عرض مشاركة مفردة
  #35  
قديم 24-08-2005, 04:03 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
إفتراضي وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء


وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء


الرد على هذه الشبهة :
أولا: في هذه الآية ، جملة محرفة مضافة ، وهي جملة " الذي هو في السماء " الأخيرة. وقد أقر بذلك شراح الأناجيل ، كما جاء ذلك في كتاب تفسير الكتاب المقدس حيث قال : " الذي هو في السماء: هذه العبارة لم ترد في أقدم المخطوطات ". ولذلك فإن الترجمة العربية الجديدة المنقحة للكتاب المقدس التي قامت بها الرهبانية اليسوعية ، حذفت هذه الجملة من ترجمتها وأوردت النص كما يلي : " فما من أحد يصعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء وهو ابن الإنسان ". ( راجع العهد الجديد للمطبعة الكاثوليكية )

ثانيا: لوأخذنا النزول من السماء على معناه الحرفي فليس فيه أي إثبات لإلـهية المسيح ، إذ أن نزول الشخص أو الكائن من السماء إلىالأرض لا يفيد إلـهيته لا من قريب ولا من بعيد، فكثير من الكائنات الملكوتية نزلت من السماء، كجبريل مثلا الذي كان ينزل من السماء إلى الأرض حاملا رسالات الله أو منفذا أمرا من أوامر الله عز وجل، كما أنه في كثير من الأحيان، هبطت بعض الملائكة إلى الأرض آخذة لباسا بشريا، كالملائكة الثلاثة، الذين جاؤوا لزيارة إبراهيم وبشارته ثم ذهبوا إلى لوط عليه السلام ليطمئنوه حول نزول العذاب على قومه الفاسقين.

فأقصى ما يفيده مثل هذا النص، لو أخذ على معناه الحرفي، هو أن المسيح كان مخلوقا بالروح قبل أن يلد كإنسان على الأرض، ثم لما جاء وقته نزل بأمر الله إلى الأرض وولد كسائر البشر بالجسد والروح. فأين في هذا أي دليل على ألوهيته؟!

ثالثا : والحقيقة أن هذا التعبير بنزول المسيح من السماء لا يقصد به معناه الحرفي بل هو ذو معنى مجازي، ولفهمه على وجهه الصحيح لا بدَّ أن نقرأ ذلك النص وتلك الآية ضمن سياقها ، فقصة هذا الكلام تبدأ من أول الإصحاح الثالث في إنجيل لوقا هكذا :

" كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس رئيسا لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه. أجاب يسوع وقال له: الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله. قال له نيقوديموس: كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يرى ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب أني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح . أجاب نيقوديموس وقال له: كيف يمكن أن يكون هذا ؟ أجاب يسوع وقال له: أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا ؟ الحق الحق أقول لك، إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون إن قلت لكم السمويات. وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " يوحنا : 3 / 1 ـ 13 .

قلت (والحديث لصاحبه): بتأمل هذا النص يتبين لنا أن المسيح يمثل للولادة الروحية الجديدة بالولادة من فوق أو الولادة من الروح ، وأن من لم يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله، فالولادة من فوق أو من الروح، تعبير مجازي عن الانقلاب الروحي الشامل للإنسان الذي يشرح الله تعالى فيه صدره ويفتح قلبه وبصيرته لنوره، فتتغير كل رغباته وهدفه في الحياة حيث يخرج عن عبادة ذاته وحرصه على الدنيا لتصبح إرادته مستسلمة وموافقة لإرادة الله ويصبح هدفه هو الله تعالى ورضوانه ومحبته وصحبته وجواره في دار السلام لا غير، فكأنه بهذا ولد من جديد، ومن هذا المنطلق يقول المسيح عن نفسه أنه نزل من السماء: أي أنه رسول الله ومبعوث السماء، اجتباه الله وقدسه وجعله سفيره إلى الخلق، فهذا معنى نزوله من السماء، بدليل مقارنته ومشابهته بين هذا النزول من السماء وبين الولادة من فوق التي يجب أن يحصل عليها كل إنسان لكي يرى ملكوت الله. ولو رجعنا لتفسير الكتاب المقدس لوجدناه يفسر العبارة بتفسير غير بعيد عما ذكرناه فيقول: " لم يصعد أحد إلى السماء، ومع ذلك فقد أراد الله أن يكون هناك نزول من السماء إلى الأرض قد أتى يسوع من السماء بمعرفة كاملة لله، ليعلن اللهَ للناس " .
__________________