الموضوع: الشخصية
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 10-06-2005, 09:42 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي تتمه

وقد ترجم أنس شخصيته السامية المتميزة إلى سلوك تجسد في قتال المشركين.
فالعمل غير الشخصية، وغير العقلية والنفسية، ولكنه أثر من آثارها.
والشخصية قد تكون شخصية متميزة، وقد تكون شخصية غير متميزة.
والشخصية المتميزة هي الشخصية التي تكون عقلية صاحبها ونفسيته من جنس واحد، فتكون ميوله خاضعة لمفاهيمه، أي تكون نفسيته خاضعة لعقليته، فهو يميل إلى الأشياء والأعمال التي لديه مفاهيم عنها في إشباع غرائزه وحاجاته العضوية قياساً على القاعدة الفكرية الأساسية التي يستند في تفكيره إليها.
وحتى تكون الشخصية متميزة ولها لون معين لا بد أن تكون القاعدة الفكرية الأساسية عامة، بحيث تصلح لأن ينبثق عنها جميع الأحكام اللازمة لتنظيم جميع علاقات الإنسان، بربه وبنفسه وبغيره، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كانت هذه القاعدة الأساسية فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، بحيث تحل العقدة الكبرى عند الإنسان وهي إشباع شعوره بالنقص والعجز والاحتياج، وبحيث ينبثق عنها نظام لإشباع غرائز الإنسان وحاجاته العضوية جميعها.والشخصية المتميزة لا تكون إلا مبدئية، كالشخصية الإسلامية والشخصية الرأسمالية والشخصية الشيوعية، لأن عقلية ونفسية كل منها مقياسها في تفكيرها وميولها عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام، ينظم جميع علاقات الإنسان، وذلك هو المبدأ.وتكون الشخصية الإسلامية السامية إسلاماً يسير على الأرض، متجسداً في إنسان آمن بالعقيدة الإسلامية، فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، وعما قبل الحياة الدنيا، وعما بعدها، وعن علاقتها بما قبلها وبما بعدها، وصارت هذه العقيدة هي القاعدة الفكرية التي على أساسها يفكر المسلم، فيربط الواقع بالمعلومات السابقة، ويحكم على الواقع بمقياسها وهو الأحكام الشرعية : الفرض، والمندوب، والمباح، والمكروه، والحرام، وصارت هذه العقيدة هي الأساس لميوله، فصار يربط مفاهيمه الناتجة عنها بدوافع الإشباع الناتجة عن الطاقة الحيوية المتمثلة بغرائزه وحاجاته العضوية.وبذلك تكون الشخصية الإسلامية شخصية متميزة، عقليتها ونفسيتها من جنس واحد، تستندان إلى قاعدة أساسية واحدة، هي العقيدة الإسلامية.
والشخصيات الإسلامية تتفاوت في القوة، فالمسلم إذا جعل العقيدة الإسلامية أساساً لتفكيره وميوله أصبح شخصية إسلامية، إلا أن هذه الشخصية إن حرصت على فعل المندوبات إلى جانب الفروض، وابتعدت عن المكروهات مع الابتعاد عن الحرام، وفعلت من المباحات ما يقربها من الفرض والمندوب، وأحجمت عن فعل المباحات التي تغريها بالحرام والمكروه.
إن فعلت كذلك كانت شخصية إسلامية متميزة وسامية، استطاع صاحبها أن يضبط فكره وميله، ومن ثم عمله بالمفاهيم الإسلامية.
والمسلم الذي يكتفي بأن يقوم بالفروض والمباحات وبعض المندوبات، وأن يحجم عن القيام بالحرام وبعض المكروهات، تكون شخصيته شخصية إسلامية أضعف من الشخصية السابقة الذكر.
