الموضوع: السياسة
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 16-05-2005, 06:18 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي السياسة

[font=Arial Narrow]
السياسة
السياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً ، وتكون من قبل الدولة والأمة . فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً ، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة .
هذا التعريف للسياسة عام عند جميع الناس ، إذ هو وصف لواقع السياسة من حيث هي . فهو كتعريف العقل وتعريف الصدق وتعريف السلطان ، وغير ذلك من المعاني التي هي واقع موجود عند جميع البشر بمعنى واحد لا يختلفون فيه ، لأنه واقع مدرك ، وإنما يختلفون في أحكامه . وفوق ذلك معناها اللغوي في مادة ساس يسوس سياسة بمعنى رعى شؤونه ، قال في القاموس المحيط " وسست الرعية سياسة أمرتها ونهيتها " وهذا هو رعاية شؤونها بالأوامر والنواهي . وأيضاً فإن الأحاديث الواردة في عمل الحاكم ، والواردة في محاسبة الحاكم ، والواردة في الاهتمام بمصالح المسلمين ، يستنبط من مجموعها هذا التعريف ، فقوله  : " ما من عبد استرعاه الله رعية لم يحطها بنصيحة إلاّ لم يجد رائحة الجنة " وقوله  : " ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلاّ حرم الله عليه الجنة " وقوله  : " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع . قالوا أفلا نقاتلهم قال : لا ، ما صلّوا " وقوله  : " من أصبح وهمه غير الله فليس من الله ، ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم " وعن جرير بن عبد الله قال : " بايعت رسول الله  على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " وعن جرير بن عبد الله قال : " أتيت النبي  فقلت : أبايعك على الإسلام فشرط علي والنصح لكل مسلم " . فهذه الأحاديث كلها سواء ما يتعلق بالحاكم في توليه الحكم ، أو ما يتعلق بالأمة تحاسب الحاكم ، أو ما يتعلق بالمسلمين بعضهم مع بعض من الاهتمام بمصالحهم والنصح لهم ، كلها يستنبط منها تعريف السياسة ، بأنها رعاية شؤون الأمة فيكون تعريف السياسة تعريفاً شرعياً مستنبطاً من الأدلة الشرعية .
أما رعاية شؤون الأمة عملياً ، فإن الشرع أعطى مباشرة رعاية الشؤون عملياً رعاية إلزامية للحاكم وحده فلا يحل للرعية أن تقوم بعمل الحاكم ولا يحل لأحد من المسلمين أن يقوم بعمل الحاكم إلاّ بتولية شرعية ، إما ببيعة من الناس إن كان خليفة ، وإما بتولية من الخليفة ، أو من جعل له الخليفة حق التولية من معاونين وولاة . أما من لم يوّل لا بالبيعة ، ولا بتولية خليفة ، فلا يحلّ أن يقوم بشيء من مباشرة رعاية شؤون الأمة لا في الداخل ولا في الخارج .
والسلطان قد جعله الشرع للحاكم فحسب ، وجعل سياسة الناس للحاكم فحسب . يقول الرسول  : " من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه فإنه ليس أحد خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلاّ مات ميتة جاهلية " فجعل الخروج عليه خروجاً من السلطان فهو إذن الذي يملك السلطان لا غيره . ويقول الرسول : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ، وأنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء " ومعناه أنكم أيها المسلمون تسوسكم الخلفاء . فعين من يسوس المسلمين . ومفهوم هذا أن غير الأمير لا يكون سلطاناً ، وأن غير الخلفاء لا يسوسون . فهذا دليل على أن سياسة الرعية إنما هي للحاكم ولا تكون لغيره . وأيضاً فإن عمل الرسول  هو أنه كان يحصر السلطان والقيام بسياسة الناس به بوصفه رئيس دولة ، وكان هو الذي يولّي من يقوم بعمل من أعمال السلطان أو من أعمال سياسة الرعية . فولّى من يقوم مقامه في المدينة حين كان يخرج لغزوة من الغزوات ، وولّى الولاة والقضاة وجباة الأموال ومن يقوم بمصلحة من المصالح كتوزيع المياه وخرص الثمار وغير ذلك . فهذا كله دليل على حصر السلطان وحصر سياسة الناس بالحاكم ، أي بالخليفة ومن يوليه الخليفة ، وبالأمير ومن يوليه الأمير . والسلطان هو رعاية شؤون الناس رعاية إلزامية ، أي القيام بمسؤولية الحاكم محصورة بالحاكم ، فلا يجوز لغيره أن يقوم بها مطلقاً ، لأن الشرع أعطى السلطان وأعطى سياسية الناس للخليفة ولمن يوليه الخليفة . فإذا قام بأعمال الحكم والسلطان ، وتولى سياسة الناس ، أي فرد غير الإمام وغير من ولاه كان فعله هذا مخالفاً للشرع فكان باطلاً ، وكل تصرف باطل فإنه يكون حراماً ، ومن هنا لا يحل لأحد غير الخليفة ، وغير من يوليه الخليفة أي غير الحاكم أن يقوم بأي عمل من أعمال الحكم والسلطان فلا يقوم برعاية شؤون الناس رعاية إلزامية ، أي لا يسوس الناس ، لأن هذا هو عمل الحاكم ولا يجوز لغيره أن يقوم به .
