتيجيتها بطريقة مزدوجة. فالشعارات التي أطلقها الانقلابيون فـي مصر قد ألهبت حماس شعوب المنطقة، وأخذت تضغط على أنظمتها من أجل استرجاع حقوق الشعب الفلسطيني، وانهاء نفوذ الولايات المتحدة التي تساند الكيان الصهيوني فـي المنطقة. لذلك عملت الولايات المتحدة على ثلاث مسارات: ـــ

المسار الأول: هو الايحاء بأنها ستقف على الحياد فـي الصراع العربي ـ الصهيوني.

المسار الثاني: هو الاسراع فـي بناء ترتيباتها لزيادة وجودها العسكري فـي الجزيرة.

المسار الثالث: تهيئة ظروف محلية لاحداث حالة الاحباط لدى شعوب المنطقة.

عندما تسلمت إدارة (ايزنهاور) السلطة فـي يناير، أكدت أنها تحبذ انتهاج منهج غير منحاز تجاه (إسرائيل) والدول العربية ([13]). هذا التأكيد كان ورقة رابحة أهدتها الإدارة الأمريكية للنظام السعودي للتخفـيف عنه من المأزق الذي وقع فيه بعد الانقلاب المصري.