عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 14-05-2005, 02:01 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

شرع قالوا إنها كانت لزمن معين، والإسلام يوجِب أن يكون الإنسان مجارياً لعصره! وعاملاً بما يلائم زمانه ومكانه!!.. فهم يبررون وجود البنوك الربوية والشركات المساهمة والتعامل معها، بأن ذلك مصلحة واقعية ولا بد من ليّ الإسلام ليقبلها، فهو مرن كما يفترون. وتبرّج النساء واختلاطهن بالغير لغير حاجة يقرّها الشرع، والسهر مع الغرباء في الحفلات لا بد من السماح به والرضى به لأنه من متطلبات العصر. وكيف يخالف الإسلام العصر والقاعدة الشرعية تقول: إن الإسلام يتغير بتغير الزمان والمكان؟! ذلك ما يدّعون. وتعدد الزوجات انتهى حكمه لأن الزمن لم يعد يستسيغ ذلك. وقطع يد السارق، ورجم الزاني أو جلده لا يجوز البحث بها لأنها لا تناسب ذوق زماننا هذا.
وهكذا تسير القاعدة وأمثلتها لتركَّز تماماً في أذهان المسلمين في حين أنها تخالف الإسلام مخالفة كلية، بل تنسف أصوله وفروعه، وتقضي على تشريعه وتطمس معالمه. وهي إنّما نشأت في آخر القرن التاسع عشر أيام شدة الانحطاط الفكري، ثم جاء الاستعمار فغذّاها حتى طغت بهذا الشكل العنيف.
إن الأحكام الشرعية في الإسلام أنظمة جاءت لمعالجة الإنسان في إشباع جوعاته الغريزية والعضوية، وقد خاطَبَنا بها الشارع في الكتاب والسنّة وهما مصدر الاستنباط الوحيد للأحكام الشرعية في الإسلام. فالحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، وهو –أي الحكم الشرعي- لا بد أن يثبُت بالدليل أنه خطاب من الشارع، بمعنى أنه لا بد أن يكون مأخوذاً من النص الذي هو الآية أو الحديث، أو ما ثبت بالنص كإجماع الصحابة والقياس لعلّة شرعية. وعلى هذا كان مصدر الأحكام الشرعية واحداً لا غير، هو كتاب الله وسنّة رسوله، منهما تُستنبط المعالجات لحل مشاكل الناس وفض النزاع بينهم. فهل الزمان والمكان كتاب أم سنّة؟ وعلى أي أساس يجوز للإنسان أن ينظم معالجات نفسه، أو للأمّة أن تنظم علاقات مجتمعها بمقتضى الزمان والمكان، والله قد فرض أن يعالَج الواقع بالأحكام المستنبَطة من كتاب الله وسنّة رسوله؟
إن الشريعة الإسلامية في معالجتها للإنسان تقضي بدراسة واقع مشاكله ثم التعرف على حكم الله فيها باستنباطه من الكتاب والسنّة، أو ما أرشدا إليه. فواجب على كل مسلم عند تطبيق الشريعة على المجتمع أن يدرس المجتمع دراسة دقيقة ثم يعالجه بشرع الله، ويغيره تغييراً انقلابياً على أساس مبدأ الإسلام دون إقامة وزن للظروف والأحوال في مخالفة الشرع، فكل ما خالف الإسلام لا بد من إزالته، وكل ما أمر به الإسلام لا بد من تمكينه وجعله موضع التطبيق. فواقع المجتمع لا بد أن يكون مقيَّداً بأوامر الله ونواهيه، ولا يحل للمسلمين أن يتكيفوا حسب واقع زمانهم ومكانهم بل عليهم أن يعالجوا ذلك بكتاب الله وسنّة رسوله.

