عرض مشاركة مفردة
  #17  
قديم 23-07-2005, 10:47 AM
Ali4 Ali4 غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: الوطن العربي - ومن القطر الفلسطيني تحديدا !
المشاركات: 2,299
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى Ali4
إفتراضي

أيها المواطنون:

نعم ما أحقنا بأن نحتفل بعيد صنعه كل فرد فينا؛ صنعه الفلاح والعامل بعملهما الطويل فى الحقل والمصنع دون جزاء عادل أو ثواب، وصنعه الطلاب والشباب الذين استشهدوا فى ثوراتنا فى القرن التاسع عشر، وفى ثورة ١٩، وفى ثورة ٣٥، صنعه أبطالنا المغاوير الذين بذلوا المهج والأرواح فى فلسطين، صنعه إخواننا السودانيون الذين ماتوا ميتة الشرف والفخار سنة ٢٤.

إذ لولا هذه التضحيات، ولولا تعاون الأجيال جيلاً بعد جيل لما كان الفجر الذى طلع علينا بنوره فى٢٣ يوليو. نعم ما أحقنا بأن نحتفل بعيد ٢٣ يوليو ونحن الذين فرض علينا الطغاة والمستبدون أعياداً لا تمت إلينا، ولا تحرك عاطفة فى وجداننا؛ لأنها أعياد انتصارهم علينا وإذلالهم لنا واسترقاقهم لفلاحينا وعمالنا؛ ولذلك كانت هذه الأعياد حزينة كئيبة، حتى أصبح العيد عندنا عنواناً على الألم، ومثاراً للحزن. أما اليوم فالعيد هو مصدر لسعادتنا نتبادل فيه التهانى والتحايا، ونشعر فى ظله بشعور الأخوة القوية والوحدة الوطنية، ويقول كل منا لأخيه: أخى لنجعل حياتنا أعياداً، ولنقف متراصين؛ حتى لا يغلبنا الماضى فيسترد ما أخذناه، ويستعيد ما كسبناه.

أيها المواطنون:

لقد نسى بعضنا الماضى، ونسى ما كنا نكابده منه، وهذا النسيان أخطر علينا من أعدائنا؛ فإن أعدائنا نعرفهم ومظهرهم وحده يحفزنا إلى دوام اليقظة، أما النسيان فيسلمنا إلى الاسترخاء والاستسلام؛ لذلك يجب أن تذكروا صوراً من الماضى الرهيب لتمدكم بإيمان جديد بالثورة يزيد الثورة تمكيناً وقوة، يجب أن تذكروا أن ألفين من الملاك كانوا يملكون من الأرض الزراعية أكثر من مليون و٢٠٠ ألف فدان، بينما يملك ٧٢% من الملاك الزراعيين مالا يزيد عن ١٣% من الأراضى الزراعية؛ أعنى أن ألفين من الملاك يملك كل واحد منهم فى المتوسط نحو ١٠٠٠ فدان وثلاثة ملايين من الفلاحين لا يبلغ ما يملكه الواحد منهم فداناً واحداً، وليس لهذا إلا نتيجة واحدة هى أن صغار الملاك يعيش كل منهم على دخل ربع فدان واحد. ويكمل هذه الحقائق المروعة أننا نزيد فى العام الواحد بمقدار ثلث مليون؛ أى أننا نزيد فى كل ثلاثة أعوام مليوناً، بينما أن الأرض الزراعية التى نعيش عليها ونأكل من محاصيلها لا تزيد بل تنقص.

كانت - أيها المواطنون - هذه الحقائق لدولة تفكر وتعى وتشعر أشبه شىء بقنبلة زمنية لابد أن تنفجر فى وقت ما؛ لأن عقارب الساعة فيها تسير نحو لحظة الهلاك سيراً منتظماً. ولكن الدولة كانت تنظر بملء الارتياح والسرور إلى ملايين جديدة من الفقراء تدخل إلى جحيم الحياة فى مصر ليكون حظها المرض والعمى، ولتضاف إلى جيش المتسولين والعجزة الذين يحملون معهم جراثيم السخط والانهيار. كانت الدولة مشغولة عن تدبير مستقبل هذه الملايين الجديدة بإرضاء مليك البلاد وسيد العباد وسبط رسول الله فاروق الأول، كانت الأحزاب والزعماء وكانت الأقلام والألسنة مشغولة بالتسبيح بحمده ورفع آيات الولاء والعبودية لسيادته، وكانت ميزانية الدولة صدى لشهوات هؤلاء الحكام لا تمثل حاجياتها لهذه الملايين من الفقراء والمتسولين، ولا تعرف شيئاً عن مرضهم، ولا عن جهلهم، ولا عن الجحيم الذين يتقلبون بين نيرانه. (هتاف).

