وتوجه الأبطال إلى مركز الكفار لا ليَفْجُروا فيه ويفسقوا كما يفعل كثير من الشباب اليوم؛ بل توجهوا إليه ليسحقوه واستعانوا بالله عز وجل وتوكلوا عليه وحددوا الأهداف بدقة واختاروا اليوم الموعود لتنفيذ العمليات.
وهناك في أرض الرباط كانت المجاهدون يتضرعون إلى الله أن ينصر إخوانهم وأن يوفقهم وأن يفتح الله على أيديهم، واستجاب الله دعاءهم ووقعت الضربة الهائلة مدوية كما خطط لها وكما رتب بل وأعظم، وعلا التكبير في أرض الأفغان على هذا النصر التاريخي المشهود وعمت الفرحة جميع أجزاء الدول الإسلامية وابتهجت النفوس ووزعت الحلوى وبكى الفلسطينيون فرحاً على أن هيأ الله لهم من ينصرهم ويأخذ بثأرهم ويدافع عن حقوقهم المسلوبة ويغضب لبكاء عجائزهم وأطفالهم وشيوخهم.
فالحمد لله على النصر المؤزر على هبل العصر أمريكا اللعينة والشكر لله - أولاً - ثم للرجال المخلصين الأخفياء الأنقياء الأطهار العاملين بكل جد خلف الأستار، ومنهم شهيدنا البطل أبو حفص الكومندان رحمه الله.
وبعد هذه الضربة الموفقة؛ جن جنون أمريكا وحارت عقول مفكريها العسكريين الذين بقوا - بعد أن قتل كثير منهم في مبنى البنتاغون - وطاشت أفكارهم وعقولهم وتنادى الصليبيون فيما بينهم للثأر من أسود الله الرابضة في أفغانستان واصطحبوا معهم كل الدول، بل حتى أحباشهم وعبيدهم اصطحبوهم معهم لهذه المعركة، "فإما معنا أو ضدنا"، وبطبيعة الحال العبد يتبع سيده، وانضمت حكومات "الدول الإسلامية" لهذه الحملة، في أكبر حملة صليبية على أرض الإسلام منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان أبو حفص رحمه الله في هذه الأثناء يخطط لعمليات أخرى، ولم يقل قد أعذرت أمام الله عز وجل بهذه الضربة الكبيرة، فنفسه أكبر من هذه المقولة...
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
فجلس يخطط ويعد ويجهز الشباب بكل ما يملك من خبرات، فهذه ساعة الصفر ولا بد من كسب المعركة، فهي معركة بقاء أو فناء، فلله درهم من رجال.
وبدأت الحملة الصليبية على أرض أفغانستان وحلمها أن تسحق جميع الدول الإسلامية بدءا بأفغانستان حتى آخر دولة إسلامية، وبدأ القصف شديداً على أفغانستان؛ تلك الأرض الطاهرة، تلك الأرض التي غالباً ما تكون مقبرة لمن يغزوها، وهي اليوم مقبرة للأمريكان بحمد الله رغم التعتيم الإعلامي الكبير، وتركز البحث عن أسود الله أسامة ورفاقه فهم يريدون القضاء عليهم بأي شكل من الأشكال، فاستخدموا القنابل الطنية التي تزن سبعة أطنان، وللأسف الشديد كانت الطائرات تقلع من بلاد الإسلام لتضرب المسلمين وتريق دماءهم.
واشتد البحث عن الشيخ أسامة وإخوانه بعد مضي شهر من بداية الحملة على أفغانستان واستعانوا بالجواسيس والعيون لترصد المجاهدين، وألقوا المنشورات التي تعد بالملايين لمن يدل على الشيخ أو أحد إخوانه، يريدون أن يستغلوا فقر الأفغان لشراء ذممهم ودينهم، {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
ولم تهن عزيمة أبي حفص رحمه الله بعد أن اشتد عليه الطلب بل ظل يخطط ويعد الشباب ويجهزهم لعمليات موجعة للأمريكان رغم ما كان يعانيه في أواخر أيامه من ألم شديد في عظامه في سبيل الله، وكان ينصح الشباب بعدم التعرض للبرد الشديد فقد أصيب بالألم في عظامه أيام معارك جاجي حيث كان شاباً ولا يبالي بالبرد فأثر عليه ذلك في الكبر رحمه الله، وأكثر من الدعاء لله عز وجل بأن يرزقه الشهادة في سبيله التي طالما حلم بها وتمناها؛ فقد رقت عظمه وضعفت نفسه وكبرت سنه وقد رأى جزءاً من النصر الذي عمل له دهورا بأم عينيه، واستجاب الله دعاءه بعد أن أعذر أمام الله عز وجل - نحسبه كذلك والله حسيبه -
وكان الشيخ أبو حفص الكومندان رحمه الله شديد الشبه بالشيخ أسامة؛ فنفس تقاسيم الوجه ونفس اللحية الموقرة بل ونفس الطول الفارع وضخامة الجسم، وقد كان منفصلاً عن الشيخ أسامة لمصلحة المسلمين ولئلا يفجع المسلمون بمقتل القائدين فكان كل القادة منفصلين عن بعض.
