عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 25-09-2005, 11:10 PM
أبو إيهاب أبو إيهاب غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
إفتراضي

( 4 )


وقبل يوم من رحيلى وزوجتى تاركين القاهرة ، أحد زعماء البدو ، وهو عضو بالبرلمان ، دعانا عن طريق فؤاد بك لمأدبة غداء ؛ وفى هذه المأدبة حضر شيخ الأزهر الحالى ، ويعتبر كبير العلماء بالأزهر ، وهو من المعارضين لترجمة القرآن الكريم - رجل مسن ، ووسيم جدا ويلبس زى رجال الأزهر بعمامة بيضاء . وقد جاء موقعى على المائدة على يمينه . فيما عدا حلمى باشا عيسى "وزيير سابق" ، فقد كان الحضور ممن أثبتوا ولاءهم للدين الإسلامى فى رأى العلماء ؛ كلهم كانوا مجاهدين بما فيهم فؤاد بك مع مصطفى كامل باشا بقناة السويس قبل أن يصبح وزيرا تركيا ببرن . وقد تعجب شييخ الأزهر من أن يرى رجلا انجليزيا فى هذا الجمع ، وحينما قلت له بأنى الرجل الذى ترجم القرآن الكريم للإنجليزية شعرت أنه صدم .
بعد الغداء ، مدح فؤاد بك فى ترجمتى للقرآن ، وأمن الحضور على أنها جديرة بالتقدير ، ظهرت علامات الإمتعاض أكثر على الشيخ ، إلى أن قال له فؤاد بك ، أن عنوان الترجمة سيكون "معانى القرآن المجيد" . حينئذ انفرجت أساريه وابتسم . وقال بما أنه سيفعل ذلك فلا إعتراض وسنكون سعداء . حينما قال ذلك فكأنى عدت من قرون بعيدة ووصلت إلى بر الأمان ، وكنت سعيدا بالنهاية .
كان هذا فى شهر مارس 1930 . وكانت الترجمة قد نشرت فى ديسمبر من نفس العام . وفى إبريل 1931 ، تلقيت خطابا من الدكتور الغمراوى ، يخبرنى فيه أنه تلقى رسالة من شيخ الأزهر يثير فيها أسئلة كثيرة عن الترجمة . ويظهر من هذا الإتجاه أنه كان يريد أن يدين الترجمة بعد كل ما حدث . وانتشرت إشاعة فى ذلك الوقت أن الأزهر يريد ترجمة الترجمة كلمة كلمة ، ويطرح ما تم فى صورته هذه المشوه للحكم على الترجمة ، حيث أنه لا يوجد بالأزهر من يتكلم الإنجليزية . كان هذا وضع عظيم جديد ، بإلا تتم الإدانة بدون نوع من المحاكمة ، كما حدث فى ترجمة مولاى محمد على للإنجليزية ، هذا يعنى أنه الآن بالأزهر فريق قوى متفتح يمكنه التأثير . وقد أجبت على جميع النقاط التى استعان بها دكتور الغمراوى فى مناقشته مع العلماء . والفترة التى قضيتها بمصر واحتككت فيها بكثير من الناس ومنهم علماء بالأزهر ، جعلتنى أوقن بأن هناك تغير كبير فى المفاهيم مما جعلنى مطمئن بأن أية مناقشات ستنتهى إلى خير بإذن الله .
وقد علمت فيما بعد من تقرير نشر بالجرائد ، وذلك بعد فحص الترجمة ، بأن فضيلة شيخ الأزهر ذكر أنها أفضل ترجمة لمعانى القرآن الكريم ، ولكن مع ذلك فهى ليس مسموح بتداولها بمصر . وقال التقرير ، أن السبب ، أننى ترجمت عبارات تعبيرية ومجازية من القرآن الكريم بشكل حرفى إلى اللغة الإنجليزية ، وذلك يدل على أننى لم أفهم معناها .
ولحسن الحظ ، فقد أعطى مثالا على ذلك فى الصحف ، مما جعلنى أفهم سبب الإتهام . فقد ترجمت الآية رقم ( 29 ) من سورة الإسراء ، "وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً" ، هكذا ::: “And let not thy hand be chained to thy neck nor open it with a complete opening lest thou sit down rebuked, denuded.” فهمت قصده ، بأن الترجمة الحرفية حولت المعنى إلى المفهوم الحسى لا المجازى للكرم والبخل ، وأصبحت المسألة مسألة يد وعنق فقط لقارئ الإنجليزية !!! والحقيقة ، أن قارئ اللغة الإنجليزية يفهم من هذه الترجمة بالضبط ما يفهمه قارئ اللغة العربية من نص القرآن الكريم . وبذلك فالإتهام يقوم على أساس غير صحيح بالمرة .
من طرح السؤال بالتقرير الذى فى جريدة الأهرام ، علمت أنه هناك اختلاف وجهات النظر بين وزارة الداخلية والأزهر الشريف ، فوزارة الداخلية دافعت بحماس عن العمل وقدرته ، ولكن المعروف أن الأزهر وراءه الملك يعتبر الجهة الأقوى .
كان هناك تفاؤل فى الإدانة هذه المرة ، فقد كانت معتدلة بشكل رائع ، ويمكن القول بأنها كانت مناسبة تماما ، فبالنسبة للمترجم ، بالنظر إلى ما حدث لترجمات أخرى من نفس المؤسسات ، فتعتبر ممتازة . وهذا فتح جديد بين المسلمين العرب وغير العرب - فالإتهام بأن ترجمة معانى القرآن غير شرعي وتخالف الدين قد سقط تماما ، وأصبحت المناقشات فى فحوى الترجمة التى يقوم بها مسلم ، ومدى مطابقتها للدقة اللازمة لكتاب مقدس . خطوة رائعة للأمام .

[color=FF0000]
انتهى كلام "محمد مارمادوك بكثول"

الحلقة القادمة ... بماذا نخرج من هذه القصة ؟؟؟
[/color[
[/b]