عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 14-05-2005, 01:51 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

وهذا ما يجعلنا نجزم بأن ما نشاهده من وسائل وأساليب يأتي فيها الرزق إنّما هي حالات يحصل أن يأتي الرزق فيها. فالله تعالى يقول: (وكلوا مما رزقكم الله) (الذي خلقكم ثم رزقكم) (أنفقوا مما رزقكم الله) (إن الله يرزق من يشاء) (الله يرزقها وإياكم) (نحن نرزقك) (نحن نرزقكم وإياهم) (نحن نرزقهم وإياكم) (ليَرزُقنّهم الله) (يبسط الرزق لمن يشاء) (فابتغوا عند الله الرزق) (وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها) (إن الله هو الرزاق).
فهذه الآيات وغيرها كثير، قطعية الدلالة ولا تحتمل إلاّ معنى واحداً لا يقبل التأويل وهو أن الرزق من الله وحده لا من غيره. إلاّ أن الله أمر عباده بالقيام بأعمال جعل فيهم القدرة على الاختيار بأن يباشروا فيها الحالات التي يأتي فيها الرزق. فهم الذين يباشرون جميع الحالات التي يأتي فيها الرزق باختيارهم، ولكن ليسوا هم الذين يأتون بالرزق، كما هو صريح نص الآيات، بل الله هو الذي يرزقهم في هذه الحالات بغض النظر عن كون الرزق حلالاً أو حراماً، وبغض النظر عن كون هذه الحالات قد أباحها الله، أو حرمها أو أوجبها، وبغض النظر عن كونها قد حصل فيها الرزق أم لم يحصل. إلاّ أن الإسلام قد بين الكيفية التي يجوز للمسلم أن يباشر فيها الحالة التي يحصل فيها الرزق، والتي لا يجوز له أن يباشرها. فبيّن أسباب التملك لا أسباب الرزق، وحصر الملكية بهذه الأسباب. فليس لأحد أن يملك الرزق إلاّ بسبب شرعي لأنه هو الرزق الحلال وما عداه فهو رزق حرام، وإن كان الرزق كله –حلالاً أو حراماً- من الله سبحانه وتعالى.

