عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 27-07-2005, 03:38 AM
أبو عقبة أبو عقبة غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
الإقامة: على ربوع النيل
المشاركات: 28
إفتراضي

- حكاية الفأر
مع الحمامة


حَكَى أرِيبٌ عَاقِلُ
لِكُلِ فَضْلٍ نَاقِلُ

عَن سِرب طَيرٍ سَارِبِ
مِن الحَمَامِ الرَاعِبِ

بَكَرَ يَومَاً سَحَرَا
وَسَارَ حَتى أصحَرَا

فِي طَلَبِ المَعَاشِ
وَهو رَبِيطُ الجَاشِ

فأبْصَرُوا عَلى الثَرَى
حَبَاً مُنَقَىً نُثِّرَا

فأحْمَدُوا الصَبَاحا
وَاستَيقَنوا النَجَاحَا

فأسرَعُوا إليهِ
وَأقْبْلوا عَليهِ

حَتى إذا مَا اصْطَفُّوا
حِذَاءَهُ أسَفُّوا

فَصَاحَ مِنْهُم حَازِمُ
لِنُصحِهِم مُلازِمُ

مَهلاً فَكَم مِن عَجَلَه
أدْنَت لِحَييٍ أجَلَه

تَمَهلوا لا تَقَعُوا
وَأنصِتوا لِي واسْمَعوا

آلَيتُكُم بالرَبِ
مَا نَثرُ هَذا الحَبِ

فِي هَذهِ الفَلاةِ
إلا لِخَطبٍ عَاتِي

إنِّي أرَى حِبَالا
قَدْ ضُمِّنَت وَبَالا

وَهَذهِ الشِبَاكُ
فِي ضِمْنِهَا هَلاكُ

فَكَابِدُوا المَجَاعَة
وَانتَظِرونِي سَاعَة

حَتَى أرَى وأخْتَبِر
وَالفَوزُ حَظُ المُصطَبِر

فأعرَضُوا عَنْ قَولِه
وَاستَضْحَكُوا مِن حَولِه

قَالوا وقَد خَطا القَدَر
للسَمعِ مِنهُم والبَصَر

ليسَ عَلى الحَقِ مِرَا
حَبٌ مُعدٌ للقِرَى

أُلقِيَ فِي التُرَابِ
للأجرِ والثَوَابِ

مَا فيه مِن مَحذورِ
لِجَائِعٍ مَضْرُورِ

أُغدُوا عَلى الغَدَاءِ
فالجُوعُ شَرُ دَاءِ

فَسَقَطُوا جَمِيعَا
لِلقطِهِ سَرِيعَا

وَمَا دَرَوا أنْ الرَدَى
أكْمَنُ فِي ذَاكَ الغَدَا

فَوَقَعُوا فِي الشَبَكَة
وَأيقَنُوا بِالهَلَكَة

وَنَدِمُوا وَمَا النَدَم
مُجْدٍ وَقَد زَلَ القَدَم

فَأخَذُوا فِي الخَبطِ
لِحَل ذَاكَ الرَبطِ

فالتَوَتِ الشِبَاكُ
وَالتَقَتِ الأشْرَاكُ

فَقَالَ ذاكَ النَاصِح
مَا كُلُ سَعيٍ نَاجِح

هَذَا جَزَاءُ مَنْ عَصَى
نَصِيحَهُ وَانتَقَصَا

للحِرصِ طَعمٌ مُرُ
وَشَرّهُ شَمِرُ

وَكَم غَدَت أمْنِيَّه
جَالِبَةً مَنِيَّه

وَكَم شقاً في نِعم
وَنقمٍ في لُقَمِ

فَقَالَت الجَمَاعَة
دَعِ المَلام السَاعَة