وإن اكتفى المسلم بفعل الفروض والمباحات والإحجام عن فعل الحرام، ولا يضيره أن يفعل المكروهات وأن يترك المندوبات، كانت شخصيته شخصية إسلامية ضعيفة... وبين هذه النماذج الثلاثة السابقة تتراوح نماذج أخرى عديدة من الشخصيات الإسلامية قوة وضعفاً.والمسلم قد يرتكب الحرام، أو يترك الفرض، ويظل شخصية إسلامية ما دامت العقيدة الإسلامية أساساً لتفكيره وميوله، أي لعقليته ونفسيته، لأن وجود الثغرات في السلوك لا يخرج المسلم عن كونه شخصية إسلامية، فقد يغفل أو يخطئ في ربط مفهوم من المفاهيم بعقيدته الإسلامية، وقد يجهل تناقض ميل من ميوله مع هذه العقيدة، فيحكم على الواقع حكماً غير إسلامي، ويميل للقيام بعمل لا يقره الشرع، وقد حصل من الصحابة رضوان الله عليهم بعض الثغرات في السلوك ففي غزوة حنين فرّ معظمهم، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجه العدو مع نفر قليل، وبعد انتصارهم، تحدث الأنصار عام الفتح بأن الرسول وجد عشيرته وظنوا أنه لن يرجع معهم إلى المدينة، وفي غزوة بني المصطلق تنادوا لقتال بعضهم بعضاً بسبب تنبه مفاهيم الأعماق التي ظلت فيهم من جاهليتهم، وهذا حاطب بن أبي بلتعة، عندما سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيغزو قريشاً في مكة، أرسل لهم رسالة يخبرهم بالأمر، ولما كشف الوحي فعلته، أتوا بحاطب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له : يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال : يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت، ولكنّي كنت امرءاً ليس لي في قريش أصل ولا عشيرة، وكان لي بينهم ولد وأهل، فصانعتهم (أي فعلت ذلك مقابل أن يحفظوا أهلي، والمصانعة : الرشوة) . فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق فقال صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فأنزل الله تعالى في حاطب : (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) إلى قوله تعالى : (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم، ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده).
فحاطب بن أبي بلتعة ظل مسلماً، وظلت شخصيته شخصية إسلامية، رغم أنه قام بعمل حرام، وهو التجسس على المسلمين، واستحق العقوبة، إلا أنه لم ينكر شيئاً من العقيدة الإسلامية، ولم يتخل عنها كقاعدة أساسية في تفكيره وميوله، ويدل على ذلك رده على الرسول بقوله : (إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت ولا بدلت) ولكنه برر تصرفه المنافي للشرع بأنه يريد المحافظة على أهله في مكة، ففي هذا التصرف لم يربط ميوله بمفاهيمه الإسلامية، وإنما سيرته غريزة النوع للمحافظة على أولاده وأهله، فحصلت عنده هذه الثغرة في السلوك، نتيجة انفلات هذا الميل من مجال العقيدة الإسلامية، وذلك بجذب من غريزة النوع.
فتصرف الصحابة في غزوة أحد، وفي غزوة بني المصطلق لم يخرجهم عن كونهم شخصيات إسلامية، وقد وصفت الأدلة الشرعية من آيات وأحاديث هذه الشخصيات الإسلامية حين وصفت المؤمنين والصحابة قال تعالى : (محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً)، وقال عنهم في جهادهم : (وينصرون الله ورسوله) وقال : (جاهدوا بأموالهم وأنفسهم) ووصف عبادتهم بقوله : (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) وبقوله : (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) وبقوله : (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وبقوله : (التائبون العابدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) ، ووصف أخلاقهم بقوله: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) وبقوله : (أولئك هم الصادقون) وبقوله : (لا يسألون الناس إلحافاً) وبقوله (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) وقال عليه السلام : (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) .
فهم شخصيات إسلامية، يجمعون بين العبادة والسياسة، وبين القيادة والرعاية، وبين الرحمة والعدل، وبين قيام الليل والجهاد، يبتغون فيما أعطاهم الله الدار الآخرة، ولا ينسون نصيبهم من الدنيا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ويحاسبون الحكام لا يخشون في الله لومة لائم، فعقولهم وميولهم تبع لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنهم أدركوا معنى قوله عليه السلام : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون عقله الذي يعقل به) وقوله : (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) .


الشخصية غير المتميزة:

قال تعالى : (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) .

والشخصية غير المتميزة، تكون عقلية صاحبها غير نفسيته.
والشخصية غير المتميزة تنشأ عند الإنسان إذا كانت القاعدة التي يبني على أساسها أفكاره غير القاعدة التي يبني على أساسها ميوله، فيحكم على الأشياء والأفعال قياساً بالقاعدة التي يعقل بها الواقع (أي عقليته) بينما يميل لإشباع غرائزه وحاجاته العضوية حسب مفاهيم أخذها من قاعدة أخرى استعملها في ربط المفاهيم مع الدوافع (أي نفسيته) .
