عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 20-07-2005, 09:13 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي أثر المنازعات والمناظرات في الفقه الاسلامي

[size=5]

أثر المنازعات والمناظرات في الفقه الاسلامي



لقد وقع في عهد الصحابة والتابعين حادثان : احدهما فتنة عثمان ، والثاني المناظرات التي حصلت بين العلماء . فنتج عن ذلك اختلاف في انواع الادلة الشرعية ، ادى الى وجود احزاب سياسية جديدة ، وادى الى وجود مذاهب فقهية متعددة . ذلك انه بعد ان قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وبويع بالخلافة علي بن ابي طالب، ونازعه عليها معاوية بن ابي سفيان ، واشتعلت الحرب بين الفريقين وانتهت الى تحكيم الحكمين ، نتج ان نشأت احزاب سياسية جديدة لم تكن من قبل ، وصارت لهذة الاحزاب آرىء جديدة . وفد ابتدأ الرأي سياسيا بشأن الخليفة والخلافة ، ثم شمل كثيرا من سائر الاحكام . فقد نشأت جماعة من المسلمين نقموا من عثمان سياسته في خلافته ، ونقموا من علي قبوله التحكيم ، ونقموا من معاوية توليه الخلافة بالقوة . فخرجوا عليهم جميعا . وكان رأيهم ان خليفة المسلمين يجب ان يبايعه المسلمين بمحض اختيارهم دون اكراه ولااجبار . وان كل من توفرت فيه الكفاية للخلافة يصح ان يكون خليفة ، وان يبايعه المسلمون وتنعقد الخلافة له ببيعته مادام رجلا مسلما عدلا ، ولو كان عبدا حبشيا . وانه لاتجب طاعة الخليفة إلا اذا كان امره في حدود الكتاب والسنة . وكان هؤلاء لايأخذون بالاحكام التي وردت في احاديث رواها عثمان او علي او معاوية ، او رواها صحابي ناصر واحدا منهم ، وردوا كل احاديثهم وآرائهم وفتاويهم . ورجحوا كل ما رووا عمن يرضونهم ، ويعتبرون آرائهم ، وعلماؤهم دون غيرهم ، ولهم فقه خاص، وهؤلاء هم الخوارج .ونشأـ جماعة اخرى من المسلمين احبوا علي بن ابي طالب رضي الله عنه واحبوا ذريته ، ورأوا انه وذريته احق بالخلافة من كل احد . وانه هو الوصي الذي اوصى اليه الرسول بالخلافة من بعده . وقد ردوا احاديث كثيره رواها عن الرسول جمهور الصحابة . ولم يعولوا على اراء الصحابة وفتاويهم ، وعولوا فقط على الاحاديث التي رواها أئمتهم من آل البيت ، والفتاوى التي صدرت عنهم ، وكان لهم فقه خاص ، وهؤلاء هم الشيعة . وأما جمهرة المسلمين فانهم لم يذهبوا لما ذهبت اليه الاحزاب المذكورة ، ورأوا أن الخليفة يبايع من قريش ان وجد ، ويحملون كل اكبار ومحبة وولاء لجميع الصحابة دون استثناء ، ويؤولون ما كان بينهم من خصومات بانها كانت اجتهادية في احكام شرعية ظنية ، لاترتبط بكفر وايمان . وكانوا يحتجون بكل حديث صحيح رواه صحابي بلا تفريق بين الصحابة ، اذ الصحابة عندهم كلهم عدول ، وياخذون بفتاوى الصحابة وآرائهم جميعا . وبهذا كانت احكامهم لاتتفق مع احكام الاحزاب السياسية الاخرى في عدة موضوعات ، لاختلافهم في الحكم ، وطريقة الاستنباط ، وفي انواع الادلة .

ومن ذلك يتبين ان الفتنة حين حصلت اوجدت حالة سياسية وفقهية ادت الى اختلاف كان له اثره في التاريخ ، ولكنه لم يكن اختلافا على الشريعة وانما كان اختلافا في فهم الشريعة . ولذلك كان المختلفون جميعهم مسلمين ، وان تجاوز اختلافهم الفروع والاحكام ، الى الاصول والادلة وطريقة الاستنباط.

