عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 09-06-2005, 09:51 AM
الشــــامخه الشــــامخه غير متصل
* * *
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2004
الإقامة: *نجـد* قلبي النابض
المشاركات: 2,423
إفتراضي ::... حب الله في المجتمع الإسلامي ...::

حب الله في المجتمع الإسلامي :

تقرر العقيدة الإسلامية بأن الله ليس كمثله شيء (ليسَ كَمثلهِ شيءٌ وَهوَ السَّميعُ البَصيرُ) (الشورى: 11) ومن البديهي أن لا يستطيع عقل الإنسان القاصر أن يعرف من ليس كمثله شيء. هذه المعرفة لله تبدو مستحيلة، ويتضح استحالتها في حق الكائنات جميعاً. يقول الإمام الجنيد: "لا يعرف الله تعالى إلا الله تعالى" أي أن المعرفة الحقيقية التامة لا تكون إلا لله تعالى. ويتفق في هذا الرأي الإمام الغزالي، وكذلك تنتهي معرفة العارفين بالله إلى عجزهم عن المعرفة. وإذا كانت المعرفة الحقيقية لله مستحيلة على البشر فإنه لا يبقى أمامنا إلا المعرفة النسبية وهي معرفة أسمائه سبحانه وتعالى ومعرفة عجائب صنعه في الكون. لقد خلق الله الخلق ليعبدوه، والعبادة هي قمة المحبة والمحبة هي قمة المعرفة. والحب في الإسلام هو القانون الحاكم في الوجود، وعطاه الله هو سبب ميلاد الكون والإنسان، وقد خلقنا الله ليتفضل علينا بحبه، وليسمح لنا بحبه. (يَا أيُّها الَّذين آمنُوا مَن يَرتدَّ منكُمْ عن دِينهِ فَسوفَ يأْتي اللهُ بِقومٍ يُحبُّهمْ وَيُحبونَهُ) (المائدة: 54) وهنا كما هو واضح يتوعد الله من يرتد عن دينه وهذا هو أفدح الذنوب، يتوعده بأرقى ما في الوجود من مشاعر الحب، لا يهدد بالنار والعذاب، وانما يهدده بأن يستبدل به قوماً يحبهم ويحبونه.. إن القيمة الوحيدة التي تقف على النقيض من الشرك بالله وعدم الإيمان به هي قيمة حب الله.
إن قانون الحب الأعلى هو العطاء. [ وإذا كان الحب عطاء فإن الله وحده هو المعطي.. فهو يعطي عباده كل شيء، أما العبد فإنه لا يستطيع أن يعطي شيئاً، إذا أنفق الإنسان من ماله في سبيل الله فإنه لا يعطي الله شيئاً لأن المال مال الله، وإذا استشهد في سبيل الله فإن الجسد والروح ملك خالص لله، ولا يمكن أن يقال لمن يرد الأمانة إلى الله المالك الأصلي أنه يعطيه شيئاً] إذن فقانون العطاء لا يسري إلا على الله فقط، وبالتالي فإن الله وحده هو المحب، ومن الوهم أن يتصور الإنسان غير المؤمن أنه يحب الله، فالحقيقة أن الله هو الذي يحب الإنسان ويقبل منه الشكر بدلاً من العطاء، ويجعل الشكر سبباً في زيادة العطاء (وإذْ تَأذنَ رَبكمْ لئِن شَكَرتم لأزيدنَّكُم وَلئِن كَفَرتم إنَّ عذَابِي لَشديدٌ) (إبراهيم: 7). انه لمن دواعي الرحمة بالإنسان أن يخفي الله سبحانه وتعالى حكمته عن البشر، لقد أعطاهم من الحكمة قدراً يمكنهم من الخلافة في الأرض، وأعطى الأنبياء قدراً يمكنهم من الدعوة إليه، أما سر حكمته العظمى فقد أبقاه سراً لذاته، ومن الأفضل أن نسجد لله بدلاً من السؤال عن ذاته. ورغم هذه الحقيقة فإن الإنسان لا يكف عن الأسئلة سواء عن حكمة الله أو عن ذات الله. إن الأصل في العقيدة الإسلامية هو المعرفة والسؤال حق للإنسان، حق للإنسان أن يسأل عن كل شيء وعن أي شيء وأن يفكر في كل شيء، وليس هناك أي منطقة محرمة إلا منطقة واحدة وهو التفكير في ذات الله، وذلك لسبب بسيط وهو أن ذات الله تعالى تتجاوز طاقة العقل البشري وقدرة الفكر الإنساني، فكيف يدرك العقل القاصر حقيقة الإله الأزلي الكامل. أن الدليل في الإسلام على وجود الله هو الله ذاته. يقول الإمام الغزالي بعد تجربة الشك التي خاضها كمنهج لمعرفة الله، شككت في كل شيء، ولم أهتد إلى شيء وإذ بإيمان قذف الله به في صدري فآمنت واسترحت من الشك. الطريق إذن لمعرفة الله هو الله.. هو الإيمان فالعقل مخلوق لا يدل إلا على مخلوق مثله. وليس معنى هذا كما يدعي الغربيون أن دين الإسلام هو دين إيمان وصبر وتأمل فقط، فالعقيدة الإسلامية هي المسئول الأول عن قيام المنهج التجريبي في دنيا المادة، وهي المسئول الأول على اطلاق عنان الفكر وحثه على النظر والتأمل والتفكير في الكون . أما ذات الله فهي ليست مادة تخضع لتأمل العقل وأسئلته. فالعقيدة الإسلامية باحترامها للعقل ومخاطبتها الدائمة للعقل، قد بينت للعقل أيضاً حدوده التي يتوقف عندها. ففي دنيا الغيب لا يلجأ المسلم إلى العقل وإنما عليه أن يؤمن بالغيب وأن يصدق ما أتى به الرسول.