إنْ أقبَلَ القَنَّاصُ
فَمَا لنا مَنَاصُ

وَالِفكرُ فِي الفَكَاكِ
مِن وَرطَةِ الهَلاكِ

أولَى مِن المَلامِ
وَكَثرةِ الكَلامِ

وَمَا يُفِيدُ اللاحِي
فِي القَدرِ المُتَاحِي

فاحْتَلْ عَلَى الخَلاصِ
كَحيلَةِ ابنِ العَاصِ

فقَالَ ذاكَ الحَازِم
طَوعَ النَصُوحِ لازِم

فَإنْ أطَعْتُم نُصحِي
ظَفِرتُمُ بِالنُجحِ

وإنْ عَصَيتُم أمْرِي
خَاطرتُمُ بِالعُمرِ

فقَالَ كُلٌ هَاتِ
فِكرَكَ بالنَجَاةِ

جَمِيعُنَا مُطِيع
وَكُلنَا سَمِيعُ

وَليسَ كُلُ وَقتِ
يَزُولُ عَقلُ الثَبتِ

فَقَالَ لا تُحَرِكُوا
فَتَستَمِر الشَبَكِ

وَاتفِقُوا فِي الهِمَّة
لِهَذِهِ المُلِمَة

حتى تَطِيرُوا بالشَبَك
وَتَأمَنُوا مِن الدَرَكْ

ثُمَ الخَلاصُ بَعدُ
لَكُم عَلي وَعدُ

فَقَبِلُوا مَقَالَه
وَامتَثَلوا مَا قَالَه

وَاجتَمَعُوا فِي الحَرَكَة
وَارتَفَعوا بالشَّبَكَة

فقَالَ سِيرُوا عَجِلا
سَيرَاً يَفُوتُ الأجَلا

وَلا تَمَلُّوا فالمَلل
يَعُوقُ فالخَطبُ جَلل

فَأمَّهُم وراحُوا
كَأنَّهُم رِياحُ

وَأقبلَ الحَبَّالُ
فِي مَشيهِ يَخْتَالُ

يَحسَبُ أنْ البَرَكَة
قَد وقَعَتْ فِي الشَّبَكَة

فأبْصَرَ الحَمامَا
قَدْ حَلَقَتْ أمَامَا

وقَلَّتِ الحَبَّالَه
وَأوقَعَت خَبَالَه

فَعَضّ غَيظَاً كَفَه
عَلى ذهابِ الكِفَّه

فَرَاحَ يَعدُو خَلفَهَا
يَرجُو اللحَاقَ سَفَهَا

حَتَى إذا مَا أيسَا
عَادَ وهو مُبتَئِسَا

وَأقبَلَ الحَمَامُ
كأنَّهُ غَمَامُ

عَلى فَلاةٍ قَفرِ
مِن الأنَامِ صِفرِ

فَقَالَت الحَمامَة
بُشرَاكُمُ السَلامَة

هَذا مَقَامُ الأمْنِ
مِن كُل خَوفٍ يعني

فإنْ أرَدْتُم فَقَعُوا
لا يَعتَرِيكُم فَزَعُ

فَهَذِه المَومَاةُ
لَنَا بِهَا النَّجَاةُ

ولِي بِهَا خَليلُ
إحسَانُهُ جَمِيلُ

يَنعَمُ بالفَكَاكِ
مِن رِبْقَةِ الشِبَاكِ

فَلَجَأوا إليهَا
وَوقعُوا عَلَيهَا

فَنَادْتِ الحَمَامَة
أقْبِل أبَا أُمَامَة

فَأقْبَلَتْ فُوَيرَة
كَأنَّهَا نُوَيرَة

تَقُولُ مَنْ يُنَادِي
أبِي بِهَذَا الوادي

قَالَ لَهَا المُطَوَّق
أنَا الخَليلُ الشَّيِق

قُولي لَهُ فَليَخْرُجِ
وَآذنِيهِ بالمَجِي

فرَجَعَتْ وأقْبَلا