وأصحاب الشخصية غير المتميزة يظهر عليهم الاضطراب والقلق في سلوكهم، لأن تفكيرهم غير ميولهم فيعطون أحكاماً على الواقع يخالف ميلهم وتصرفهم تجاه هذا الواقع.
وقد ظهرت هذه الشخصيات غير المتميزة في مجتمع المدينة المنورة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أظهروا إسلامهم وأضمروا الكفر، وصاروا يحكمون على الأشياء والأفعال من وجهة نظر الإسلام، ولكن ميولهم ظلت خاضعة لمفاهيم الجاهلية المستندة إلى كفرهم، وقد وصفهم الله وصفاً دقيقاً في القرآن الكريم مبيناً تناقض عقليتهم وأحكامهم مع ميولهم وأعمالهم، قال تعالى : (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون، وإذا قيل لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء، إلا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون. وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون)، وقال الله تعالى : (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد) .
فعقليتهم التي يدل عليها كلامهم، تظهرهم وكأنهم مسلمون، فيقولون : آمنا بالله وبرسوله وباليوم الآخر وزيادة في التمويه يشهدون الله على ما في قلوبهم، ولكن ميولهم لا تزال مسيرة بمفاهيم الكفر، لأن الكفر هو عقيدتهم، وهم يقومون بأعمالهم لإشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية بناء على مفاهيم الكفر، فيفسدون في الأرض ويخاصمون الناس ويتذرعون بأوهى الحجج ليقعدوا عن القتال، بل ويثبطون غيرهم، كما انسحبوا من جيش المسلمين قبل بدء المواجهة مع المشركين في غزوة أحد.
والشخصية غير المتميزة أيضاً، هي التي تتخذ قاعدة أو قواعد معينة مقياساً لتفكيرها وميولها، أي لعقليتها ونفسيتها، ولكن هذه القاعدة أو القواعد لا تعطي فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، ولهذا لا تصلح لأن ينبثق عنها نظام شامل، ينظم جميع علاقات الإنسان، وإنما ينبثق عنها أنظمة تنظم بعض هذه العلاقات كالنصرانية اليوم، التي تنظم بعض الغرائز والحاجات العضوية، فيضطر معتنقها لأن يشبع بقية غرائزه وحاجاته العضوية حسب قواعد أخرى وبنظام آخر.
والشخصية غير المتميزة قد تكون فوضوية، فلا يضع صاحبها قاعدة أو قواعد ثابتة لعقليته ونفسيته، فتفكيره وميوله تجاه الأشياء والأفعال يختلفان ويتناقضان ويتفاوتان ويتأثران بالبيئة من حين لآخر. فصاحب هذه الشخصية لا يتخذ قاعدة معينة ثابتة للحكم على الأشياء والأفعال، فيصدر أحكاماً مختلفة على الشيء الواحد، كأن يحرم اللحم على نفسه، ثم يعود عن ذلك الحكم فيحله.
وهو أيضاً لا يتخذ قاعدة معينة ثابتة لنفسيته، فيميل ليشبع غريزة التدين إلى عبادة الشمس، ثم يترك ذلك فيميل إلى عبادة النهر ...
والشخصية غير المتميزة قد تكون رتيبة، فيتخذ صاحبها قاعدة أو قواعد ثابتة للحكم على الأفعال والأشياء المحسوسة لديه، ولا تتسع هذه القاعدة أو القواعد للحكم على الأشياء والأفعال المتجددة، ويحدد ميوله بناء على هذه القواعد الجامعة دون أن يكون فاعلاً أو منفعلاً بما يحيط به من وقائع، فيكون رتيباً في تفكيره وميوله، ولا يحدد فيهما أبداً، فيبدو في تصرفاته كالآلة ... يضبط الناس ساعاتهم على وقت مروره في الشارع، وإن تعرض لأحداث جديدة، وقف تجاهها معطل الذهن، ومتبلد الشعور، فلا يجد أفكاراً للحكم عليها، ولا يحدد ميوله تجاهها.
[/font][/size]