اما عندما سألت :
إقتباس:
في قناة ديسكوفري شانيل رأيت بعض أفعالكم وبالرغم من تبرير البعض لي لهذه الأفعال الا أني لم أقتنع تمام الاقتناع ولذلك أخبرني ماهي الحكمة ونحن في عام 2005 من بعض الممارسات مثل الطواف سبعا حول الكعبة مع مايتكبده المسلمون من مشقة وعناء وقد يموت بعضهم
|
و
إقتباس:
سؤالي ماهو الحكمة من اقتصار الحج على هذا البيت بالرغم مما يعانيه المسلمون؟
|
فإليك :
إن بيت الله الحرام وضعَ كما أخبرنا تعالى بوادٍ غير ذي زرع،
وفي مكان تحيط به الصحراء من جميع جهاته،
وفي السابق يضطر الحاج إلى قطع مسافات طويلة وسط صحراء
تكاد تكون مقفرة من السكان إلا من بضع واحا ت متوضعة هنا وهناك،
يتزود منها الحاج حاجته لتساعده على متابعة السفر اللهم إذا استثنينا
هذا العصر الحضاري، إن الحاج الآن في طريق مقفرة، وكل شيء فيه يكاد يكون ساكناً إلا من فحيح الأفاعي وصرير الجنادب،
ينطلق الحاج في رحلته وما هي إلا بضعة أيام حتى
يتخلص الحاج من العمران ليستقبل الصحراء وجهاُ لوجه فالدنيا خلّفها وراء
ظهره ولم يبقى أمامه ما يشغل نفسه إلا الذي هو قاصده.
إنها ذكريات تتناسب والغاية التي شدت إليها الرحال، وإنها ذكرى ليوم لا
ريب فيه سوف تفارق فيه الحياة الدنيا، وتفارق الأهل والأحباب.
كذلك فإن مناظر الحيات والعقارب، وسماع أصواتها تذكر الحاج بالقبر، وما
يلقى فيه من أمثال تلك المخلوقات، تلك المشاهدات سوف تترك في النفس
إحساساً بعدم دوام الحياة وأن لا بد من يوم ينادي فيه المنادي ألا أيها
الإنسان تهيأ للرحيل، فالأوان قد آن لمفارقة الأهل والمال والخلان، هذا
الإحساس يدفع الحاج لكي يشمر عن ساعد الجد ويسعى في طلب الحق.
من هذا الوصف تبدو لنا الغاية سافرة من وضع البيت الحرام في مكان بعيد،
وفي وادٍ غير ذي زرع، خالياُ من كل ما يشغل النفس من مفاتن الدنيا
وزخرفها، لأن أعظم عقبة تحول بين الإنسان وربه، هي حب الدنيا وانشغاله بها
عن الآخرة، فهي التي تسد السمع وتطمس على البصر وتجعل القلب غافلاً عن ذكر
الله وهذه هي الحكمة من وضع البيت الحرام في جوف الصحراء وفي وادٍ غير ذي زرع.
وإن الطالب عندما ييمِّم وجهه شطر جامعته، ُتراه هل يذهب لرؤية المقاعد أو القاعات؟ وملاعب الجماعة ونواديها ومقاصفها ومطاعمها؟
أم يذهب لينهل العلوم والمعارف من أساتذة تلك الجامعات؟ أي أيقصد الحجر، أم البشر؟
أمر الله تعالى معلمنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالا تجاه شطر المسجد
الحرام لتكون نفسه مقبلة عليه تعالى من ذلك المكان كما أمرنا نحن
المسلمين جميعاً بأن نتجه للقاء معلمنا رسولنا (صلى الله عليه وسلم)
بذلك المكان الكعبة بقوله تعالى الكريم: {ومن حيثُ خرجتَ فولِّ وجهكَ شطرَ
المسجدِ الحرامِ وحيثُ ما كنتمْ فولُّوا وجوهكمْ شطرهُ} لنستطيع نحن أيضاً أن
نولي وجهنا شطره حيثما كنا وفي أي مكان وجدنا فنجعله (صلى الله عليه وسلم)
لنا في إقبالنا على الله إماماً وليكون لنفوسنا سراجاً مضيئاً، وذلك سر الأمر الإلهي ولبابه.
وبناءً على ما قدمناه نقول: نحن في طوافنا واستقبالنا الكعبة لا نعبد
الكعبة ولا نتجه إلى الأحجار بل إنما نتجه من ذلك المسجد الحرام إلى الله
ونحن لا نعبد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بل إنما نطوف حول الكعبة
لتجتمع نفوسنا بنفسه الشريفة المقبلة على الله من هذا البيت فنتخذه لنا في
صلاتنا إماماً وفي نفوسنا سراجاً منيراً، ونقبل على الله بمعيته وهو لها نِعمَ الإمام وخير رفيق.
فالكعبة إذن: هي الوسيلة في قيام وجهة الأنفس إلى خالقها،
قال تعالى: {جعلَ اللهُ الكعبةَ البيتَ الحرامَ قياماً للناس}.
والشاعر يقول :
وما حبُّ الديار شغفن قلبي ولكن حبُّ من سكن الديار
وكذلك الحكمة من الطواف بين الصفا والمروه فلقد بيـّـنها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال :
(( إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله )) رواه أبو داود ،
فالطائف يطوف بجسده وأما قلبه وروحه فإلى الله اتجهاهما ، وبه تعلقهما .
ولسان الحاج وقلبه يلهجان بقولهما : (( لبيك اللهم لبيك ))
وما سمعنا عن أحد أنه قال : (( لبيك يا كعبة لبيك )) !!
فالطواف والتلبية استجابة لأمر الله ، وليست للكعبة . .
ولعل مما يفسر هذا قول بعض الصالحين : طاف الجسد بالبيت ، وطاف القلب برب البيت .
و المؤمنين ما طافوا إلا بأمر الله ، وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى .
<******>drawGradient()******>
لا أدري إن كان زال اللبس عليك أم لا ؟
انتظر رداً