التقيد بالأحكام الشرعية يحتمه الإيمان بالإسلام

الأفعال التي يقوم بها العباد باختيارهم لا تأخذ أي حكم قبل ورود الشرع، فهي غير واجبة عليهم، ولا مندوبة، ولا محرَّمة، ولا مكروهة، ولا مباحة، بل يقومون بها حسب ما يرونه هم من مصلحة لهم، لأنه لا تكليف قبل ورود الشرع، قال تعالى: (وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً)، فأمّن الله بهذه الآية خلقه من العذاب على ما يرتكبون من أعمال قبل بعثة الرسل، فهم غير مسؤولين لأنهم غير مكلَّفين بحكم من الأحكام. فإذا أرسل الله لهم رسولاً، أصبحوا مقيَّدين بما جاءهم به ذلك الرسول ولم تبق لهم حجة على عدم التقيد بالأحكام التي جاء بها الرسول، قال تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل). فمن لم يؤمن بذلك الرسول كان مسؤولاً أمام الله عن عدم إيمانه وعن عدم التقيد بالأحكام التي جاء بها، ومن آمن به كان مقيداً بالأحكام التي جاء بها ومسؤولاً عن عدم اتباع أي حكم منها.
ومن هنا كان المسلمون مأمورين بأن يسيّروا أعمالهم بحسب أحكام الإسلام، لأنهم ملزَمون بتسيير أعمالهم وفق أوامر الله ونواهيه، قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). ولا يقال هنا: وما لم يأتكم به ولم ينهكم عنه فأنتم غير مكلَّفين به. لأن التكليف بالشرع عام لعموم الرسالة للإنسان وليس لأفعال معينة من أفعاله، قال تعالى: (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً)، فصار يتحتم أن يكون ما أتاكم به من حكمِ كل فعل وما نهاكم عنه من حكمِ كل فعل. وعليه فإن كل مسلم أراد أن يقوم بفعل من الأفعال لقضاء حاجاته والقيام بمصالحه، وجب عليه شرعاً أن يعرف حكم الله في ذلك الفعل قبل القيام به حتى يقوم به بحسب الحكم الشرعي فيه. ولا يقال هنا: إن هناك أشياء حدثت لم يَنُص الشرع عليها فترك لنا الاختيار في فعلها وعدم فعلها. لأن ذلك يعني أن الشريعة ناقصة وغير صالحة إلاّ للعصر الذي جاءت به. وهذا مخالف للشريعة نفسها، وللواقع الذي تنطبق عليه، إذ أن الشريعة لم تأت بأحكام تفصيلية لأشياء معينة حتى تقف عندها، وإنّما جاءت بمعان عامة لمشاكل الإنسان من حيث هو إنسان بغض النظر عن الزمان والمكان، فتندرج تحت هذه المعاني جميع الأفعال الجزئية. فإذا حدثت مشكلة أو جدَّت حادثة فإنها تُدرَس ويُفهم واقعها ثم يُستنبَط حلها من المعاني العامة التي جاءت بها الشريعة، فيكون ما استُنبط من رأي هو حكم الله في هذه المشكلة أو تلك الحادثة. وقد سار المسلمون على ذلك منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ذهاب الدولة الإسلامية. ولا يزال المسلمون المتمسكون بالإسلام يسيرون على ذلك. فقد حدثت مشاكل في أيام أبي بكر لم تكن في زمن الرسول، وحدثت مشاكل في أيام هارون الرشيد مثلاً لم تكن في أيام أبي بكر، فاستنبط لها المجتهدون الذين كانوا يُعَدّون بالمئات والألوف أحكاماً شرعية لم تكن معروفة من قبل. وهكذا ساروا في كل مشكلة، وكل حادثة، لأن الشريعة الإسلامية جامعة: فما من مشكلة إلاّ ولها محل حكم، وما من مسألة إلاّ ولها حكم. وعليه فيجب على كل مسلم أن يتقيد بأفعاله بالأحكام الشرعية، وأن لا يقوم بعمل إلاّ بحسب أوامر الله ونواهيه.

