عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 13-07-2005, 05:01 PM
المشرقي الإسلامي المشرقي الإسلامي غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 637
إفتراضي

تعاور المفردات: (العاكفين) و (القائمين) (صفحة 136-139)

ومن اختلاف المفردة في الموطنين المتشابهين قوله تعالى (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة) وقوله (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) الحج) فقال في سورة البقرة (والعاكفين) وقال في سورة الحج (والقائمين). والعاكفون هم أهل البلد الحرام المقيمون، وقيل هم المجاورون له من الغرباء، وهم الذين عكفوا عنده، أي قاموا لا يبرحون، وقيل: هم المعتكفون فيه (انظر البحر المحيط 1/382، الكشاف 1/237، روح المعاني 1/381، تفسير ابن كثير 1/170، فتح القدير 1/121).

والقائمون: هم المصلّون كما يقول المفسّرون فعلى هذا يكون القائمون هم الركّع السجود إلا أنه ذكر أهمّ أركان الصلاة: وهي القيام والركوع والسجود.جاء في البحر المحيط: والقائمون هم المصلّون ذكر من أركانها أعظمها، وهو القيام والركوع والسجود (البحر المحيط 6/364 وانظر فتح القدير 3/434)

وجاء في روح المعاني: ولعلّ التعبير عن الصلاة بأركانها من القيام والركوع والسجود للدلالة على أن كل واحد منها مستقل باقتضاء التطهير أو التّبوئة على ما قيل (روح المعاني 17/143).

والذي يظهر لي والله أعلم أن القيام لا يختص بالقيام في الصلاة وإنما هو يشمل القيام بأمر الدين عموماً والاستمساك به والمحافظة عليه.

فالقائمون: هم المستمسكون بدين الله الثابتون عليه كما قال تعالى (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)آل عمران).

جاء في لسان العرب: "معنى القيام العزم.. ومنه قوله تعالى: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (19) الجن) أي لمّا عزم، وقوله (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (14) الكهف). أي عزموا فقالوا...والقائم بالدين المستمسك به الثابت عليه...وعليه قوله تعالى (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ (113) آل عمران). أي مواظبة على الدّين ثابتة (لسام العرب (قوم) 15/398-403)"

"وكذلك فلانٌ قائم بكذا، إذا كان حافظاً له مستمسكاً به (لسان العرب (قوم) 15/403)".

أما سبب ذكر (العاكفين) في سورة البقرة و(القائمين) في سورة الحج فذلك أمر يقتضيه السياق.

إن معنى (العكوف) الإقامة ولزوم المكان. جاء في "لسان العرب": "عكف على الشيء: أقبل عليه مواظباً لا يصرف وجهه عنه. وقيل: أقام، ومنه قوله تعالى (يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ (138) الاعراف) أي يقيمون. ومنه قوله تعالى (ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا (97) طه) أي مقيماً...ويعكف عكفاً وعكوفاً: لزم المكان. والعكوف: الإقامة في المسجد، قال الله تعالى (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ (187) البقرة). قال المفسرون وغيرهم من أهل اللغة: عاكفون: مقيمون في المساجد لا يخرجون منها إلا لحاجة الانسان، يصلي فيه ويقرأ القرآن. ويقال لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه: عاكف ومعتكف(لسان العرب (عكف) 11/161)".

وقد ذكرنا أن العاكفين هم أهل البلد الحرام المقيمون، وقيل: هم المجاورون له من الغرباء. وقد جاءت الآية في سياق ذكر أهل البلد الحرام وسكانه. قال تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ (126) البقرة).

وذكر ذرية ابراهيم واسماعيل فقال (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة).

وسكان البلد الحرام، هم من ذرية ابراهيم واسماعيل. ومن هؤلاء السكان المقيمين في البلد الحرام، بُعث النبي الأمين r الذي دعا به ابراهيم واسماعيل، فناسب ذلك ذكر العاكفين، وهم أهل البلد الحرام المقيمون أو المجاورون وعموم من لَزَم المسجد الحرام.

أما في آية الحج، فقد ذكر (القائمين) ولم يذكر العاكفين، ذلك أنه قال قبل هذه الآية: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ (25) الحج). فجعل العاكف فيه وغيره سواء فليس من المناسب أن يُفرِد العاكفين، فقال (والقائمين). والقائمون قد يكونون من العاكفين وغيرهم.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أنه ذكر بعدها فريضة الحج والحجاج الذين يأتونه من كل فج عميق، ولم يذكر أهل البلد الحرام وسكانه، فقال (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) الحج).

ومن هؤلاء المذكورين من سيعود إلى أهليهم بعد قضاء فريضة الحج، فلا يناسب ذلك العكوف والاقامة، وإنما يناسبه القيام. والقيام من معانيه القيام بأمر الدين والاستمساك به كما ذكرنا، ومن ذلك القيام بالصلاة والقائمين وفي سورة الحج. والله أعلم.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي الخاص المتواضع، وسبحان من تفرّد بالكمال
الرد مع إقتباس