الموضوع: الفقه
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 15-07-2005, 09:02 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

ولما اتسعت الفتوحات وتفرق الصحابة في مختلف الامصار ، وصار غير ميسور ان يجتمع هؤلاء الصحابة كلما عرضت واقعة لانص فيها ، انفرد كل صحابي في اعطاء رأيه دون ان يبديه لغيره او يرجع الى غيره ، لتعذر الاجتماع مع تباعد الامصار وضرورة اعطاء الرأي في الحادثة الواقعة في المصر ليقضي بها . وقد كان بكل مصر من امصار المسلمين واحد او اكثر من الصحابة ، وكانوا المرجع في الاحكام ، فكانوا يستنبطون الاحكام التي لانص فيها ، ويتولون بيان وتفسير النصوص كما يتولون تعليم الناس الكتاب والسنة . ولم تكن السنة قد دونت بعد ، لذلك اختلفت آراء الصحابة في الواقعة الواحدة وكان لكل منهم دليل على الرأي الذي استنبطه وافتى به . إلا ان جميع هذه الآراء احكام شرعية مقبولة عندهم جميعا لان اختلافهم انما كان في الفهم فقط . اما طريقتهم في الاجتهاد فهي واحدة وهي اعتبار النص من القرآن والحديث والتحري عن النصوص ، وجعل المصالح المعتبرة هي المصالح التي دل عليها الشرع وقياس المسائل والمصالح . فكانت وحدة طريقتهم في الاجتهاد لاتجعل لهذا الاختلاف في الفهم أي اثر . بل على العكس كان سببا من اسباب نمو الفقه واتساعه . وكانت فتاويهم على قدر ماوقع من الحوادث والاقضية . ولم تتسع مسافات الخلاف بينهم ولم تتجاوز الفروع . ويرجع سبب الاختلاف في الفروع بين الصحابة الى سببين اثنين :

الاول - ان اكثر نصوص القرآن والسنة ليست قطعية الدلالة على المراد منها بل هي ظنية الدلالة . وكما تحتمل ان تدل على هذا المعنى ، تحتمل ان تدل على معنى آخر بسبب ان في النص لفظا مشتركا لغة بين معنيين او اكثر ، او ان لفظا عاما يحتمل التخصيص ، فكل مجتهد منهم يفهم حسب ماترجح عنده من القرائن .

الثاني - ان السنة لم تكن مدونة ، ولم تجمع الكلمة على مجموعة منها وتنتشر بين المسلمين ، لتكون مرجعا لهم على السواء ، بل كانت تتناقل بالرواية والحفظ . وربما علم منها المجتهد في مصر ، ما لم يعلمه المجتهد في دمشق . وكثيرا ما كان يرجع بعض المجتهدين منهم عن فتواه ، اذا علم من الآخر سنة لم يكن يعلمها . فأدى ذلك الى الاختلاف في الفروع ، ولكن الادلة والاصول لم يختلفوا فيها ، ولذلك لم تختلف طريقتهم في الاجتهاد .

وبالجملة كان الصحابة رضوان الله عليهم علماء بالشريعة . فقد تعلموا القران وتلقوا الحديث ، واطلعوا بانفسهم على تنفيذ احكام الاسلام ، باختلاطهم بصاحب الرسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام . وكانوا يحكمون الناس ويقضون بينهم ويعلمونهم دينهم ، وكانوا لأهل البلاد التي يسكنونها منارا وعلى الشريعة امناء ، وفي الدعوة الى الاسلام مؤمنين صادقين . يقرئون الناس القران ويعلمونهم الشرائع والاحكام . وكانوا يسيرون في تعليم الناس الاسلام سيرا عمليا . فيعلمون الناس الاسلام واحكامه ، والطريقة التي ينتفعون بها في معالجة مشاكل الحياة بتلك الاحكام ، فكانوا حكماما وكانوا في نفس الوقت معلمين . واقبل الناس على الصحابة يتلقون عنهم الثقافة ، وياخذون الاسلام ، ويفهمون الاحكام . وقد اطلق على ما بينوه من آرىء في الاحكام ( فتاوى ) ، وحفضت الفتوى عن مائة ونيف وثلاثين من اصحاب رسول الله مابين رجل وامرأة . وكان من اكثرهم في ذلك علما واعطاء رأي سبعة ، اطلق عليهم انهم المكثرون وهم : عمر وعلي وابن مسعود وعائشة وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر وكان الخلفاء وسائر الحكام فقهاء في الاحكام ، علماء بالشريعة ، مشتغلين بالفتوى ، ولذلك كان الاسلام يتجسد فيهم . فعقولهم عامرة بثقافته ، وافكارهم تصدر عن هذه الثقافة ، ومفاهيمهم التي يصدقونها معان لهذه الافكار، وهم الذين ينفذون هذه الاوامر والنواهي والاحكام . فكان الخليفة والوالي يفكر ويعمل ، ويفهم ويحكم . ولذلك كانت اعمالهم صائبة ، وامورهم مستقيمة ، ونفوسهم سامية ، ولهجاتهم في الحديث الى الناس صادقة ، واحكامهم ملتزمة خطة الاسلام بكل دقة . وقد لزم الصحابة جماعة من التابعين واخذوا عنهم القران ورووا عنهم السنة وحفظوا فتاويهم ، وفهموا طرق استنباطهم للاحكام . ومنهم من كان يفتي في حياة الصحابة مثل سعيد بن المسيب في المدينة ، وسعيد بن جبير في الكوفة . ولذلك نجد حين انقرض الصحابة خلفهم في الفقه والاستنباط التابعون ، فكانوا يستنبطون الاحكام حسب اجتهادهم . وكانوا ينظرون اولا في كتاب الله وسنة رسول الله ، فان لم يجدوا فيهما يدرسوا فتاوى الصحابة . وكانت لهم اراء في فتاوى الصحابة من الناحية الفقهية ويرجحون قولا على قول ، وياخذون بقول بعضهم ، وقد يخالفون الصحابة. وكانت طريقة استنباط الاحكام عند التابعين هي طريقة الصحابة ، ولذلك كانت فتاويهم على قدر ما وقع من الحوادث والاقضية ، دون وجود أي فرض من الفروض ، بل بقدر الحوادث تجد الفتاوى .ولم تتسع مسافات الخلاف بينهم ، ولم تتجاوز اسباب الخلاف التي اختلف عليها الصحابة ، وهي تتعلق بفهم النص لا في الادلة الشرعية . ولذلك لم يكن بين المسلمين أي خلاف له اثر في الحياة.