إخوانى:

لقد قلت لكم إننا لا نريد هتافاً ولا تهليلاً، ولكن نريد أن تفهموا.. لا نريد هتافاً.. طالما هتفتم طويلاً.. لا نريد هتافاً ولا تهليلاً.

أيها المواطنون:

كانت ميزانية الدولة تنفق على يخوت الملك وقصوره، وعلى الشوارع التى تتشرف بسيره فيها أو بسير حاشيته وبطانته والسادة الذين كانوا يأكلون فتات موائده من الزعماء والوزراء، ولكن حكمة الله قد قضت بأن يهدد فقر الفقراء أمن الأغنياء فيسلبهم الطمأنينة ويحرمهم الراحة؛ ولذلك كان لابد للدولة التى انقلب الحال فيها، وساء توزيع الثروة بين أبنائها - كمصر قبل يوليو٥٢ - أن توزع على المحرومين والمطرودين من رحمة المجتمع مخدرات تسكن آلامهم. وقد سار العهد المنقرض على هذه السياسة؛ فخلق رواجاً مصطنعاً بالعبث فى سوق القطن، وقد نجم عن ذلك ما تعرفونه، وما كشفت عنه القضايا التى نظرتها محكمة الثورة، والغدر من ارتفاع سعر الأقطان المتوسطة التيلة على سعر الأقطان الطويلة التيلة، وأسفرت هذه العملية الخاسرة غير المشروعة عن إفلاس الخزانة العامة، وتهديد البلاد بالخراب الشامل.

أيها المواطنون:

لا تظنوا أننا نرسم لكم صورة من خيالنا فإن الأرقام وحدها هى التى ترسم هذه الصورة، وليس أصدق من الأرقام ولا أكثر نزاهة، ولقد ورثت حكومة الثورة ميزانية بلغ العجز فيها ٥٥ مليوناً. وقد كنا إزاء هذا العجز بين أمرين أحلاهما مر؛ كنا بين أن ندع هذا العجز يتفاقم ويشتد، فى مقابل أن نعطى الناس بعض ما يلزمهم من الخدمات العاجلة؛ مثل المستشفيات والمدارس والطرق، وبين أن نقتصد قليلاً ونتقشف لندرأ عن بلادنا الخراب الشامل، ولنرد ماليتنا إلى النقاهة، ولنضع أساساً جديداً لسياسة مالية إنتاجية تخلق لنا موارد جديدة. ولقد دعوناكم إذ ذاك إلى الاحتمال والصبر، وإلى الاقتصاد والتقشف، وزدنا - مضطرين كارهين - أسعار بعض الحاجيات، وأنقصنا علاوات الموظفين فترة قصيرة. ويعلم الله أننا فى ذلك الحين كنا أشبه شيئاً بالوالد الذى يجرع ابنه الحبيب الدواء وهو يتألم، ولكنه يعلم أن فى هذا ما ينقذ حياة وليده.

ولقد وعد الله الصابرين بالفرج، ولقد واتانا الفرج حقاً، وواتانا بأسرع مما كنا نرجو، فلقد وازنا الميزانية فى سنة ٥٣، فما جاءت سنة ٥٤ حتى وضعنا ميزانية تهدف إلى الإنعاش، وتتسم بطابع التقدم، وتوازن بين الخدمات وبين الإنتاج.. الخدمات التى تخفف متاعب الحياة وتزيدها راحة، والإنتاج الذى يزيد من مواردنا ويجعلنا أقدر على منح نصيب أكبر من تلك الخدمات للشعب.

ولقد كان إلى جانب عجز الميزانية البالغ قدره ٥٥ مليوناً عجز فى الميزان التجارى بلغ فى سنة ٥٢ (٨١) مليوناً، فمازالت حكومة الثورة تعالجه حتى هبط فى نهاية ٥٣ إلى ٣٨ مليوناً، ثم أسفر فى الأربعة الأشهر الأولى من عام ٥٤ عن فائض؛ أى زيادة قدرها ١٤ مليوناً. (هتاف).

