عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 19-07-2005, 07:34 PM
الجلاد10 الجلاد10 غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2005
الإقامة: بلاد الله
المشاركات: 498
إفتراضي

قال ابن القيم رحمه الله : ( لا يجوز للمفتي أن يعمل بما شاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح ولايُعْتَدُّ به، بل يكتفى في العمل بمجرد كون ذلك قولاً قاله إمام أو وجهاًَ ذهب إليه جماعة فيعمل بما يشاء من الوجوه والأقوال حيث رأى القول وَفْقَ إرادته وغرضه عمل به ، فإرادته وغرضه هو المعيار وبها الترجيح ، وهذا حرام باتفاق الأمة ، وهذا مثل ماحكى القاضي أبو الوليد الباجي عن بعض أهل زمانه ممن نَصَبَ نفسه للفتوى أنه كان يقول: إن الذي لصديقي عليّ إذا وقعت له حكومة أو فتيا أن أفتيه بالرواية التي توافقه، وقال: وأخبرني مَنْ أثق به أنه وقعت له واقعة فأفتاه جماعة من المفتين بما يضره، وأنه كان غائبا فلما حضر سألهم بنفسه، فقالوا: لم نعلم أنها لك، وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه ، قال : وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد بهم في الإجماع أنه لايجوز، وقد قال مالك رحمه الله في اختلاف الصحابة رضي الله عنهم مخطىء ومصيب فعليك بالاجتهاد.
وبالجملــة فلا يجوز العمل والإفتـــاء في دين الله بالتّشَهِّي والتخير وموافقة الغرض فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرضَ مَنْ يٌحابيه فيعمل به ، ويفتي به ، ويحكم به ، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده ، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر، والله المستعان). (اعلام الموقعين) جـ 4 صـ211.
والترجيح بين الأقوال المختلفة في المسائل الشرعية هو من هدي الخلفاء الراشدين ولا سيما في المسائل العظمى والقضايا الكبرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( لمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر رضي الله عنه : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ فقال : والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر رضي الله عنه : فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق ) متفق عليه .

المسألة الرابعة : إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث :

إنَّ من الأصول المتفق عليها عند أهل السنة أن من عُرِفَ من العلماء بالعلم والتقوى والتزام الحق قولا وفعلا ومنهجا إذا وقع في الخطأ أو الزلل أقيلت عثرته ولم تسقط بذلك إمامته ومنزلته فقد قيل قديما : كفى بالمرء فخرا أن تعد معايبه .
عن أبي الدرداء قال : ( كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبا ، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل ، حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما صاحبكم هذا فقد غامر ). قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلَّم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر. قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله، لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل أنتم تاركون لي صاحبي، هل أنتم تاركون لي صاحبي، إني قلت: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت ) . رواه البخاري
وعن علي رضي الله عنه قال : ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام وكلنا فارس قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : الكتاب ، فقالت : ما معنا كتاب فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما صنعت ؟ قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ولا تقولوا له إلا خيرا فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه فقال أليس من أهل بدر ؟ فقال : لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم ) . متفق عليه
قال الإمام أحمد بن حنبل : ( لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً ) سير أعلام النبلاء 11/371].
ويقول الذهبي عن التابعي قتادة السدوسي: ( كان يرى القدر نسأل الله العفو .. ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه .. إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زللـه، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك ) سير أعلام 7/271
وقل شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وإما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} . وفي الصحيح قال: (قد فعلت)) الفتاوى 19/286
قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل _ رحمه الله _ : ( وعكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه و هو أحد العلماء وقد رووا عنه وعدلوه .
وقال : وكل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك عليه بأمر لا غير جرحه ) تهذيب التهذيب 7/241
وقال الذهبي في ترجمة علي بن المديني _ رحمهما الله _ : ( ثم ما كل أحد فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه ولا من شرط الثقة أن يكون معصوما من الخطايا والخطأ ولكن فائدة ذكرنا كثيرا من الثقات الذين فيهم أدنى بدعة أو لهم أوهام يسيرة في سعة علمهم أن يعرف أن غيرهم أرجح منهم وأوثق إذا عارضهم أو خالفهم فزن الأشياء بالعدل والورع وأما علي بن المديني فإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبوي مع كمال المعرفة بنقد الرجال وسعة الحفظ والتبحر في هذا الشأن بل لعله فرد زمانه ) ميزان الاعتدال.