لا يحصل الموت إلاّ بانتهاء الأجل

يظن كثير من الناس أن الموت وإن كان واحداً، ولكن أسباب الموت متعددة. فقد يكون الموت من مرض مميت كالطاعون مثلاً، وقد يكون من طعن سكين أو ضرب رصاص أو حرق بالنار أو قطع رأس أو وقف القلب أو غير ذلك. فهذه كلها عندهم أسباب مباشرة تؤدي إلى الموت، أي يحصل الموت بسببها. ومن أجل ذلك اشتُهرت على لسانهم عبارة "تعددت الأسباب والموت واحد".
والحقيقة هي أن الموت واحد، وأن سببه واحد أيضاً وهو انتهاء الأجل ليس غير. وأمّا هذه الأشياء التي تحصل ويحصل من جرائها الموت فهي أحوال يحصل فيها الموت وليست أسباباً للموت.
وذلك أن السبب ينتِج المسبَّب حتماً، وأن المسبَّب لا يمكن أن ينتُج إلاّ عن سببه وحده، بخلاف الحالة، فإنها ظرف خاص بملابسات خاصة يحصل فيها الشيء عادة، ولكنه قد يتخلف ولا يحصل. فقد توجد الحالة ولا يحصل الموت، وقد يحصل الموت ولا تحصل الحالة.
والمتتبع لكثير من الأشياء التي يحصل فيها الموت، والمتتبع للموت نفسه، يجد أنه قد تحصل هذه الأشياء ولا يحصل الموت، وقد يحصل الموت ولا تحصل هذه الأشياء. فمثلاً: قد يُضرب شخص سكيناً ضربة قاتلة ويُجمِع الأطباء على أنها قاتلة، ثم لا يموت فيها المضروب بل يشفى ويعافى منها. وقد يحصل الموت دون سبب ظاهر، كأن يقف قلب إنسان فجأة فيموت في الحال دون أن يتبين أي سبب لوقوف هذا القلب لجميع الأطباء بعد الفحص الدقيق.
والحوادث على ذلك كثيرة يعرفها الأطباء. وقد شَهِدَت منها المستشفيات آلاف الحوادث. يحصل سببٌ يؤدي إلى الموت عادة جزماً، ثم لا يموت الشخص. ويحصل موت فجأة دون أن يظهر أي سبب أدى إليه. ومن أجل ذلك يقول الأطباء جميعاً إن فلاناً المريض لا فائدة منه حسب تعاليم الطب ولكن قد يعافى وهذا فوق علمنا. ويقولون إن فلاناً لا خطر عليه وهو معافى وتجاوز دور الخطر، ثم ينتكس فجأة فيموت. وهذا كله واقع مشاهَد محسوس من الناس ومن الأطباء. وهو يدل دلالة واضحة على أن هذه الأشياء التي حصل منها الموت ليست أسباباً له، إذ لو كانت أسباباً لَما تخلّفت، ولَما حصل بغيرها. فمجرد تخلفها ولو مرة واحدة، ومجرد حصول الموت بدونها ولو مرة واحدة يدل قطعاً على أنها ليست أسباباً بل حالات، وسبب الموت الحقيقي الذي ينتِج المسبَّب هو غيرها وليست هي.
وهذا السبب الحقيقي لم يستطع العقل أن يهتدي إليه لأنه لم يقع تحت الحس، فلا بد أن يخبرنا به الله، وأن يثبت ذلك بدليل قطعي الدلالة والثبوت. وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في آيات متعددة بأنه الأجل، وأن الله هو الذي يميت. فالموت يحصل بالأجل والذي يميت هو الله سبحانه وتعالى. وقد ورد ذلك في آيات متعددة، قال تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله كتاباً مؤجلاً) (الله يتوفى الأنفس حين موتها) (ربي الذي يحيي ويميت) (والله يحيي ويميت) (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيَّدة) (قل يتوفاكم مَلَك الموت الذي وُكِّل بكم) (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) (نحن قدّرنا بينكم الموت) (إن أجل الله إذا جاء لا يؤخَّر) (إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
فهذه الآيات وغيرها قطعية الثبوت قطعية الدلالة بأن الله هو الذي يميت، وأن سبب الموت هو انتهاء الأجل، وليس الحالة التي حصل فيها الموت.
وعلى ذلك كان واجباً على المسلم أن يؤمن عقلاً وشرعاً بأن ما يظنه أسباباً للموت هو حالات وليست أسباباً، وأن السبب غيرها، وثبت شرعاً من طريق الدليل القطعي أن الموت بيد الله، وأن الله هو الذي يميت، وأن سبب الموت هو انتهاء الأجل. وإذا جاء الأجل لا يؤخر ولا يقدّم ولا يستطيع إنسان أن يتوقّى من الموت أو يهرب منه مطلقاً، فهو آتيه لا محالة.
أمّا الذي أمر الإنسان أن يتوقّاه ويعمل على إبعاده عنه فهو الحالات التي يحصل منها الموت، فلا يعرِّض نفسه لأي حالة من الحالات التي يحصل فيها الموت عادة. أمّا الموت لا يخاف منه، ولا يهرب منه، لأنه لا يستطيع أن ينجو منه مطلقاً، لأن الإنسان لا يموت إلاّ بعد انتهاء أجله، سواء مات موتاً طبيعياً أم قتلاً أم حرقاً أم غير ذلك. فالموت بيد الله والأجل بيد الله.