وكان العجز فى ميزان المدفوعات عام ٥٢ (٥٥) مليوناً من الجنيهات أيضاً فهبط فى نهاية ٥٣ إلى ٨ مليون جنيه، وينتظر أن يتوازن فى سنة ٥٤. وكان مجموع أرصدة العملات الأجنبية الحرة مقومة بالجنيه المصرى عام ٥٢ (٤٤) مليوناً فأصبح فى يوليه ٥٤ (٥٥) مليوناً من الجنيهات، منها ٣٥ مليون بالجنيه الإسترلينى.

أيها المواطنون:

لم يكن الخراب الذى هيأتنا له سياسة الأحزاب والزعماء الذين كانوا يعملون فى خدمة الملك قاصراً على إفلاس الخزانة، وخلو أيدينا من العملات الصعبة، والعبث بأقطاننا عبثاً صرف عملاءنا عنا، بل ارتفعت الأسعار فى الحرب العالمية الثانية بسبب المغالاة فى إصدار ورق نقد من غير عرض متناسب من السلع والخدمات، فبعد أن كانت الأرقام القياسية لأسعار الجملة سنة ٣٨ (٩٩) أصبحت فى ٤٤ (٣٠٠)، كما وثبت أسعار التجزئة من ١١٣ إلى ٣٠٦.

ولكن الحرب وضعت أوزارها منذ عشر سنوات، وكان المفروض أن تعمل الحكومات المتوالية على خفض أسعار المعيشة، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث. أما حكومة الثورة فقد عملت من جانبها - على الرغم من شدة الظروف التى تعمل فيها - على ذلك الخفض، فانخفض الرقم القياسى لنفقات المعيشة من ٣٢٢ فى سنة ٥٢ إلى ٢٩٥ فى سنة ٥٣، ثم إلى ٢٨٠ سنة ٥٤، كما انخفض الرقم القياسى لأسعار الجملة من ٣٧٢ فى سنة ٥٢ إلى ٣٥٩ سنة ٥٣ و٣٤١ سنة ٥٤. ولن تهدأ حرب الحكومة على الغلاء مستعينة فى ذلك بنضج الشعب وحسن إدراكه، وبروح التعاون مع الحكومة التى ترتبط به وتعتمد عليه، والتى تريد له حياة طابعها الرخاء والسعة. (هتاف).

أيها المواطنون:

لقد ورثنا إلى جانب هذه التركة المثقلة - وأعنى بها الخزانة المفلسة، والميزانية غير المتوازنة - أداة للحكم أشبه ما تكون بالآلة القديمة التى أكل الدهر عليها وشرب، والتى لم تجد من يصلحها أو يرمم قصورها. والحق أن الرشوة، والمحسوبية، والصراع الحزبى، والأغراض الشخصية، وتسخير أداة الحكم فى قضاء أغراض الطبقة الحاكمة ومن يلوذ بها دون أفراد الشعب قد حطم الأداة الحكومية، وارتفع بتكاليف إدارتها إلى أبعد حد. ولذلك كان من واجب حكومة الثورة أن تنظر فى عيوب هذه الأداة لتصلحها، وتقيمها على قدميها، وتدفعها إلى الأمام، وتبث فيها حيوية، وتغير من الأساس الذى تقوم عليه ليشعر الشعب أن الحكومة فى خدمته، وأنها تلبى طلباته المشروعة فى نشاط وفى سرعة وبأقل عناء وبأقل جهد وبأقل مصروف.

ولقد كان من أولى الحقائق التى كشف عنها البحث أن الوزارات المختلفة لا تتعاون فى أداء الوظائف الملقاة عليها، بل إنها بعض الأحيان تعطل بعضها بعضاً، وتفسد إحداها عمل الأخرى، لا لأن روح التعاون مفقودة فقط، بل لأن التنسيق بين هذه الوزارات التى تهدف إلى غرض واحد معدوم. لقد كانت نقطة الابتداء فى هذا التمزيق أن توزع الوزارات إلى مجموعتين كبيرتين: إحداهما مجموعة وزارات الإنتاج، وثانيهما مجموعة وزارات الخدمات. وأولى المجموعتين هى التى تزيد موارد الدولة، وتقوم الثانية بتقديم خدمات صحية، أو تعليمية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو روحية. وقد أنشىء للمجموعة الأولى مجلس من وظائفه أن ينسق بين أعمال الوزارات، ويرسم سياسة الإنتاج الطويلة والقصيرة، هو المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى، وأنشىء للمجموعة الثانية مجلس، هو المجلس الأعلى للخدمات.

يتبع......