عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 10-07-2005, 09:23 AM
المشرقي الإسلامي المشرقي الإسلامي غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 637
إفتراضي

* القعود والجلوس:

والمتأمل لآي القرآن واستعمال هاتين الكلمتين، يدرك روعة العربية من جهة وإعجاز الكتاب الخالد من جهة ثانية، فالقعود إنما يستعمل لما فيه لبث ومكث، قال تعالى (والقواعد من النساء) (النور:60)، وقيل اقعدوا مع القاعدين (براءة:46)، (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) (القمر:55)، (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع) (الجن:9)، وهذا يبين حرصهم على استراق السمع.

أما مادة جلوس فلم تأت إلا في قوله تعالى (إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم) (المجادلة: 11). وهذه المجالس عادة لا يطول المكث فيها ومنه الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه قوله عليه السلام (مثل الجليس الصالح وجليس السوء)، والحديث الآخر قوله عليه السلام (إباكم والجلوس على الطرقات).

العقد الذي يستعمل لعقدة النكاح، والعقيدة: وهي قضايا ثابتة. ومن أسرار العربية أن (القاف، والعين، والدال) تدل على اللبث والثبات فمنها مادة: قعد التي تحدثنا عنها من قبل، والدقعاء: للتراب الكثير الدائم الذي يبقى في مسيل الماء، ومنه:

أما (الجيم، واللام، والسين) فعلى العكس من ذلك، ففيها الحركة، ومن: السجل للشيء المتحرك الذي لا يبقى عند صاحبه.

والطريف أنهم ضموا عين المضارع في قولهم: (يقعد) وكسروا في قولهم: (يجلس) والكسرة أخف من الضمة، فاستعملوا الكسرة لما فيه الحركة، واستعملوا الضمة الأثقل لما فيه المكث.

* السنة والعام:

جاءت هاتان الكلمتان في قوله تعالى (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) (العنكبوت: 14). وتأمل في كل من الكلمتين على حده نستنتج أن هناك أكثر من فرق بينهما. فالسنة: تلقي من منطوقها ظلال الشدة والقحط والصعوبة. والعام: على العكس من ذلك، قال تعالى (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) يوسف: 49).

وفي الأثر ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستشهاد، باب دعاء النبي: (اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) فالسنة تدل على القحط، والعام يدل على الرخاء. وهناك فرق أخر وهو أن السنة تستعمل أكثر ما تستعمل فيه السنة الشمسية، على حين يستعمل العام للقمرية، ونحن نعلم أن بينهما أحد عشر يوما تقريبا، ومن هنا فلاعجب أن تدهشنا روعة التعبير في اختيار الكلمات، حيث ذكرت السنة في ما قضاه نوح عليه السلام، وذكرت كلمة العام بجانب المدة التي استثنيت من ذلك، وفي هذا تصوير لما عاناه عليه السلام من شدة في الأمر، ومقارعة لاعداء الله، وطول أمد، وإذا تدبرنا كتاب الله تعالى فأننا لن نجد كلمة منه تشبه غيرها، فضلا عن أن تسد مسدها.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي الخاص المتواضع، وسبحان من تفرّد بالكمال
الرد مع إقتباس