الأمر وصيغة فعل الأمر

المسلمون مكلَّفون في هذه الحياة بالسير حسب أوامر الله ونواهيه. وأوامره ونواهيه وردت على لسان رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنّة، ومنهما نستنبط الأحكام، ونستنبط ما يصلح أن يكون معهما أدلة للأحكام، وهو إجماع الصحابة والقياس.
وهذه الأحكام تؤخذ من الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنّة. والأوامر الواردة في الكتاب والسنّة ليست محصورة بصيغة فعل الأمر، بل واردة في عدة صيغ، ولذلك يخطئ الذين يظنون أن معنى أمر الله أن يأمر الله بالشيء بصيغة افعل، بل قد يأمر به بصيغة الأمر، وقد يأمر بصيغ أخرى.
فالله تعالى يقول: (كُتب عليكم الصيام) يأمر بالصيام، وحين يقول: (ولله على الناس حج البيت) يأمر بالحج، كما يأمر بذلك في قوله: (أقيموا الصلاة)، وفي قوله: (إذا تداينتم بديْن إلى أجل مسمى فاكتبوه)، مما ورد به صيغة الأمر. فالأمر من الله هو طلبه منا فعل الشيء، سواءً أطلبه بصيغة الأمر أم بصيغة الإخبار.
فلا يقال إن هذا الشيء غير واجب لأنه لم يَرِد به نص يأمرنا به لعدم ورود فعل الأمر ولوروده بصيغة الإخبار. ولا يقال إن هذا الأمر واجب لأنه ورد بصيغة فعل الأمر. إذ قد يكون الشيء واجباً ويَرِد بغير صيغة الأمر. وقد يكون غير واجب ويَرِد بصيغة فعل الأمر، لأنه المراد بالأمر طلب الفعل مهما كانت الصيغة التي ورد بها الطلب، لأنه ليس للأمر صيغة تخصه.
وأمّا صيغة "افعل" فليست خاصة بالأمر وحده بل هي لفظ مشترك بين الأمر وغيره، فقد تكون للتهديد، وتكون للإرشاد، وتكون للإباحة، وهذه كلها ليست أوامر. واللفظ المشترك في اللغة بين عدة معان، إذا ورد مجرداً عن القرائن يكون صالحاً لجميع المعاني التي وردت له في اللغة ولا تخصه في معنى معين، إلاّ إذا جاءت قرينة دالة على ذلك.
فلفظ "العين" لفظ مشترك بين عدة معان، فتُطلق على العين الباصرة، وعلى الجاسوس، وعلى العين الجارية، وعلى النقد، ولا يترجح معنى واحد من هذه المعاني على غيره إلاّ بقرينة، لأنه حقيقة فيها جميعاً، وليس هو حقيقة في بعضها مَجازاً في البعض الآخر.
وكذلك صيغة "افعل" لفظ مشترك بين عدة معان، فيُطلق ويراد منه الأمر، ويُطلق ويراد منه التخيير، ويُطلق ويراد منه الامتنان، ويُطلق ويراد منه التهديد، ولا يترجح معنى واحد من هذه المعاني على غيره إلاّ بقرينة، لأنه حقيقة فيها جميعها، وليس حقيقة في بعضها مَجازاً في البعض الآخر. وقد ورد القرآن بذلك في آيات متعددة صريحة لا تحتمل التأويل.
ويظهر من تتبّع الآيات التي وردت فيها صيغة فعل الأمر أن القرآن أطلقها على عدة اعتبارات ولم يخصّها بالأمر. فقد وردت للوجوب كقوله تعالى: (أقِم الصلاة)، وللندب كقوله: (فكاتبوهم)، وللإرشاد كقوله: (فاستشهدوا) أي إذا أردتم إتمام معاملة فالأوفق لكم أن تجعلوا شهوداً عليها حتى لا يذهب حقكم. وقد وردت للإباحة كقوله: (وإذا حللتم فاصطادوا)، و(فإذا قُضِيَت الصلاة فانتشروا في الأرض)، وللامتنان كقوله: (كلوا مما رزقكم الله)، وللإكرام كقوله: (ادخلوها بسلام)، وللتهديد كقوله: (افعلوا ما شئتم) (تمتعوا حتى حين)، وللتسخير (كونوا قردة خاسئين)، وللتعجيز (كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً مما يكبُر في صدوركم)، وللإهانة كقوله: (ذُق إنك أنت العزيز الكريم)، وللتسوية (اصبروا أو لا تصبروا).
وعلى هذا، فإن صيغة فعل الأمر تحتمل عدة معان، فإذا وردت عارية عن القرائن كان لا بد من التماس القرينة في الكلام الذي وردت فيه أو في غيره مما ورد في موضوعه أو في الحال التي جاء في شأنها، حتى يتعين المراد بالأمر في النص أو يتعين المعنى المراد بصيغة فعل الأمر بالنص.
وعلى هذا الوجه يمكن أن يُفهم النص الشرعي ويمكن أن يُستنبط فيه حكم الله المراد من هذا النص، فيتبع الإنسان الحلال كما ورد لا كما يريده الشخص، ويتجنب الحرام الذي ورد لا ما يراه الشخص نفسه، فيكون اتَّبَع الإنسان الحلال وتَجنَّب الحرام على الوجه الذي أراده الله.