أما المناظرات التي حصلت بين العلماء ، فقد ادت الى اختلافات فقهية ولم تؤد الى اختلافات سياسية . لانها لم تكن اختلافا في الخليفة والخلافة ونظام الحكم ، وانما كانت اختلافا في الاحكام وطريقة استنباطها . واساس ذلك انه قد وقعت بين بعض المجتهدين مناظرات واختلافات ، وادت الى وجود اختلاف بينهم في طريقة الاجتهاد . فقد وقعت في المدينة بحوث اسلامية في استنباط الاحكام بين ربيعة بن ابي عبدالرحمن ، وبين محمد بن شهاب الزهري ، ادت الى ان كثيرين من فقهاء المدينة كانوا يفارقون مجلس ربيعة ، والى انهم لقبوه بربيعة الرأي . ووقع في الكوفة مثل هذا بين ابراهيم النخعي وبين الشعبي . فتكونت من هذه المناظرات عدة آراء في طريقة استباط الاحكام ، حتى صار المجتهدون مختلفي الطرق في الاجتهاد . وفي منتصف القرن الثاني للهجرة برزت هذه الطرق للاجتهاد ، وبرز الاختلاف بينها ، وتكونت عدة آراء . وكان يلازم التابعين جماعة من العلماء والمجتهدين ، فساروا على طريقتهم . الا ان الذين جاءوا بعدهم اتسعت مسافة الخلاف بينهم ، ولم تقف اسباب اختلافهم عند حد الفهم ، بل تجاوزها الى اسباب تتصل بالادلة الشرعية والمعاني اللغوية . وبهذا كان اختلافهم في الفروع والاصول ، وصاروا فرقاء لكل فريق مذهب ، فتكونت من جراء ذلك المذاهب ، وكانت كثيرة اكثر من اربعة وخمسة وستة ويزيد . ويرجع اختلاف طريقة الاجنهاد عند المجتهدين الى اختلافهم في امور ثلاثة : الاول في المصادر التي تستنبط منها الاحكام الشرعية ، والثاني في النظرة الى النص الشرعي ، والثالث في بعض المعاني اللغوية التي نطبق في فهم النص .

أما الاول فهو يرجع الى أربعة أمور :

1- طريق الوثوق بالسنة والميزان الذي ترجح به رواية على رواية .

وذلك ان الوثوق بالسنة يقوم على الوثوق بروايتها وكيفية روايتها . وقد اختلف المجتهدون في طريق هذا الوثوق . فمنهم من يحتجون بالسنة المتواترة والمشهورة ، ويرجحون ما يرويه الثقات من الفقهاء . وترتب على هذا انهم جعلوا المشهور في حكم المتواتر ، وخصوا به العام في القرآن . ومنهم من يرجحون ماعليه اهل المدينة بدون اختلاف ، ويتركون ماخالفه من خبر الآحاد . ومنهم من يحتجون بما رواه العدول الثقات سواء اكانوا من الفقهاء أم من غير الفقهاء ، ومن آل البيت او من غيرهم ، وافق عمل اهل المدينة او خالفه . ومنهم من يرى ان رواة الحديث غير معتبرين ، إلا اذا كانوا من ائمتهم ، ولهم طريقة خاصة في رواية الحديث وفي اعتباره وفي الاخذ به ، ولهم رواة معينون يعتمدونهم ولايعتمدون غيرهم . وقد اختلف بعض المجتهدين في الحديث المرسل ، وهو ما رواه التابعي عن الرسول مباشرة مسقطا الصحابي ، فمن المجتهدين من يحتج بالحديث المرسل ، ومنهم من لا يحتج به .

فهذا الاختلاف في طريق الوثوق بالسنة ادى الى ان بعضهم احتج بسنة لم يحتج بها آخر ، وبعضهم رجح سنة مرجوحة عند الآخر . وهذا حمل على الاختلاف في الكيفية التي تتخذ فيها السنة دليلا شرعيا ، فحصل الخلاف في الادلة الشرعية .

