بسم الله الرحمن الرحيم
*
1098 سئل فضيلة الشيخ: ما مقدار المسافة التي يقصر المسافر فيها الصلاة؟وهل يجوز الجمع دون قصر؟
فأجاب فضيلته بقوله:المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو متراً,وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف,أنه سفر وإن لم يبلغ ثمانين كيلو متراً,وما قال الناس عنه:إنه ليس بسفر,فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر.
وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة معينة.وقال أنس بن مالك – رضي الله عنه - (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة وصلى ركعتين) . وقول شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى – أقرب إلى الصواب.
ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد؛لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين,فليس عليهم به بأس إن شاء الله تعالى,أما مادام الأمر منضبطاً فالرجوع إلى العرف هو الصواب.وأما هل يجوز الجمع إذا جاز القصر فنقول:الجمع ليس مرتبطاً بالقصر,الجمع مرتبط بالحاجة؛فمتى احتاج الإنسان للجمع في حضر في أو سفر فليجمع؛ولهذا يجمع الناس إذا حصل مطر يشق على الناس من أجله الرجوع إلى المساجد,ويجمع الناس إذا كان هناك ريح باردة شديدة أيام الشتاء يشق على الناس الخروج إلى المساجد من أجلها,ويجمع إذا كان يخشى فوات ماله أو ضرراً فيه, أو ما أشبه ذلك يجمع الإنسان.وفي الصحيح مسلم عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر,وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر) .
فقالوا:ما أراد؟قال:أراد أن لا يحرج أمته؛أي:لا يلحقها حرج في ترك الجمع.وهذا هو الضابط كلما حصل للإنسان حرج في ترك الجمع جاز له الجمع,وإذا لم يكن عليه حرج فلا يجمع,لكن السفر مظنة الحرج بترك الجمع,وعلى هذا يجوز للمسافر أن يجمع أن جاداً في السفر أو مقيماً؛إلا أنه إن كان جاداً ا في السفر فالجمع أفضل, وإن كان مقيماً فترك الجمع أفضل.ويستثنى من ذلك ما إذا كان الإنسان مقيماً في بلد تقام فيه الجماعة فإن الواجب عليه حضور الجماعة,وحينئذ لا يجمع ولا يقصر,لكن لو فاتته الجماعة فإنه يقصر بدون جمع؛ إلا إذا احتاج إلى الجمع.
1100 سئل فضيلة الشيخ: إذا كنت على سفر فأدركت الإمام في الركعة الثالثة وصليت معه ركعتين فهل إذا سلم الإمام أسلم لأنني قاصرٌ للصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله:إذا كان الإنسان مسافراً وأدرك الإمام من أول الصلاة وجب عليه أن تتم مع الإمام,وكذلك إذا أدرك الإمام في أثناء الصلاة وجب عليه أن يقضي ما فاته مع الإمام,فإذا جاء ودخل مع الإمام في الركعة الثالثة من الرباعية وجب عليه أن يصلي مع الإمام ركعتين,وإذا سلم الإمام أتم صلاته بركعتين أيضاً,وذلك لقول النبي صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به).ولقوله صلي الله عليه وسلم (ما أدركتم فصلوا,وما فاتكم فأتموا) فقوله صلي الله عليه وسلم (ما فاتكم فأتموا)عام للمسافرين وغير مسافرين وكذلك جاء ابن عباس – رضي الله عنهما – أن هذا هو السنة.
* * *
1101 سئل فضيلة الشيخ: إذا كنت مسافرا إلى مكة ثم وقفت بمدينة من المدن وقد أذن العصر ثم دخلت إلى المسجد فوجدت الإمام الراتب قد صلي ركعتين أثنين فدخلت معه وصليت الركعتين الباقيتين معه فهل أسلم معه على اعتبار أنني مسافر وللمسافر قصر الرباعية أو آتي بركعتين أخريين لأتم أربعاً على اعتبار قولهم(وإن ائتم بمن يلزمه الإتمام به أتم )؟
فأجاب فضيلته بقوله:قال أصحابنا (وإن ائتم بمن يتم أتم) وعلى هذا فمتى ائتم المسافر بإمام مقيم لزمه إتمام الصلاة,سواء أكان مسبوقاً أم غير مسبوق,ولا فرق في ذلك بين الظهر,والعصر والعشاء,ونحن نرى هذا القول حقاً بدليل عموم النبي صلي الله عليه وسلم (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا).ولأن المأموم صلاته مرتبطة بصلاة إمامه ومأمور بالاقتداء به وهذا منه.والله أعلم.
