
24-09-2005, 09:15 AM
|
مشرف
|
|
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
|
|
( 3 )
قدمنى أحدهم للحضور - أعتقد أنه كان دكتور الغمراوى . ثم جاء دورى فى الكلام . شاعرا بمدى صغرى ، قلت : "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" ، والإستجابة السريعة من الحضور أعطتنى بعض الشجاعة فى قلبى .
تكلمت لمدة خمس دقائق باللغة العربية ، معتذرا بأنى سأقوم بعد ذلك بالتكلم باللغة الإنجليزية ، شارحا السبب لماذا سأفعل ذلك ، مستشهدا بقصة قصيرة توضح السبب . هذه المقدمة لم تكن بالكثير ، ولكن الغرض منها أن أضم الجزء المعمم من الحضور . ثم بدأت الخطاب باللغة الإنجليزية وكان الدكتور الغمراوى بك يقوم بترجمة الفقرات واحدة تلو الأخرى . كنت أعنى أن أطلع الحضور على النشاطات التى تمت بالهند ، بحيدر آباد ، بخصوص ترجمة القرآن الكريم ، وكيف أن المسلمين الذين لا ينطقون اللغة العربية كانوا فى منتهى السعادة للفكرة ، وذكرت لهم أيضا تأسيس الجامعة العثمانية ، ووصفت لهم صلاة الجمعة بالمسجد الحرام بمكة ، وكيف أن سمو الأمير كان يحضر معنا كل جمعة بالمسجد ، "وبصوت مرتفع علق أحد الحضور قائلا : ياليت كل هذا النشاط حدث بمصر !!!" ... وحينما شعرت أنى قد قلت ما يكفى لبيان الموضوع ، وأنى لم آت من أرض جاهلية ، تكلمت معهم عن مستقبل الإسلام .
المسلمون فى يأس لأنهم مقهورون !!! هذا أمر طبيعى . ولكن هل هناك أى سبب لليأس ؟؟؟ أليس هناك نشابه بين موقفنا الآن وموقف رسول الله صلى الله عليه فى الحديبية ، حينما سأله المسلمون "أين هو النصر الذى وعدنا به ؟؟؟" ... حتى أن سيدنا عمر بن الخطاب علق على الموقف ، ولو أنه تاب بعد ذلك . وبالرغم من أن صلح الحديبية كان فى صورته مخز للمسلمين ، إلا أنه فى الحقيقة وبعلم الله كان فتحا مبينا أعز المسلمين ... (مداخلة : كان عدد المسلمين فى صلح الحديبية فى العام السادس من الهجرة ، أزيد بقليل من ألف مسلم ، وحين فتح مكة فى العام الثامن زاد عدد المسلمين بمن لحق بهم من القبائل عن اثنتى عشرة مسلم) ... وقد تم بعد ذلك غزو مكة وتحطيم الأصنام .
لقرون كثيرة ، نتيجة للحروب ، فهناك حاجز كثيف بين العالم الإسلام والعالم النصرانى ، ولقد تحطم هذا الحاجز الآن ، بالرغم من المرارة التى يشعر بها المسلمون . إنهيار هذا الحاجز ، هو نصر عظيم للإسلام ، ولكن هناك شرط ... وهو شرط قاسى ... وهو أن يظهر المسلمون جميعا قيم الإسلام فيهم ليكونوا قدوة لغيرهم . "أو هل تظنون" .. سألتهم !!! "أن الإسلام انتشر بالسيف ؟؟؟" ... حينما ترجم هذه الفقرة الدكتور الغمراوى ، ارتفعت الأصوات "لا لا لا ... الله لا يرضى بذلك" ... سألتهم "كيف لغير العرب من المسلمين أن يحترموا المسلمين العرب ، خصوصا مسلمى الهند ، كيف ننظر إليهم ... فكروا جيدا فى هذا السؤال !!!" ... وبذلك انتهت كلمتى ليعقب عليه الشيخ "رشيد رضا" ، وقد وافقنى فى كل ما قلته .