2- في فتاوي الصحابة وتقديرها . فان المجتهدين والائمة اختلفوا في الفتاوى الاجتهادية التي صدرت من افراد الصحابة ، فمنهم من يأخذ باي فتوى من هذه الفتاوى ، ولايتقيد بفتوى معينة ، ولايخرج عنها جميعا . ومنهم من يرى انها فتاوى اجتهادية فردية ، صادرة من غير معصومين ، فله ان ياخذ باي فتوى منها ، وله ان يفتى بخلافها كلها ، ويرى انها احكام شرعية مستنبطة لاادلة شرعية . ومنهم من يرى ان بعض الصحابة معصوم يؤخذ رأيه دليلا شرعيا ، فاقواله اقوال النبي وافعاله افعال النبي وتقاريره تقارير النبي . اما غيره من الصحابة فهو غير معصوم ، فلا يؤخذ رأيه مطلقا ، لاباعتباره دليلا شرعيا ، ولاباعتباره حكما شرعيا . ومنهم من يرى ان بعض الصحابة لايؤخذ عنهم لاشتراكهم في الفتنة ، والذين لم يشتركوا في الفتنة يؤخذ عنهم . ومن هنا نشأ وجه آخر من اختلاف الرأي في الادلة .

3- في القياس . فان بعض المجتهدين انكروا الاحتجاج بالقياس ، ونفوا ان يكون دليلا شرعيا . ومنهم من يحتج بالقياس وعدوه دليلا شرعيا بعد القران والسنة والاجماع . ولكنهم مع اتفاقهم على انه حجة اختلفوا فيما يصلح ان يكون علة للحكم . وما يبنى عليه القياس . ومن هنا نشأ اختلاف الرأي في الادلة .

4- الاجماع . اتفق المسلمون على اعتبار الاجماع حجة .فمنهم من يرى ان اجماع الصحابة حجة ، ومنهم من يرى اجماع آل البيت حجة ، ومنهم من يرى اجماع اهل المدينة حجة . ومنهم من يرى اجماع اهل الحل والعقد حجة . ومنهم من يرى اجماع المسلمين حجة . ومن هؤلاء من يرى ان الاجماع حجة لانه اجتماع الرأي ، ولذلك لو اجتمعوا واعطوا رأيا يعتبراجماعا يحتج به . ومنهم من يرى ان الاجماع المعتبر حجة لا لانه اجتماع الرأي بل لانه يكشف عن دليل . فالصحابة او آل البيت او اهل المدينة قد صحبوا الرسول ورأوه ، وهم عدول ، فاذا قالوا برأي شرعي ولم يرووا دليله اعتبر قولهم هذا كاشفا ان هذا القول قد قاله الرسول ، اوعمله ، اوسكت عنه ، فرووا الحكم ولم يرووا الدليل لشهرته لديهم . ولذلك كان معنى كون الاجماع عندهم حجة انه يكشف عن دليل . ولذلك لايعتبر اجماعهم وتذاكرهم في امر ثم اعطاء رأيهم اجماعا ، بل الاجماع هو ان يقولوا الرأي دون توافق عليه . ومن هنا جاء ايضا اختلاف الآراء في الادلة .

فهذه الامور الاربعة باعدت شقة الخلاف بين المجتهدين ،فلم تعد اختلافا في فهم النص ، كما كانت الحال في عصر الصحابة والتابعين ، بل وتجاوزت ذلك الى الاختلاف في طريقة الفهم . وبعبارة اخرى لم يعد اختلافا في الاحكام ، وانما تجاوز ذلك وصار اختلافا في طريقة استنباط الاحكام . ولذلك نجد بعض المجتهدين يرى ان الادلة الشرعية هي الكتاب والسنة وقول الامام علي بن ابي طالب واجماع آل البيت والعقل . وبعضهم يرى ان الادلة الشرعية هي الكتاب والسنة والاجماع والقياس والاستحسان ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا . وبعضهم يرى ان الادلة الشرعية هي الكتاب والسنة والاجماع والقياس والاستدلال . ومنهم من يرى ان الادلة هي الكتاب والسنة والاجماع .ومنهم من يرى ان الادلة هي الكتاب والسنة والاجماع والقياس والمصالح المرسلة الخ ... ولذلك اختلفوا في الادلة الشرعية ، فادى ذلك الى اختلاف طريقة الاجتهاد .