فَأرٌ يَهُدُ الجَبَلا

فأبْصَرَ المُطَوَّقَا
فَضَمَّهُ وَاعْتنَقَا

وَقَالَ أهلاً بِالفَتَى
وَمَرحَباً بِمَنْ أتَى

قَدِمتَ خَيرَ مَقْدَمِ
عَلى الصَدِيقِ الأقْدَمِ

فادْخُل بِيُمنٍ دَاري
وَشَرِّفَن مِقْدَارِي

وَانزِل بِرَحب ودَعَه
وَجَفنَةٍ مُدَعْدَعَه

واِشفِ جوى القلوبِ
بوصلكَ المطلوبِ

فالشوقُ للتَلاقي
قد بَلَغ التَراقي

فَقَالَ كََيفَ أنعَمُ
أمْ كَيَفَ يَهْنَي المَطْعَمُ

وَهَل يطيبُ عيشُ
أَم هَل يقرُّ طيشُ

وَأُسْرَتي فِي الأَسرِ
يَشْكُونَ كُل عُسرِ

أَعناقُهم في غلِّ
وكلُّهم في ذلِّ

فَقَالَ مُرنِي أئتَمِر
عِدَاك نَحسٌ مُستَمِر

قَالَ أقرِضِ الحبَّاله
قرضاً بِلا مَلالَه

وخلِّص الأَصحابا
واِغتنم الثَوابا

وَحُلّ قَيد أسرِهِم
وَفُكَهُم مِن أسرِهِم

قَالَ أمَرتَ طائعاً
وَخَادِماً مُطاوِعا

فَقَرَضَ الشِبَاكَ
وَقَطَعَ الأشرَاكَا

وَخَلَصَ الحَمامَا
وَقَد رَأى الحِماما

فأعلَنوا بحمدِه
وَاعتَرَفوا بِمَجدِه

فَقَالَ قَرُّوا عَينَا
وَلا شَكَوتُم أينا

وَقَدَّمَ الحُبوبَا
للأكلِ وَالمَشرُوبَا

وَقَامَ بالضّيَافَة
بالبِشرِ واللطَافَة

أَضَافَهُم ثَلاثَاً
مِن بَعدِ مَا أغَاثَا

فَقَالَ ذَاكَ الخِلُ
الخَيرُ لا يُمَلُّ

فُقتَ أبَا أُمَامَة
جُوداً عَلى ابن مَامَة

وَجِئتَ بِالصدَاقَة
بِالصِدقِ فَوقَ الطَّاقَة

ألبَستَنَا نِطَاقَاً
وَ زِدتَنَا أطوَاقَا

مِن فِعلِكَ الجَميلِ
وَفَضلِكَ الجَزِيلِ

مِثلُكَ مَن يُدَّخرُ
لِرَيبِ دَهرٍ يُحذَرُ

وَتَرتَجِيهِ الصَّحبُ
إِنْ عَنَّ يَوماً خَطبُ

فإذَنْ بالانصِرَافِ
لَنَا بِلا تَجَافي

دَامَ لَكَ الإنعَامُ
مَا غَرَّدَ الحَمَامُ

وَدُمتَ مَشكورَ النِّعَم
مَا رَنَّ شَادٍ بِنَغَم

فَقَالَ ذَاكَ الفَارُ
جِفَا الصَديق عَارُ

وَلستُ أرضَىَ بُعدَكُم
لا ذُقتُ يَوماً فَقدَكُم

وَلا أَرَىَ خِلافَكُم
إنْ رُمتُم انصِرافَكُم

عَمَّتكُم السَلامَة
فِي الظَّعنِ وَالإقامَة

فَودَّعوا وانصَرَفوا
وَالدَّمعُ مِنهُم يَذرِفُ

فَاعْجب لِهَذَا المَثَلِ
المُغرِبِ المُؤثَّلِ

أورَدتُه لِيُحتَذَى
إذا عَرَى الخِلَّ أذَىَ
الرد مع إقتباس