وحينما حضر "الشيخ رشيد رضا" فى زيارة للهند ، تزاحم الناس عليه يستقبلوا ذلم العربى القادم من بلاد النبى "يوسف عليه السلام" . وقد ردد كلمات الشيخ محمد عبده " بسلوكنا نحن المسلمين ، فنحن عقبة فى انتشار الإسلام فى الغرب . فهم يرون ديننا من خلال تصرفاتنا البائسة ، ويقيسون الإسلام عليها بالتالى " .
وقف بعد ذلك أحد رجال الأزهر ، وبعاطفة فياضة شكرنى باسم الأزهر الشريف على كل ماقلته . بعد هذا اللقاء ، لم يحدث أى اعتراض جماهيرى لترجمة القرآن الكريم .
انتقلت لهوليوبليس فى شهر رمضان لأكون قريبا حيث يقطن الدكتور الغمراو ، لنكمل المراجعة ، والحمد لله انتهت المراجعة فى هذا الشهر الفضيل .
حضر فؤاد بك للقاهرة من الإسكندرية ، فى أجازة العيد . وتحركنا نحن الثلاثة لحلوان لرؤية الشيخ مصطفى المراغى ، حيث لخص الدكتور الغمراوى لفضيلته ما أنجزناه من عمل . وكتب لى الشيخ المراغى ، كلمات معضدة ودافئة ، أعتز بها أيما أعتزاز ، فقد جاءت من رجل فاضل ، لا يكتب شيئا لا يؤمن به .
وفى لقاء سابق ، قرأ لى الشيخ المراغى ، ما يقول به بعض تلاميذ أبو حنيفة القريبين منه والذين يعتبرونه أستاذا لهم ، بأن ترجمة القرآن الكريم جائزة . وكان فضيلته حريصا على أن يبين لى موقعه العلمى ، وأنه ليس مجرد خصم للرأى الآخر دون تفكير . وفى هذه الزيارة الأخير ، شعرت أنه من واجبى أن أشرح له بأن ترجمتى للكتاب تنقصها شروط مما قال به الأحناف فى موضوع واحد : بأنى لن أظهر النص العربى بجوار الترجمة للغة الإنجليزية . سألنى لما لا ؟؟؟ شرحت له لم لا ، كرجل يعيش فى الغرب ، وأن ذلك لعدة أسباب ... أولا : هذا سيرفع من ثمن النسخة وربما أحجم البعض عن شرائها .. ثانيا : حينما يتصفح المشترى للترجمة الكتاب ويجد به نصا باللغة العربية سيحجم أيضا عن شرائه ، معتبرا أن الموضوع خارج إهتماماته ، خصوصا أن الإسلام فى العهود السابقة قد هوجم بعنف وشوهت معالمه ، خصوصا من أولئكم الذين ترجموا القرآن الكريم ونشروه بين غير المسلمين . حتى لو كانت ترجمة القرآن الكريم غير مشروعة ، ففى ظروفنا هذه يمكن إقرارها حسب نص الآية التالية :::
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ
الْمُتَّقِينَ {194}
بمعنى ، أن بعض المحرمات ، كالقتال فى الشهر الحرام ، يباح لظروف ، وهذه الظروف يقدرها العلماء الذين يمكنهم الإستنباط . ويظهر أنى كنت أتكلم بحرارة ، فقد توقفت قليلا لألتقط أنفاسى ، فقال لى فضيلة الشيخ المراغى : "إذاكنت مقتنعا بقوة بما تعمل فسر على بركة الله فى الطريق الواضح أمامك ، ولا تلفت لأى قول يصدر من أحدنا" . وبينما يردد كلماته نظر إلى مبتسما ، وكأن كلانا قد خرج من بوتقة واحدة ، من مدرسة رجال الإسلام فى العصور الماضية .
يتبع
|