عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 09-06-2005, 09:56 AM
الشــــامخه الشــــامخه غير متصل
* * *
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2004
الإقامة: *نجـد* قلبي النابض
المشاركات: 2,423
إفتراضي



(.. وَالَّذينَ آمنُوا أشدُّ حُباً للهِ...) (البقرة: 165) أي أن حب الله صفة من صفات المؤمنين وغاية من غايات وجودهم، وما جزاء الحب إلا الحب "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وكنت نظره الذي يبصر به، وكنت يده التي يبطش بها" أي أن طاعة العبد لله وحبه لله تجعله قريباً عند الله مخلصاً لله، ذاكراً له، يقول الله تعالى (..وَمَا رَميتَ إذْ رَميتَ وَلكنَّ اللهَ رَمَى..) (الأنفال: 17) العقيدة الإسلامية إذن تقوم على جانبي العقل والحب وهو قمة العبادة، والعبادة قمة المعرفة فلا حب بلا معرفة، والإنسان الذي لا يعرف لا يستطيع أن يحب، انما يقدر على الحب من يقدر على التفكير والفهم والملاحظة والرؤية والاحساس والعطاء، وكلما ازدادت معرفة الإنسان كلما زادت قدرته على الحب. إن أهم قوانين الحب هو العطاء، والعطاء في الحب، يعطي الإنسان احساساً بالسعادة وكأنه يأخذ، العطاء يحتاج إلى رقي الإنسان، فلا يستطيع الإنسان أن يخرج من أنانيته إلا إذا ارتقى علمه ونضجت شخصيته ووجدانه.
ولا توجد عقيدة تربي أبناءها على الحب مثل عقيدة الإسلام. قد لا يتحدث الإسلام كثيراً عن الحب، ولا يستخدم هذه الكلمة كثيراً، لأنه يعرف حقيقة الحب ويمارسه في حياته اليومية. وإذا كان الحب هو الحل الوحيد لخروج الإنسان من عزلته والخلاص من غربته، أي الخروج من سجن الذات والأنانية إلى الكون الرحيب، فإن الحب جزء من أصول الإسلام وقواعده، لأن الإسلام يصل المسلم بالله أولا وأخيرا. فالمسلم المؤمن لا يكون وحيداً ولا غريباً، لأنه يعرف أن الله معه. والمسلمون يتصلون بالله مباشرة وبلا واسطة فالله معهم في كل وقت وفي كل مكان، (.. وَهُوَ مَعكُمْ أيْنَ مَا كُنتمْ...) (الحديد: 4) هذا الاتصال هو أول المعرفة النظرية بالعقيدة، فشهادة الإنسان بالوحدانية الله سبحانه وتعالى تعني خروجه من سجن العزلة والغربة إلى الاتصال بالكون وبخالق الكون. وإذا شهد الإنسان أن له رباً، وإذا أيقن أنه ليس وحده في هذا الكون الفسيح، تحرر من الغربة والخوف، وتحررت طاقته ومواهبه، وبالتالي يصبح الإنسان حراً.
شهادة الإنسان بوحدانية الله، هي بداية الحب النظري والمعرفة النظرية، والصلاة هي التطبيق العملي لهذه المعرفة وهذا الحب لأنها التقاء بالله واتصال به، والزكاة عطاء وهي أحد قوانين الحب، والصوم امتثال لأوامر الله حباً فيه، والحج احياء لأحد شعائر حب الله، تذكاراً لحب إبراهيم لله وتقديم ولده الوحيد قرباناً لله دليلاً على حبه.. وهكذا يجد المتأمل للعقيدة الإسلامية انها عقيدة تقوم أساساً على الحب.. أرقى أنواع الحب.. حب الله... الجهاد في الإسلام حب لله، لأن الأرض هي أرض الله، والإنسان هو خليفة الله في الأرض وهو المسئول عن الجهاد في سبيل الله دفاعاً عن الحق ورفعاً للظلم والشر.
إن الإسلام لا يعرف غلواً في شيء على حساب شيء آخر، فهو يهئ للإنسان توازنا يمكنه من القدرة على العمل، ولذلك فلا بد من التعامل بحذر مع ما ذهب اليه المتصوفون بل ولا بد من توجيه النقد الشديد إلى أولئك المتصوفين الذين لجئوا إلى الزهد والى الصوامع وبعدوا عن المجتمع، لأنهم إذا كانوا قد وجدوا هدوء وراحة النفس ـ وهو أمر مشكوك فيه ـ فإنهم لم يقدموا أي شيء لاصلاح المجتمع. يعرف الإسلام حب الله ولكنه لا يعرف الرهبنة "لا رهبانية في الإسلام" يحترم الإسلام العقل ولكنه لا يجعل له السيادة على الروح، يقرر الإسلام حقائق الوجدان ولكنه لا يسمح لها بشل نشاط العقل، يعترف الإسلام بحاجات الإنسان الدنيوية ولكنه يطالبنا بألا ننسى الآخرة وأن نجعل الدنيا طريقاً إليها.