ان السؤال عن ذات الله هو سؤال خاطئ منذ البداية لأنه يفترض خضوع الله لقوانين الحياة الإنسانية، وهي حياة تعرف بالمشاهدة والتجربة وينطبق عليها قانون الأشياء، ويتصور أصحاب هذا السؤال أن قانون الأشياء يمكن أن ينطبق على الله.. ولو تأملنا قليلاً لوجدنا أن لكل كائن قانونه الخاص الذي لا ينطبق على الكائنات الأخرى، وهذا يعني أن القانون البشري لا ينطبق على ذات الله. إذا كان الإنسان يولد وينمو ويتزوج ويلد فإن الله سبحانه وتعالى (لَمْ يَلدْ وَلَمْ يُولدْ وَلَمْ يَكُن لهُ كُفُواً أَحدٌ) (الإخلاص: 3،4) "لم يتخذ صاحبة ولا ولدا" إذن فلا سبيل إلى معرفة الله إلا الإيمان بالله.
لا تنكر العقيدة الإسلامية أن يستدل الإنسان نفسه وبالكون على وجود الله وانما تدعو إليه، وهذا يؤكد احترام هذه العقيدة للعقل. وتوجد مستويات للاستدلال على وجود الله، فالنظرة التقليدية تبدأ من الكون والإنسان، أي تستدل من وجود الكون على وجود الله، أما النظرة الأعلى والأرقى فهي تجاوز الوجود إلى الموجد وتجاوز الكون إلى الله، أي أنه تستدل بوجود الله على وجود الكون، وهكذا يفعل بعض المفكرين السلاميين، فمنهم من يعتقد أن الفكرة التقليدية في الإستدلال على وجود الله خطأ، ويعتقد أن الكون كان ظلمة أنار بظهور الحق فيه، فمن رأى الكون ولم يشهد الله فيه أو عنده فقد حجبت عنه شموس المعارف، فكيف يتصور العقل أن يحجبه شيء وهو أساس كل شيء، كيف يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء.." الهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ شتان بين من يراه ويستدل به ومن لا يراه فيستدل عليه". ان الكون نسبي له نهاية أما الله فهو أزلي مطلق، ونحن ندرك الكون بحواسنا، وقد تخدعنا الحواس، ولذلك فإنها لا توصلنا الى الحقيقة. قمة العقيدة الإسلامية إذن تكمن في معرفة الله بالله أي الإيمان (.. أَفي الله شَكٌ فَاطرِ السَّمواتِ وَالأرضِ..) (إبراهيم: 10) (شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لا إلهَ إِلاَّ هُوَ وَالملائِكةُ وأُولُوا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسطِ لا إلهَ إِلاَّ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ) (آل عمران: 18).
القانون الأساسي في الإسلام هو قانون التوحيد (قُلْ إِن كُنتمْ تُحبونَ اللهَ فَاتَّبعونِي يُحْببكُمُ اللهُ وَيَغفرْ لَكمْ ذُنوبكُمْ وَاللهُ غَفورٌ رَّحيمٌ) (آل عمران: 31).
واخلاص التوحيد يعني محبة الله، يعني محبة العدل وكراهية الظلم والله هو العدل والعادل. بالتوحيد يحب الإنسان في الله ويكره في الله، ان التوحيد حقيقة، ولكنها يجب أن تجد مجال التطبيق في الحياة، فالمعرفة النظرية والعقلية بحقائق الدين الإسلامي تفقد الحقائق معناها، ولا تحقق الحكمة الإلهية في خلافة الإنسان لله في الأرض. ليس التوحيد فكرة عقلية مجردة، وانما هو قانون يجب أن يظهر أثره في الحياة، واهدار هذا القانون هو المسئول عما يصيب المسلمين والمجتمع الإسلامي من مآس في حياتهم، فحين اقتصر التوحيد على القول بغير عمل، وعلى الشهادة بالأفواه بغير سلوك فعلي، صار سهلاً على الناس أن يكرهوا العدل ويحبون الظلم، وأن يسكتوا على الظالم ولا يناصرون المظلوم صاحب الحق، أصبح من السهل عليهم أن يلجئوا إلى التواكل والكسل وعدم السير والسعي في الأرض، وبذلك أنكسر أهم قانون من قوانين الحياة والخلافة في الأرض، قانون اختيار الأفضل سواء في أسلوب العمل والانتاج أو في أسلوب الإدارة أو في شكل الحياة الإنسانية الاجتماعية وكل العلاقات الإنسانية.

يتبع ،،