أما السياسة الداخلية للدولة الإسلامية فإنها تقوم على تنفيذ أحكام الإسلام في الداخل ، وقد كانت الدولة الإسلامية تنفذ أحكام الإسلام في البلاد التي تخضع لسلطانها ، فتنظم المعاملات ، وتقيم الحدود ، وتنفذ العقوبات ، وتحرس الأخلاق وتضمن القيام بالشعائر والعبادات ، وترعى جميع شؤون الرعية حسب أحكام الإسلام . وقد بيّن الإسلام الكيفية التي تنفذ بها أحكامه على الناس الذين يخضعون لسلطانه ، ممن يعتنقونه ، وممن لا يعتقدون به ، فكانت الدولة الإسلامية تطبق أحكام الإسلام حسب هذه الكيفية لأن طريقة التنفيذ حكم شرعي ، كما أن معالجات المشاكل حكم شرعي . والمخاطبون بالإسلام هم جميع الناس ، لأن الله قد خاطب بالإسلام جميع بني الإنسان بوصف الإنسانية فقط لا بأي وصف آخر ، قال تعالى :  يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم  وقد اعتبر علماء أصول الفقه أن المخاطب بالأحكام الشرعية هو كل عاقل يفهم الخطاب ، سواء أكان مسلماً أو غير مسلم ، وقد قال الإمام الغزالي في كتاب المستصفى في الأصول " أن المحكوم عليه هو المكلف ، وشرطه أن يكون عاقلاً يفهم الخطاب ، وأن أهلية ثبوت الأحكام في الذمة تستفاد من الإنسانية التي بها يستعد لقبول قوة العقل الذي به فهم التكليف " وعلى ذلك كان المخاطب بالإسلام جميع بني الإنسان خطاب دعوة وخطاب تكليف ، أما خطاب الدعوة فالمقصود به دعوة الناس إلى اعتناق الإسلام ، وأما خطاب التكليف فالمقصود به إلزام الناس بالعمل بأحكام الإسلام .
والإسلام يعتبر الجماعة التي تحكم بموجب هذا النظام وحدة إنسانية ، بغض النظر عن طائفتها وجنسها ولا يشترط فيها إلاّ التابعية ( وهي الولاء للدولة والنظام ) ولا توجد فيه الأقليات ، بل جميع الناس باعتبار إنساني فقط هم رعايا في الدولة الإسلامية ، ما داموا يحملون التابعية . وعليه فإن السياسة الداخلية للدولة الإسلامية هي تنفيذ الشرع الإسلامي على جميع الذين يحملون التابعية سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين .
والسياسة الخارجية للدولة الإسلامية هي علاقة الدولة بغيرها من الدول والشعوب والأمم ، وهذه العلاقة هي رعاية شؤون الأمة خارجياً . وتقوم هذه السياسة الخارجية على فكرة ثابتة لا تتغير ، هذه الفكرة الثابتة هي نشر الإسلام في العالم في كل أمة وكل شعب . وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية للدولة الإسلامية ، وهذا الأساس لا يتغير أبداً ولا يختلف مهما اختلف الأشخاص القائمون على الحكم ، وقد كان هذا الأساس موجوداً وثابتاً في جميع العصور منذ أن استقر الرسول  حتى انتهت الدولة العثمانية بوصفها آخر الدولة الإسلامية ، ولم يتغير هذا الأساس مطلقاً . فمنذ أن أقام الرسول  في المدينة بدأ يقيم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها على أساس نشر الإسلام ، فعقد مع اليهود معاهدات ليتفرَّغ لنشر الدعوة في الحجاز ، ثم عقد معاهدة الحديبية مع قريش ليتمكن من نشر الدعوة في جزيرة العرب ثم أرسل الكتب للدول الموجودة خارج الجزيرة العربية ليقيم معها علاقات على أساس نشر الإسلام بدعوتهم للدخول فيه ، ثم جاء خلفاؤه من بعده فأقاموا علاقاتهم مع الدول جميعها على أساس نشر الإسلام ، وأخذوا يحملون الدعوة الإسلامية إلى العالم .
]