وبعد ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- كثرت المؤلفات في علم القراءت فمن أهم المؤلفات
في علم القراءت كما ذكرنا كتاب ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- السبعة وهو متوفي عام
أربعة وعشرين بعد الثلاثمائة ثم كتاب التذكرة لابن غلابون المتوفي عام تسعة وتسعين
بعد الثلاثمائة ثم المبسوط في القراءات العشر ثم الكشف عن وجوه القراءات العشر
السبع عن وجوه القراءات السبع لمكي ابن أبي طالب القيسي المتوفي عام سبعة وثلاثين
بعد الأربعمائة ثم جاء أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى المتوفي عام أربعة وأربعين
بعد الأربعمائة هجرية وألف كتابه المشهور في هذا الباب واسمه التيسير في القراءات
السبع، ثم جاء من بعد الداني الشاطبي رحمه الله تعالى المتوفى عام سبعين بعد الخمس
مائة وألف منظومته العجيبة في هذا الباب والتي يضرب بها المثل في الدقة والإتقان
والضبط وأصبحت مرجع القراء بعد الشاطبي فمن أراد أن يتقن القراءات السبع فلا بد له
من حفظ متن الشاطبية، وألف هذه المنطومة وسماها حرز الأماني ووجه التهاني المعروفة
بالشاطبية ثم جاء بعدهم خاتمة المحققين والقراء ابن الجزري -رحمه الله تعالى- فألف
كتابه المسمى النشر في القراءات العشر فزاد على ما ذكروه السابقين بأن ضمن كتابه
القراءات العشر ثم ألف بعد ذلك منظومته المشهورة وهي طيبة النشر في القراءات العشر،
وهي منظومة في القراءات العشر كلها، وابن الجزري توفي عام ثلاثة وثلاثين بعد
الثمانمائة.
يقول: هل تصح صلاة من يجعل العين ألفا كأن يقول أنأمت أليهم؟
لا تصح الصلاة إذا بدل الإنسان حرفا بحرف وكان قادرا على أن ينطق بالحرف بصورته
الصحيحة فلا يجوز إبدال العين همزة ولا الضاد مثلا زايا بأن يقول مثلا ولا الظالين
مثلا ولا الذال زايا يقول صراط اللزين هذا كله لا يجوز مع القدرة أما من لا يقدر
أبدا فإن الله ل يكلف نفسا إلا وسعها لكن يقال له اجتهد في أن تعدل لسانك وتنطق
بالحرف كما أنزل.
هل علم التجويد من فروض الكفاية أم عيني؟
الحديث في علم التجويد هل هو فرض عين أو فرض كفاية الحقيقة محل خلاف طول بين أهل
العلم لكن نقول ينبغي للإنسان أولا أن يقرأ القرآن عربيا صحيحا كما أنزل هذا أوجب
شيء في الأمر فإذا قرأه عربيا صحيحا كما أنزل بأن أخذ الحروف من مخارجها ولم يلحن
في ضبط القرآن وإعرابه فإنه قد أدى القرآن بهذه الطريقة أداءا صحيحا معتبرا فإن زاد
على ذلك بأن أداه بالطريقة المروية بأن أعطى القرآن أو الحروف حقها ومستحقها وجاء
بالغنن والمدود وغير ذلك فلا شك أنه أتى بالقراءة الصحيحة لكن هل هذا واجب أو مسنون
خلاف كبير بين أهل العلم ليس هذا محل بيانه.
تسأل عن عبيد ابن الصباح تقول: ذكرها بتخفيفب الباء وهي تقرأها بالتشديد صحيح
كلامها صحيح أنا قلت الصبَاح وهي الصبَّاح.
يقول هل للقاريء أن يلتزم بقراءة واحدة في الصلاة أو في غيرها أم يمكن له تنويع
القراءات؟
تنويع القراءات لا بأس به ويسمى هذا عند العلماء تلفيق القراءات فلو قرأ مثلا في
صلاة بقراءة وفي صلاة أخرى بقراءة فهذا جائز بالإجماع لكن إذا قرأ آية بعد آية آية
بقراءة وآية بقراءة أخرى فمن العلماء من يمنعه والصحيح جوازه بشرط ألا تترتب إحدى
القراءتين على الأخرى مثال ذلك ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ
﴾[البقرة: 37]، تقرأ ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ﴾ وتقرأ ﴿
فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٌ ﴾ فلو جاء إنسان وقال ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ
مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٌ ﴾ هذا لا يحل لأن إحدى القراءتين ترتب على الأخرى أما إن
لفق القراءات بحيث لم يخل بهذا الأمر فلا شيء فيه على الصحيح كما يقول ذلك جماعة من
المحققين من أهل القراءة وغيرهم قد قرره ابن الجزري -رحمه الله تعالى- في كتابه
النشر.
في حالة دخول مأموم المسجد ووجد إمام يصلى بالناس ولكن لا يقيم القراءة فهل يصلى
خلفه أم يصلى منفردا ؟
إذا كان هذ الذي لا يقيم القراءة في الفاتحة فإنه لا تصح الصلاة خلفه أما إن كان في
غير الفاتحة فالصلاة صحيحة مع كراهة أو يجب أن لا يؤم مثل هذا الناس، لكن قد يضطر
بعض الناس إلى إمامة مثل هذا لأنه لا يوجد أحسن منه فيقال إن هذا تجوز الصلاة خلفه
خصوصا في غير الفاتحة أما في الفاتحة فلا لأن الفاتحة ركن الصلاة الأعظم.
