عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 07-06-2005, 12:20 PM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي تتمه

فالمسلم حين يقوم بالعمل، عليه أن يقصد تحقيق قيمة واحدة من العمل، وهي القيمة التي طلبها الشارع من هذا العمل، وتحقيق قيمة أو قيم أخرى من نفس العمل أمر تابع، يجب أن لا يقصده العامل من عمله ذاك، فالتاجر يصلي أو يصدق ليحقق قيمة روحية أو خلقية، لا ليقبل الناس على الشراء منه ليحقق مادية.

أما القيمة الإنسانية التي يقصدها العامل من عمله، وهي خدمة الإنسان باعتباره إنساناً، فقد حث عليها الإسلام، وعلى الأعمال التي تؤدي إلى ذلك القصد، كإنقاذ الغريق، وإغاثة الملهوف، ومساعدة المحتاج بغض النظر عن الجنس أو الدين أو اللون وإنما يقوم بها المسلم لأن الله أمر بها، دون أن ينتظر مكافأة مادية جزاء عمله، وإنما قد يخسر مادياً كصياد السمك الذي يترك شباكه وما فيها من أجل أن ينقذ رجلاً أشرف على الغرق، وقد يخسر جسدياً كالذي يسرع لإنقاذ طفل من أمام سيارة مسرعة فتصدمه السيارة وتكسر ساقه، فكل منهما يقدم على العمل لتحقيق قيمة إنسانية دون التفات للنتائج ضراً كانت أو نفعاً، خسارة كانت أو ربحاً.

وقد حث الإسلام على القيام بالأعمال التي يحقق بها المسلم قيماً إنسانية، قال تعالى : (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً) وقال عليه السلام: (إن أحدكم مرآة أخيه، فإن رأي أذى فليمطه عنه) ، وقال أيضاً : (ومن آذى ذمياً فقد آذاني) ، وقال تعالى في وصف أبي بكر رضي الله عنه عندما اشترى بلال بن رباح لينقذه من العبودية ومن تعذيب سيده له : (وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى) .

فتحقيق القيمة الإنسانية كما دلت الآيات يقوم بها المسلم لأن الله أمر بالأعمال التي تحققها، لا من أجل مكسب مادي، وإنما طلباً لمرضاة الله.

وأما القيمة الروحية التي يقصدها العامل من عمله، فهي ما يشعر به المسلم من زيادة الصلة بالله سبحانه وتعالى حين قيامه بالعمل، فهو يقصد من عمله التقرب إلى الله، لأن التقرب إلى الله بالعمل يزيد من شعور المسلم أن له صلة بالله، وبهذا الشعور يشبع غريزة التدين، فيشعر بالطمأنينة والارتياح النفسي.

وقد بين الإسلام الأعمال التي من شأنها أن تحقق للمسلم القيمة الروحية، وهي العبادات التي تنظم علاقة المسلم بخالقه، قال تعالى : (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) وقال : (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) ، وقال : (كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)، وقال : (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم) .

والقيمة الروحية تختلف عن سائر القيم، لأنها ناجمة عن أعمال تنظم علاقة العبد بربه، ولا يشعر الآخرون بتحقيقها، أما القيمة المادية فأثرها مادي محسوس ملموس، والقيمة الإنسانية والقيمة الخلقية آثارهما محسوسة غير ملموسة، بينما القيمة الروحية لا يحس أثرها إلا الذي يحققها، ولكنه لا يحس أثرها عند غيره.

إن الشرع قد عين القيمة المطلوبة من كل عمل، فلا يجوز للمسلم أن يقوم بعمل ليحقق قيمة غير القيمة التي عينها الشرع لذلك العمل، فلا يصلي ليحقق القيمة الإنسانية أو المادية، ولا يتاجر ليحقق القيمة الروحية أو الخلقية.



وهناك مسألة : ما العلاقة بين إشباع الغرائز والحاجات العضوية وبين تحقيق القيم الأربع؟؟.

يقوم الإنسان بأعماله ليشبع غرائزه وحاجاته العضوية، وفي نفس الوقت يعمل لتحقيق قيمة معينة من كل عمل يقوم به.

فغريزة التدين التي من مظاهرها شعور الإنسان بالنقص والعجز والاحتياج، يسعى المسلم لإشباعها بأعمال، ويتم الإشباع بتحقيق القيمة الروحية التي يقصدها العامل من عمله، فإن أدى فريضة الحج وكان قصده التقرب إلى الله، بزيادة الصلة بالله، أشبع غريزة التدين حقق قيمة روحية.

وإن تاجر وحصل على الربح حقق قيمة مادية ن وأشبع غريزة البقاء التي من مظاهرها حب التملك.

وإن تزوج وأشبع الميل الجنسي الذي هو مظهر من مظاهر غريزة النوع حقق قيمة خلقية وهي العفة والإحصان، وإن تواضع لوالديه، وخفض لهما جناح الذل من الرحمة أشبع غريزة النوع وحقق قيمة خلقية، وإن اندفع لإنقاذ غريق بدافع غريزة النوع فأنقذه حقق قيمة إنسانية.

فالأعمال التي عينها الشرع لتحقيق القيمة الروحية هي الأعمال التي يشبع بها الإنسان غريزة التدين.

والأعمال التي عينها لتحقيق القيمة الخلقية أو القيمة الإنسانية، هي الأعمال التي يشبع بها الإنسان غريزة النوع.

والأعمال التي عينها الشارع لتحقيق القيمة المادية، هي الأعمال التي غالباً ما يشبع بها المسلم غريزة البقاء والحاجات العضوية.

إن المراحل التي يمر بها العمل الإنساني تبدأ بالغريزة، فغريزة البقاء – مثلاً – تتطلب إشباعاً لمظهر من مظاهرها كحب التملك، فيندفع الإنسان لإشباع هذا المظهر بأن يعمل موظفاً، فيحصل على نقود، وبذلك يحقق قيمة مادية، فالعمل يمر بالمراحل التالية مرتبة : الغريزة، فالمظهر أو الحاجة العضوية، فالعمل للإشباع، فالقيمة المراد تحقيقها من العمل.

وأما العمل عند المسلم فيجب أن يمر في المراحل التالية مرتبة : الغريزة، فالمظهر أو الحاجة العضوية، فالإحساس فالتفكير قبل العمل، فالعمل في جو إيماني لتحقيق القيمة التي حددها الشرع من ذلك العمل.

ويقصد العامل تحقيق قيمة واحدة من العمل الواحد، ولكن قد يحصل أن تتحقق قيمة أخرى من نفس العمل دون أن يكون العامل قاصداً تحقيقها. فالتاجر الصدوق يتاجر ليحقق قيمة مادية، ولكن الناس يصفونه بالصدق نتيجة معاملته لهم أثناء التجارة، وهذا الوصف بالصدق قيمة خلقية لم يقصد التاجر تحقيقها من عمله في التجارة.[/font