لقد كانت الشخصية الإسلامية في أعلى درجات نضجها وكمالها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت العقيدة الإسلامية في أوج تناسقها مع شخصية المسلم، وبتطور المجتمع الإسلامي بدأ التوازن يختل، فقد ظهر المتكلمون ورأوا أن الحياة عقلاً فلسفياً جافاً يتيه اعجاباً بنفسه ـ مثلما يفعل المجتمع الغربي في الوقت الحاضر ـ ورأى المتصوفة أن الحياة ما هي إلا وهج من الحب الذي يخلو من العقل، وكلاهما على باطل فلا يمكن أن تغلب العلمانية على العقيدة الإسلامية الصحيحة ولا يمكن أن يكون الإسلام مجرد شطحات روحية وخيالية لدى نفر عزلوا أنفسهم عن المجتمع وعاشوا لأنفسهم فقط. وهنا يحضرنا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الأشخاص الذي كان يجلس دائماً بالمسجد ولا يعمل فلما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن أمره قال: إنما اتفرغ للعبادة، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم ومن يعولك أو ينفق عليك؟ قال الرجل: أخي يعمل وينفق عليّ! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم" إن أخاك أعبد منك".
إن ما يعتقده الغرب عن الإسلام وعن التجربة الروحية فقط والمتمثلة في خبرة الصوفية أن هو إلا وهم خاطئ،فما غلو الصوفية وشطحاتهم إلا تعبير فني أو أدبي عن مشاعر أديب أو فنان، ولا يمكن أن يحتسب التعبير الفني بأي شكل من أشكاله أو صوره على الإسلام، لأنها أساليب تعبير فني تعتمد على الخيال والعاطفة، ولا بأس على من يحب ويذوب حباً أن يعبر عن حبه في أي صورة فنية، ما دام بعيداً عن المساس بأصول العقيدة، مع الاعتراف بأن هذا النوع من الإيمان أنما هو ايمان سلبي ومحسوب على تقدم المجتمع الذي يعيشون فيه اسماً وهم منفصلون عنه فعلاً، فانعزال المتصوف في صومعته لا يصلح إلا نفسه ـ أن صح هذا القول ـ ولكنه لا يصلح المجتمع وما أحوجنا إلى صلاح النفس واصلاح المجتمع.
وهكذا نجد أن حب الله في المجتمع الغربي ما هو إلا خبرة فكرية في العصر الحاضر، أحب الله في المجتمعات الشرقية والمجتمع الإسلامي فهي خبرة عقلية ووجدانية تشمل جميع نواحي الحياة، أما خبرة المتصوفين والمترهبنين فيه خبرة روحية خالصة، وهذا ما يرفضه الدين والعقل.
أن حب الله من هذا المنطلق الفكري لا ينفصل عن حب الوالدين. فعندما لا يستطيع انسان ما أن يتحرر من حب الأم والأرتباط بها، وعندما لايستطيع الاعتماد على نفسه، وعندما لا يستطيع الإنسان أن يتحرر من الأب الذي يثيب ويعاقب، أو يتحرر من أية سلطة أخرى، فإنه لن يستطيع أن يحب الله حباً ناضجاً، ذلك أن ايمانه وعقيدته سيكون على أساس مرحلة سابقة في حياة الإنسان حيث كان إله الإنسان فيما مضى أي في طفولته هو الأم التي تحميه والأب الذي يعاقبه أو ينعم عليه.
اننا في العصر الحاضر نجد أمامنا هذه المراحل جميعاً من طفولة البشرية وحتى نضجها الحالي. أن كلمة الله تعني أصل الوجود كما أنها تعني الأزلية. ان كل انسان ـ كما قال فرويد ـ يحمل في عقله الباطن (اللاشعور) نموذجاً لكل المراحل التي مرت بها البشرية منذ بداية الخلق.. والسؤال هو: إلى أى مدى سيستطيع فرد ما أن يصل في نموه؟ ان ما يمكن قوله هنا هو أن حب فرد ما لله يرتبط بالدرجة التي وصل إليها هذا الفرد في نموه ونضجه وفي نمو حبه لوالديه،وحبه لكل البشر. ان حبه لله وحبه للناس يكون في الغالب حباً لا شعورياً، انه حب مستور، وقد ألفت له الأسباب العقلية من خلال التطور الفكري العقلي والبحث الدائم عن مفهوم الحب. ان حب الناس يتم من خلال الفكر والاختيار، أما حب الأسرة فإنه حب يتم مباشرة من خلال صورة المجتمع ومن خلال تكوين هذا المجتمع. عندما يكون البناء الاجتماعي للمجتمع قائم على أساس وجود السلطة المتحكمة، سلطة التسويق والدعاية التجارية، أو سلطة الإعلام، فن حب الله وحب الناس لن يكون حباً ناضجاً بمفهوم الأديان السماوية.

*******************
المصدر :الحب بين الفلسفة والعلم

على الخير نلتقي لنرتقي ،،