معنى كلمة الرواية والدراية يقول الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى- في كتابه عن
هذا الكلام فتح القدير هل هو يقصد معنى الذي بينتموه أم ماذا؟
يقول فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في التفسير الرواية يعني ما روي
عن السلف الصالح ولذلك هو في تفسير كل آية أو مقطع من القرآن الكريم يأتي بالمرويات
في آخر الآية عن ابن عباس وابن مسعود وغيره من الصحابة والتابعين ممن تروى عنهم
التفاسير والدراية يعني ما فسر أو ما يذكره تفسيرا بالاجتهاد ويذكر من ورائه
الأحكام المتعلقة بالآية والنسخ والناسخ والمنسوخ والاستنباط من الآية وغير ذلك
فهذا يسمى دراية وذاك يسمى رواية.
ننتقل بعد هذا أيها الأحبة إلى أقسام القراءات:
القراءات تنقسم إلى عدد من الأقسام ولكن نكتفي منها بنوعين من الأقسام فنقول
القراءات تنقسم من حيث القبو والرد إلى قسمين القسم الأول القراءة المقبولة وهي كل
قراءة صح سندها ووافقت رسم أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا ووافقت أحد الأوجه
العربية فهذه قراءة يقال لها مقبولة ومن هذه القراءات المقبولة ما يكون متواترا
ومقبول عند الأمة وتصح الصلاة به ومنها ما يكون مشهورا صحيح الإسناد ولم يصل إلى حد
التواتر وقد اختلف أهل العلم هل يصلى به أو لا يصلى ومنها ما يكون صحيح الإسناد
لكنه آحادا لم يصل إلى حد الشهرة يعني روي بطريق الآحاد فأقول هذه شروط القراءة
المقبولة:
الشرط الأول: أن يصح سنده وهو الشرط الأعظم في شروط القراءة المقبولة لأنه إذا لم
يصح السند لن تصح القراءة بها ولن تعد قرآنا ولا يجوز أن يصلى بها أو تتلى على أنها
قرآنا مثل قراءة ﴿ مَلَكَ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ هذه قراءة لم تصح إسنادها ومثل قراءة ﴿
إِنَّمَا يَخْشَى اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾[فاطر: 28]القراء الصحيحة هي
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ العلماء هم الذين يخشون
الله سبحانه وتعالى ففي قراءة موضوعة ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللهُ مِنْ عِبَادِهِ
الْعُلَمَاءُ ﴾، فالله هو الذي يخشى، ولا شك أن هذه لا تحل القراءة بها.
قال: ووافقت رسم أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا لابد أيضا لتصح القراءة وتكون
مقبولة أن توافق أحد المصاحف العثمانية ولو كانت هذه الموافقة احتمالا لأن الموافقة
نوعان موافقة صريحة بأن تطابق القراءة الكتابة وموافقة احتمالية والموافقة
الاحتمالية أن يكون اللفظ المكتوب في المصحف العثماني يحتمل أن يقرأ بهذ الصورة مثل
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ مكتوب في الرسم العثماني ميم لام كاف بدون ألف فهذا
موافق صراحة لقراءة ﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ وموافق احتمالا لقراءة ﴿ مَالِكِ
يَوْمِ الدِّينِ ﴾ لأنه يزاد ألف صغيرة بعد الميم فتكون ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
﴾ فهذا معنى قولنا ووافقت رسم أحد المصاحف العثمانية فإذا لم توافق الرسم فإنها لا
تقبل ولا تصح قراءتها ولا يجوز أن يقرأ بها في الصلاة وأن يتعبد الله سبحانه وتعالى
بها مثل قراءة ﴿ والذَّكَرَ وَالأُنْثَى ﴾[الليل: 3]، في سورة الليل ﴿ وَاللَّيْلِ
إِذَا يَغْشَى ﴿1 ﴾وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴿2 ﴾وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ
وَالأُنْثَى ﴾ يقرأها بعض الصحابة ﴿ والذَّكَرَ وَالأُنْثَى ﴾ فهذه قراءة لا توافق
الرسم العثماني المثبت عندنا فهي قراءة صحيحة الإسناد لكننا لا نقرأ بها لأنها لا
توافق الرسم العثماني.
والشرط الثالث: ووافقت أحد أوجه العربية ولو كان هذا سواء كان فصحيا أو أفصح مجمعا
عليه أو مختلفا فيه المهم أن توافق وجها في العربية، يقول ابن الجزري -رحمه الله
تعالى- وقد مضى مع هذه الشروط فكل ما وافق وجه نحو وكان للرسم احتمالا يحوي وصح
إسنادا هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان، أي هي أركان القراءة المقبولة ويندرج في
القراءة المقبولة القراءة المتواترة كما أسلفنا وهي ما رواها جمع يستحيل في العادة
عليهم التواطؤ على الكذب عن جمع إلى منتهى الإسناد وأسندوه إلى شيء محسوس ويدخل
فيها القراءة المشهورة وهي التي لم تبلغ حد التواتر لكن رواها جماعة من الناس
والأحادية أيضا الموافقة للعربية والتي صح إسنادها وليس فيها علة أو شذوذ وخالفت
الرسم فإن هذه القراءة تعتبر مقبولة.