[ إسلام عبد الله بن عمرو ]
قال ابن إسحاق : حدثني معبد بن كعب أن أخاه عبد الله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه قال كعب ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق . قال فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أو جابر سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، أخذناه معنا ، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ، ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة . قال فأسلم وشهد معنا العقبة ، وكان نقيبا .
قال فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا : نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي ، إحدى نساء بني سلمة وهي أم منيع
[ العباس يتوثق للنبي عليه الصلاة والسلام ]
قال فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه ( عمه ) العباس بن عبد المطلب ، وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له . فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب ، فقال يا معشر الخزرج - قال وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار : الخزرج ، خزرجها وأوسها - : إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه . فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده . قال فقلنا له قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت .
[ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على الأنصار ]
قال فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال نعم والذي بعثك بالحق ( نبيا ) لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا ( عن كابر ) قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيهان ، فقال يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم
قال ابن هشام : وقال الهدم الهدم : ( يعني الحرمة ) أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم ؟ .
قال كعب ( بن مالك ) : وقد ( كان ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا ، ليكونوا على قومهم بما فيهم . فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس .
[ كلمة العباس بن عبادة في الخزرج قبل المبايعة ]
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري ، أخو بني سالم بن عوف يا معشر الخزرج ، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا : نعم قال إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة قالوا : فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف . فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا ( بذلك ) قال الجنة . قالوا : ابسط يدك . فبسط يده فبايعوه
وأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال والله ما قال ذلك العباس إلا ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم . وأما عبد الله بن أبي بكر فقال ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي ابن سلول ، فيكون أقوى لأمر القوم . فالله أعلم أي ذلك كان .
[ نسب سلول ]
قال ابن هشام سلول امرأة من خزاعة ، وهي أم أبي بن مالك بن الحارث
[ تنفير الشيطان لمن بايع في العقبة الثانية ]
فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط : يا أهل الجباجب - والجباجب : المنازل - هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب - قال ابن هشام : ويقال ابن أزيب - أتسمع أي عدو الله أما والله لأفرغن لك
[ استعجال المبايعين للإذن بالحرب ]
قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفضوا إلى رحالكم .
قال فقال له العباس بن عبادة بن نضلة : والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نؤمر . بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم . قال فرجعنا إلى مضاجعنا ، فنمنا عليها حتى أصبحنا .
[ غدو قريش على الأنصار في شأن البيعة ]
( قال ) : فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش ، حتى جاءونا في منازلنا ، فقالوا : يا معشر الخزرج ، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا ، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم . قال فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه . قال وقد صدقوا ، لم يعلموه . قال وبعضنا ينظر إلى بعض . قال ثم قام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وعليه نعلان له جديدان قال فقلت له كلمة - كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا - : يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا ، مثل نعلي هذا الفتى من قريش ؟ قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما إلي وقال والله لتنتعلنهما . قال يقول أبو جابر مه أحفظت والله الفتى ، فاردد إليه نعليه . قال قلت : والله لا أردهما ، فأل والله صالح لئن صدق الفأل لأسلبنه .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر : أنهم أتوا عبد الله بن أبي ابن سلول فقالوا له مثل ما قال كعب من القول فقال لهم ( والله ) إن هذا الأمر جسيم ما كان قومي ليتفوتوا علي بمثل هذا ، وما علمته كان . قال فانصرفوا عنه .
[ خروج قريش في طلب الأنصار ]
قال ونفر الناس من كل منى ، فتنطس القوم الخبر ، فوجدوه قد كان وخرجوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ، وكلاهما كان نقيبا . فأما المنذر فأعجز القوم وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير .
|