عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 12-05-2005, 02:48 AM
tigger tigger غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 49
إفتراضي

وعلى المسار الثاني وصل فـي 4 رمضان 1372 هـ المصادف يوم 17 مايو 1953م إلى الرياض وزير الخارجية (دلاس) ومدير المعونة (هارولد ستاسين) واجتمعا مع ابن سعود. ولدى عودتهما إلى واشنطن اثنى (دلاس) على (الملك) ووصفه بأنه صديق جيد واحد أعظم شخصيات الشرق الأدنى فـي هذا القرن. وفـي 25 رمضان عام 1372 هـ المصادف يوم 7 يونيو 1953م وقعت الولايات المتحدة و(السعودية) اتفاقية تتيح انشاء بعثة تدريب عسكرية أمريكية فـي (المملكة) ووصل أفرادها الأمريكيون إلى (الجزيرة العربية) قبل نهاية نفس العام. وكان إنشاء بعثة التدريب نذيراً بزيادة هامة فـي الوجود الأمريكي، كما انه أدى إلى نمو حثيث فـي العلاقات الثنائية فـي الاعوام التالية. وتم مد فترة اقامة البعثة عدة مرات. وقد ظل وجود هذه البعثة بقوة قوامها (2000) شخص تقريبا ثابتاً على مر السنين ([14]).

أمّا على المسار الثالث فقد استمرت الولايات المتحدة، وفق (مبدأ ترومان) بسياسة خلق الاحلاف فـي المنطقة. ففـي 3 رجب عام 1374 هـ المصادف يوم 24 فبراير عام 1955م عقد العراق، تحت ضغط أمريكي ـ بريطاني مشترك، معاهدة حلف عسكري مع تركيا. وفـي 13 شعبان عام 1374 هـ المصادف يوم 5 أبريل 1955م أعلنت بريطانيا عن رغبتها فـي الإنظمام إلى هذا الحلف الذي اشتهر فـي وقت لاحق باسم (حلف بغداد)، وفـي سبتمبر ـ أكتوبر من نفس العام انضم إليه كل من باكستان وايران. لم تنتم الولايات المتحدة رسميا إلى حلف بغداد لكنها شاركت مشاركة نشيطة فـي عمل لجانه الاساسية، وهي اللجنة العسكرية، ولجنة مكافحة (النشاط الهدام)، واللجنة الاقتصادية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى عمدت الولايات المتحدة على تهيئة الظروف للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 م. فقد عمدت فـي يوليو 1956م إلى سحب عرضها للمساعدة فـي بناء السد العالي، الأمر الذي دفع بعبد الناصر إلى ان يعلن عن تأميم قناة السويس الذي جعلته بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني ذريعة لشن هجومها على مصر. ووسط دهشة حلفائها شجبت إدارة ايزنهاور الهجوم على مصر، ودعت إلى انسحاب القوات البريطانية والفرنسية و(الإسرائيلية). فـي عام 1957م بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر أعلن (ايزنهاور) مبدأه فـي رسالة إلى الكونغرس فـي 4 جمادى الثانية عام 1376 هـ المصادف يوم 5 يناير 1957م، والذي صادق عليه فـي قراره الصادر يوم 8 شعبان 1376 هـ المصادف يوم 9 مارس 1957م، أعلن (مبدأ ايزنهاور) الشرق الأوسط منطقة مهمة من وجهة نظر (المصالح الوطنية الأمريكية) وجاهر باستعداد واشنطن لاستخدام القوات المسلحة فـي سبيل ما أسماه مساعدة كل أمة أو مجموعة من الامم تطلب تقديم العون فـي مواجهة عدوان مسلح يشنه أي بلد تشرف عليه الشيوعية. وكان أول تطبيق عملي لهذا المبدا هو التدخل العسكري الأمريكي فـي لبنان يوم 28 ذي الحجة عام 1377 هـ المصادف يوم 15 يوليو 1958م أي فـي اليوم التالي للانقلاب العسكري فـي العراق.

وفـي عام 1957م قال (ايزنهاور) فـي معرض تسويقه لمشروعة المسمى بملء الفراغ فـي الشرق الأوسط: إن الأمور التي تؤكد أهمية الشرق الأوسط القصوى احتواءه على ثلثي مصادر البترول المعروفة فـي العالم إذ ان هذه المصادر البترولية لا تقل أهمية عن الحلف الاطلسي بل ان هذا الحلف يفقد معناه وهدفه إذا فقدنا (مصالحنا) البترولية فـي الشرق الأوسط ([15]).