* *
1102 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للمقيم أن يصلي خلف المسافر وهو يقصر ثم يتم بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله:نعم يجوز للمسافر أن يكون إماماً للمقيمين,وإذا سلم يقوم المقيمون فيتمون الصلاة بعده,ولكن ينبغي للمسافر الذي أم المقيمين أن يخبرهم قبل أن يصلي فيقول لهم إنا مسافرون فإذا سلمنا فأتموا صلاتكم؛لأن النبي صلى بمكة عام الفتح وقال (أتموا يأهل مكة فإنا قوم سفر). فكان يصلي بهم ركعتين وهم يتمون بعده.
* * *
1103 سئل فضيلة الشيخ:كنت مسافراً ودخلت مسجداً على الطريق وكان الوقت عصراً فصليت وحدي خلف الصفوف وقصرت الصلاة,فهل تصح صلاتي أم أن الواجب علي الدخول مع الإمام حتى إذا قام من التشهد الأول جلست وسلمت من الصلاة؟أفيدوني جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله:إذا دخل المسجد ووجد الناس يصلون فإن الواجب عليه أن يصلي معهم إذا كان لم يؤد تلك الفريضة,وإذا كان مسافراً والإمام متم فإن الواجب عليه أن يتم الصلاة سواء أدركها من أولها في أثنائها لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (ما أدركتم فصلوا,وما فاتكم فأتموا).
ولأن ابن عباس – رضي الله عنهما – سئل:عن الرجل المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين,وإذا صلى مع الإمام صلى أربعاً؟فقال – رضي الله عنه - صلي الله عليه وسلم (تلك هي السنة).نعم لو دخل ووجد الناس في التشهد الأخير فإنه في هذه الحال لا يلزمه الدخول معهم؛لأن الصلاة قد فاتته لقول النبي صلي الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة).وهذا لم يدرك ركعة فتكون الصلاة فاتته.
* * *
1104 سئل فضيلة الشيخ: عن المسافر إذا صلى خلف الإمام المقيم هل يلزمه الإتمام أو يجوز أن يقصروا الصلاة على ركعتين؟
فأجاب فضيلته بقوله:يجب على المسافر إذا صلى مع الإمام المقيم أن يتم صلاته سواء أدرك الإمام في أول الصلاة,أو أدرك الركعتين الأخيرتين فقط؛وذلك لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به).وقوله صلي الله عليه وسلم (ما أدركتم فصلوا,وما فاتكم فأتموا).ولأن ابن عباس سئل((عن الرجل المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين,وإذا صلى مع الإمام,يصلي أربعاً؟فقال :تلك هي السنة).وقول الصحابي عن أمر من الأمور:إنه من السنة,أو هذا هو السنة له حكم الرفع.فيجب على المسافر إذا صلى مع إمام مقيم أن يتم أربعاً سواء دخل مع الإمام في أول الصلاة,أم في الركعة الثالثة,أم في الرابعة,وأما بالعكس لو صلى المقيم خلف مسافر فإنه يجب عليه أن يتم أربعاً بعد سلام الإمام المسافر,فإذا صلى الإمام ركعتين وأنت مقيم فإذا سلم فأتم ما عليك؛لقول النبي صلي الله عليه وسلم لأهل مكة عام الفتح(أتموا فإنا قوم سفر).أي مسافرون.
1105 سئل فضيلة الشيخ: مسافر أخر صلاة المغرب ليجمعها مع صلاة العشاء وأدرك الناس في المدينة يصلون العشاء فكيف يصنع؟أفتونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله:ينضم معهم صلاة المغرب,وفي هذه الحال إن كان قد دخل مع الإمام في الركعة الثانية فالأمر ظاهر ويسلم مع الإمام؛لأنه يكون صلى ثلاثاً, و إن دخل في الثالثة أتى بعده بركعة,أما إن دخل في الركعة الأولى من صلاة العشاء وهو يصلي بنية المغرب فإن الإمام إذا قام إلى الرابعة يجلس هو يتشهد ويسلم,ثم يدخل مع الإمام في بقية صلاة العشاء حتى يدرك الجماعتين في الصلاتين,وهذا الانفصال جائز لأنه لعذر,والانفصال لعذر جائز كما ذكر ذلك أهل العلم,ومن الانفصال لعذر ما لو طرأ على الإنسان في أثناء الصلاة طارئ يستلزم السرعة في الصلاة فإن له أن ينفرد عن الإمام ويكمل صلاته خفيفة ثم يذهب لهذا الطارئ مثل لو حصل له آلام في بطنه,أو اضطرار إلى التبول,أو تغوط,أو حصل في معدته روجان يخشى أن يقئ في صلاته وما أشبه ذلك.