وفي ليلة من ليالي رمضان المباركة وبعد الإفطار؛ كان الشيخ على موعد مع أسود الله الذين كان من المفترض أن ينفذوا عملية استشهادية كبيرة في فلسطين رتب لها الشيخ، وبعد أن اجتمع معهم ورتب لكل شيء وأكمل النقص ووضع اللمسات الأخيرة للعملية؛ وعظ الشباب وذكرهم بواجباتهم تجاه الأمة الإسلامية وأمام الله عز وجل.
وبعد الاجتماع المبارك ذهب الأسود لتناول السحور عند أحد الإخوة، وبعد أن دخلوا البيت أحس أبو حفص أن أحداً يتابعهم بدون أن يروه، وقرر تغيير البيت إلى بيت آخر، وبعد أن وصلوا للبيت الجديد؛ كان بالفعل يتابعهم أحد الأفغان العملاء من عباد الدرهم والدينار وظن أن هذا الشخص المتابع هو الشيخ أبو عبد الله بشحمه ولحمه؛ فرمى الصفيحة المعدنية بالقرب من المنزل وأبلغ الأمريكان بوجود الشيخ أسامة في هذا المنزل، وأرسلت الطائرات عجلى تريد أن تلقي قذائفها بأسرع وقت ممكن ليخمد نار الجهاد المشتعل... ولكن هيهات وأنى لهم ذلك.
وألقيت قذائف الشيطان على ذلك البيت المتواضع ليلقى الشيخ أبو حفص الكومندان وإخوانه ربهم مقبلين غير مدبرين وهم في نيتهم أن يفتكوا بأعداء الله وينالوا الشهادة في سبيله، ولكن جاءتهم الشهادة كما يتمنون؛ فلا ضير شهادة هنا أوفي أرض العدو، المهم شهادة في سبيل الله والنية المعقودة؛ بلغهم الله عز وجل إن شاء الله فهو كريم جواد جل وعلا - نحسبهم كذلك والله حسيبهم -
وفي اليوم الثاني بحث الشباب تحت الأنقاض عن جسد أبي حفص الشريف فوجدوه كأنه نائم وعلى وجهه نور وابتسامة ولم يخدش بخدشة واحدة وقد خرجت منه رائحة المسك وقد شمها جميع من حضر.
وفرح أعداء الله بمقتله ولم يتأكدوا من مقتله إلا بعد فترة طويلة بعد أن دفن رحمه الله؛ وبالضد فقد حزن المجاهدون حزناً شديداً وبكوا لفراق شيخهم وأبيهم وعمهم وأخيهم الكبير، فلقد كان رحمه الله يحب الشباب المجاهدين حباً شديداً ويراهم أفضل منه ويحسب أن لهم الفضل حين قدموا إلى أفغانستان للتدريب والجهاد، وما علم أن الفضل كل الفضل لله عز وجل ثم له ولإخوانه حين فتحوا المعسكرات لتدريب الشباب وإعدادهم للعمليات وتهيئتهم لخوض المعارك بل وحتى إطعامهم والتكفل بكل شؤونهم.
لقد كان رحمه الله ذا خلق حسن رفيع مع كل المجاهدين، بل حتى مع العمال الأفغان المساكين؛ يحبهم ويحبونه، الكل يحبه بل إنك تحبه من جلسة واحدة تجلسها معه، يوجه هذا وينصح هذا ويربت على كتف هذا ويبتسم في وجه ذاك، يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل شؤونه حتى في تبسمه.
ومن حبه للشيخ أسامة بن لادن حفظه الله زوّج ابنته لابن الشيخ محمد بن أسامة بن لادن.
وكان رحمه الله يعد لإنشاء جيش إسلامي نظامي لتحرير بلاد المسلمين، وكان ينصح الشباب المدربين أن يتخصص كل منهم في تخصص عسكري سواء في المدفعية والإسناد أو في الهندسة العسكرية والألغام أو في الاقتحام والتقدم، أو في الأسلحة المضادة للطائرات؛ ليكونوا نواة لهذا الجيش المبارك، ولكنه رحمه الله توفي قبل أن يرى هذا الجيش، لكن الأشبال من بعده عازمون على إنجاح فكرته وتحقيقها وما ذلك على الله بعزيز.
وقد دفنه الشباب وهم يبكون ألماً ولوعةً على فراق أستاذهم وشيخهم، وفي نفس الوقت سعيدون لنيله الشهادة في سبيل الله التي طالما تمناها بعد عمر طويل في الجهاد في سبيل الله؛ أكثر من 25 سنة قضاها في نصرة دين الله وإقامة دولته وقهر أعداء الله من الصليبيين واليهود وأذنابهم، واستطاع أن يوجعهم مراراً وتكراراً... فرحمه الله ورضي عنه وبلغه منازل الشهداء.
هذا و الله أعلم
__________________
|