واستناداً لمبدأه طالب (ايزنهاور) من الكونغرس الأمريكي منحه السلطات اللازمة لتقديم أية مساعدات عسكرية بما فـي ذلك استخدام القوات العسكرية الأمريكية لتنفـيذ ما أسماه (حماية السلامة الاقليمية لدول الشرق الأوسط والاستقلال السياسي لشعوبه التي تطلب هذه المساهمة ضد العدوان المسلح المكشوف المباشر أو غير المباشر من أية دولة تسيطر عليها الشيوعية العالمية). وبنى ايزنهاور مبدأه على أساس: أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة حرجة بعد تمتع دوله بالاستقلال وهي التي كان أمنها يعتمد على نفوذ بعض القوى العالمية: الانجليزية والفرنسية، مما أدى إلى حدوث فراغ فـي المنطقة ([16]).

يقول (هيرمان فنر) أحد المحللين السياسيين: إن السمة البارزة فـي (مبدأ ايزنهاور) هي: ان المصلحة القومية للولايات المتحدة هي تبرير التدخل المسلح الأمريكي فـي الشرق الأوسط حسب التقدير المطلق للولايات المتحدة. ولا شك أن هذا المبدأ كان فـي أحد جوانبه الهامة يمثل محاولة لدعم (الأمن الاقليمي) للولايات المتحدة و (مصالحها) النفطية فـي الشرق الأوسط فـي أعقاب فشل حلف بغداد والهزيمة السياسية للحلفاء فـي حرب السويس ([17]).

فـي سبتمبر 1962م حدث انقلاب عسكري فـي اليمن أطاح بالملكية هناك. هذا الأمر زاد من توتر العلاقات بين النظام المصري والنظام السعودي، إذ ساند الأخير اتباع الإمام المخلوع، وساند النظام المصري النظام الجديد. وازدادت الأمور تعقيداً عندما قطع النظام السعودي علاقاته الدبلوماسية مع النظام المصري، واتهمه بدفع طائراته الحربية وقطعه البحرية بمهاجمة قرى على طول الساحل للبلاد.

استغلت الولايات المتحدة هذا التوتر فـي العلاقات لزيادة تواجدها فـي الجزيرة. ففـي نوفمبر 1962م قامت طائرات حربية أمريكية بزيارة للرياض، فـيما وصف بأنها زيارة ودية لكن الدلالات العسكرية لهذه الزيارة كانت واضحة للمراقبين بأنها تواجد من نوع جديد فـي الجزيرة. كما أن إدارة كندي أشارت إلى الأهمية التي تعلقها على حفظ أمن النظام السعودي، ففـي 8 شعبان 1382 هـ المصادف يوم 3 يناير 1963م اصدرت وزارة الخارجية الأمريكية استنكاراً علنياً للهجمات الجوية المصرية، وشددت على الاهتمام الأمريكي بالحفاظ على سلامة النظام السعودي.

بعد اغتيال كندي واستلام الإدارة الأمريكية من قبل (جونسون) كانت هناك عدة أمور تواجه السياسة الأمريكية فـي المنطقة عليه انجازها على طريق زيادة النفوذ الأمريكي وهذه الأمور هي:

الأول: زيادة الرفض الشعبي للوجود الأمريكي فـي المنطقة وانكشاف أهداف الولايات المتحدة فـي المنطقة. هذا الرفض أقلق النظام السعودي وأخذ يستنجد بالادارة الأمريكية لدفع الكيان الصهيوني بالاعتداء على مصر وسوريا لمعاقبتها. ففـي رسالة ارسلها فـيصل إلى الرئيس الأمريكي (جونسن) تحمل الرقم 342/ 9م (ز / س) بتاريخ 15 رمضان 1386هـ الموافق 27 ديسمبر 1966م قال: إن لم تدعم أمريكا (إسرائيل) لاحتلال الأراضي المصرية والسورية لكيلا يرفع المصريون رؤوسهم بعيداً عن القتال ويتوقف المد القومي من سوريا ومصر فسوف لن ينسحب الجيش المصري من اليمن وستزداد الثورة فـي الجنوب قوة وستقوم ثورات فـي بلادنا، وسوف لن يحل عام 1970م وقد بقي لنا ولكم وجود فـي هذه المنطقة...) ([18]).