والمهم أن الانفراد لعذر عن الإمام جائز وهذا انفراد لعذر,ولا حرج عليه أن يدخل معهم بنية صلاة العشاء ثم بعد ذلك يأتي بالمغرب؛لأن من أهل العلم من يقول إن الترتيب يسقط بخوف فوت الجماعة,ولكن الوجه الأول عندي أولى.
فصل
بسم الله الرحمن الرحيم قال فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين - :
بيان السفر الذي تقصر فيه الصلاة في ثلاثة فصول:
الفصل الأول:السفر الذي تقصر فيه.
الفصل الثاني:مدته.
الفصل الثالث:متى ينقطع؟
أما الفصل الأول:
فقال في فتح الباري ص 561 ج2 ((قال النووي:ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح,وذهب بعض السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد,وبعضهم كونه طاعة أو معصية).ا.هـ .
قلت:واختاره تقي الدين ابن تيميه ,ونقله عن ابن حزم ورجحه بأدلة قوية مع الإجابة عن حجج الآخرين ص 60 من رسالته في أحكام السفر والإقامة.
وأما الفصل الثاني:
فقال في شرح المهذب ص 191 ج 4 – ما ملخصه - :مذهبنا أنه مرحلتان وبه قال مالك وأحمد,وقال أبو حنيفة:ثلاثة أيام,وقال الأوزاعي وآخرون يوم تام,وقال داود في طويل السفر وقصيره. قلت:واختاره الشيخ تقي الدين وجعل مناط الحكم يسمى سفراً وعرفاً,وقال في رسالة أحكام السفر والإقامة ص 80:فالتحديد بالمسافة لا أصل له في شرع,ولا لغة,ولا عرف ولا عقل,ولا يعرف الناس مساحة الأرض فلا يجعل ما يحتاج إليه عموم المسلمين معلقاً بشيء لا يعرفونه,ولم يسمح أحد الأرض على عهد النبي صلي الله عليه وسلم, ولا قدر النبي صلي الله عليه وسلم الأرض لا بأميال, ولا فراسخ,والرجل قد يخرج من القرية إلى الصحراء لحطب يأتي به فيغيب اليومين والثلاثة فيكون مسافراً وإن كانت المسافة أقل من ميل بخلاف من يذهب ويرجع من يومه فإنه لا يكون في ذلك مسافراً,فإن الأول يأخذ الزاد والمزاد,بخلاف الثاني فالمسافة القريبة في المدة الطويلة تكون سفراً ,والمسافة البعيدة في المدة القليلة لا تكون سفراً. أ هـ .وفي المغني ص 255 – 258 ج2 – حين ذكر اختلاف العلماء في ذلك – قال:ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة,ولا حجة فيها مع الاختلاف,- ثم قال -:وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين:
أحدهما:أنه مخالف لسنة النبي صلي الله عليه وسلم التي ذكرناها ولظاهر القرآن.
الثاني:أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد لا سيما وليس له أصل يرد إليه,ولا نظير يقاس عليه,والحجة مع من أباح القصر لك مسافر أن ينعقد الإجماع على خلافه.ا.هـ .
أما الفصل الثالث:فقال في شرح المهذب ص 219- 220 ج4:مذهبنا أن نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج القطع,وإن نوى دون ذلك لم ينقطع,وهو مذهب مالك,وقال أبو حنيفة:إن نوى خمسة عشر يوماً مع يوم الدخول,وقال الأوزاعي:إن نوى اثني عشر يوماً,وقال أحمد:إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام,وعنه تزيد على إحدى وعشرين صلاة,وعن ابن المسيب:إن أقام ثلاثاً,وقال الحسن:بن راهويه:يقصر أبداً حتى يدخل وطنه أو بلداً له فيه أهل أو مال .ا.هـ .فهذه اثنا عشر قولاً,قال شيخ الإسلام ابن تيميه في رسالته الآنفة الذكر ص 82: فمن جعل للمقام حداً من الأيام فإنه قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع,وهي تقديرات متقابلة تتضمن تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام:كمسافر,ومقيم مستوطن,ومقيم غير مستوطن,وتقسيم المقيم إلى مستوطن وغيره لا دليل عليه من جهة الشرع.قال:والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس أمراً معلوماً لا بشرع,ولا لغة,ولا عرف.قال ص 84:والقول بأن من قدم المصر فقد خرج عن حد السفر ممنوع مخالف للنص والإجماع والعرف.