حيثما يكون الشرع تكون المصلحة

قال الله تعالى في كتابه العزيز مخاطِباً الرسول صلى الله عليه وسلم: (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين)، وكونه قد جاء رحمة لهم يعني أنه جاء بما فيه مصلحتهم. وقال تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين). وقال تعالى: (فقد جاءتكم بينة من ربكم وهدى ورحمة). فالهدى والرحمة هي إما جلب منفعة للناس أو دفع مضرة عنهم. وهذه هي المصلحة، لأن المصالح هي جلب المنافع ودفع المفاسد. وتحديد الشيء من كونه مصلحة أو ليس مصلحة، إنّما يكون للشرع وحده، لأنه هو الذي جاء بالمصلحة، وهو الذي يحدد هذه المصلحة للناس. لأن المراد من المصلحة هي مصلحة الإنسان بوصفه إنساناً، وحتى المراد من مصلحة الفرد هو مصلحته باعتباره إنساناً لا باعتبار فرديّته وحدها.
على أن المصلحة إما أن يقررها العقل أو الشرع. فإذا تُرك تقريرها للعقل استغلق على الناس تقرير المصلحة الحقيقية، وذلك لأن العقل محدود، فهو لا يستطيع الإحاطة بكنه الإنسان وحقيقته، فلا يستطيع أن يقرر ما هو مصلحة له، لأنه لم يدرك حقيقته حتى يدرك أن هذا الشيء مصلحة له أو مفسدة، ولا يدرك حقيقة الإنسان إلاّ خالق الإنسان، فلا يمكن أن يقرر ما هو مصلحة له أو مفسدة على وجه التحقيق إلاّ خالق الإنسان وهو الله سبحانه وتعالى.
نعم إن الإنسان يمكنه أن يظن أن هذا الشيء مصلحة له أو مفسدة له، ولكنه لا يمكن أن يجزم بذلك. وترك تقرير المصلحة للظن يؤدي إلى الوقوع في المهالك، إذ قد يظن الشيء أنه مصلحة ثم يظهر أنه مفسدة، فيكون قد قرر المفسدة للإنسان على أنها مصلحة فأوقع الضرر به. وقد يظهر الشيء أنه مفسدة ثم يظهر أنه مصلحة، فيكون قد أبعد المصلحة عن الإنسان على أنها مفسدة، فأوقع الضرر به بحرمانه من المصلحة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العقل قد يحكم على الشيء أنه مصلحة اليوم ثم يتبين له نفسه غداً أن هذا الشيء مفسدة، فيقول عنه إنه مفسدة. وقد يحصل ذلك بالنسبة للمفسدة أيضاً، فيقول عن الشيء إنه مفسدة اليوم ثم يتبين له نفسه غداً أنه مصلحة فيقول عنه إنه مصلحة، فيصبح الشيء الواحد مصلحة ومفسدة، وهذا لا يجوز ولا يكون، إذ الشيء إما مصلحة وإما مفسدة للحالة الواحدة، وبذلك تصبح المصلحة مصلحة اعتبارية لا مصلحة حقيقية.
ومن هنا وجب أن لا يُترك للعقل أن يقرر ما هي المصلحة، بل يجب أن يقرر ذلك الشرع وحده، لأنه هو الذي يقرر المصلحة الحقيقية والمفسدة الحقيقية، والعقل إنّما يفهم واقع الشيء كما هو فهماً تاماً، ثم يفهم النص الشرعي الذي جاء في هذا الشيء، ثم يطبق النص على الواقع، فإذا انطبق