الثاني: ان الكيان الصهيوني الذي أصبح يمتلك ترسانة من الأسلحة التي زودته بها الولايات المتحدة يتطلع إلى انجاز عسكري على حساب الدول العربية، ولفرض وجوده.

الثالث: إن النظام السعودي الذي يمثل حجر الزاوية فـي تنفـيذ سياسة الولايات المتحدة فـي المنطقة يعيش مأزقاً حاداً نتيجة لإنكشاف تآمره على القضية الفلسطينية، لذلك كانت الإدارة، الأمريكية تتطلع إلى إيجاد أمر تستطيع بواسطته اخراج هذا النظام من مأزقه. هذا الأمر لا يتم إلاّ عن طريق كسر سياسة عدم التفاوض مع الكيان الصهيوني الذي تعلنه الأنظمة العربية، مما يخفف الحمل عن النظام السعودي، ولا يمكن تحقيق كل ذلك إلاّ من خلال خلق وضع جديد فـي المنطقة تكون فـيه الولايات المتحدة قادرة على فرض شروطها وشروط الكيان الصهيوني.

الرابع: ان الولايات المتحدة لا يمكنها ان تقف مكتوفة الايدي وهي ترى علاقات الاتحاد السوفـيتي تزداد وثوقاً مع الأنظمة الجديدة فـي المنطقة.

الخامس: فـي عام 1965م دخلت الولايات المتحدة الحرب ضد الفـيتناميين بكل ثقلها على أمل تحقيق نصر سريع ضدهم . إلاّ أن سير المعارك كان يشير إلى أن الوضع لا يمكن حسمه بسهولة وخاصة بعد معركة (جونكشن سيتي) فـي 4 محرم 1387 هـ المصادف يوم 13/ 4/ 1967م، التي بلغت فـيها خسائر القوات الأمريكية فـي هذه المعركة نحو (14) ألف جندي، و(1000) آلية من بينها (801) مصفحة ودبابة، و (167) طائرة من مختلف الأنواع، و(90) مدفعاً ثقيلاً[19]. لذلك كانت إدارة جونسون تعمل على دفع الأمور فـي المنطقة إلى حالة تستطيع بموجبها زيادة نفوذها فـي المنطقة للتعويض عن هذا الوضع.

أمام هذه الأمور عملت إدارة جونسون على دفع الكيان الصهيوني للقيام بعدوان على الدول العربية. رغبة الإدارة الأمريكية هذه كانت متوافقة مع رغبة الكيان الصهيوني الذي كان يستعد لذلك. يقول هيكل: فقد كانت (إسرائيل) هي التي زودت واشنطن بروايات مثيرة للقلق كجزء من عملية الاستمرار فـي اشراك الامريكيين فـي مصيرها ([20]).

ويقول (كواندت): ففـي 17 صفر عام 1387 هـ المصادف يوم 26 مايو 1967 م توجه (أبا إيبان) إلى البنتاغون حيث أبلغه القادة العسكريون وهيلمز مدير وكالة المخابرات المركزية أن (الاسرائيليين) سوف يكسبون بسهولة. وكانت هناك أيضاً تلك العبارة الغامضة التي تكررت فـي مناسبات كثيرة خلال الأيام الحاسمة من الأزمة قبل يوم (5 يونيو) والتي تقول: (ان إسرائيل سوف تكون بمفردها فقط إذا قررت أن تمضي بمفردها)، وهي العبارة التي قرئت فـي الكيان الصهيوني على أنها تتضمن تلميحاً بضوء أخضر (لإسرائيل)، ولعل الأهم من ذلك هو الزيارة السرية التي قام بها (مائيرعميت) مدير المخابرات (الإسرائيلية) إلى واشنطن فـي 21 صفر عام 1387 هـ المصادف يوم 30 مايو 1967 م، وقد تلقى انطباعاً من ماكنمارا (البنتاغون) وهيلمز (وكالة المخابرات المركزية) بأنه إذا تصرفت (إسرائيل) بنفسها وحققت انتصاراً حاسماً فلن يزعج أحد فـي واشنطن من ذلك ([21]).