عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 29-09-2005, 09:34 AM
noureddinekh noureddinekh غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
الإقامة: europe
المشاركات: 855
إفتراضي

منذ البداية كان واضحاً أن الهدف من إنشاء "جمعية السيدات المسلمات" هو الدفاع عن الدين أمام الهجمة الجديدة , صحيح أن ذلك قد أُتبع - بعد ذلك بسنوات - بالعمل السياسي أولاً ؛ لأنه لا يمكن فصله عن العمل الاجتماعي , وثانياً لأن ظروف المرحلة اقتضت ذلك , وثالثاً - وككل عصر - تداخل العمل السياسي بالعمل الثقافي والاجتماعي والخيري , وآنذاك حين حصلت "زينب الغزالي" على التصريح - وعمرها لم يتجاوز الثماني عشرة سنة - من وزارة الأوقاف , كان معها موافقة على إنشاء خمسة عشر مسجداً , إذ جعلت منها امتداداً داخل المجتمع , واستطاعت - في وقت قصير - أن تخرِّج الواعظات , وتقيم مساجد أهلية , وتعقد (119) اجتماعاً في السنة , وخلال عِقدين من الزمن جذبت إليها خلقاً كثيراً , بما في ذلك بعض قيادات الثورة(17) .

يلاحظ أن أعمال "جماعة السيدات المسلمات" بقيادة زينب الغزالي لم تظل محصورة في مجالات الخير , مثل رعاية الأيتام , وإقامة المساجد , وتخريج الواعظات , بل ساهمت - أيضاً - في حل المشكلات الأسرية مثل : الطلاق , والزواج , والعزوبية .. الخ , كما اهتمت بالجانب الإعلامي , وأصدرت مجلة ؛ لقيت ترحيباً واسعاً , ودعماً بالاشتراكات والإعلانات .. وعلى العموم فإن نشاط زينب الغزالي وجمعيتها حالا دون تطور نشاط "الاتحاد النسائي" على المستوى الاجتماعي , لكن بالطبع لم يحُل دون التأييد "الرسمي" للفكر الجديد , على اعتبار أنه منافس ومُلْغٍ لما سمي بالأفكار "القديمة" , وربما بهذا السبب انتهى "دور المرأة المسلمة" على صعيد الممارسة , بينما تواصل دور المرأة التقدمية - إن جاز التعبير - بدعم ملحوظ من الأنظمة , ومختلف مؤسسات الدولة .

وتجربة زينب الغزالي على صعيد الممارسة تزامنت مع تجربة الباحثة والعالمة الجليلة (عائشة عبد الرحمن) , التي اهتمت بالدراسات القرآنية , من ذلك مؤلَّفها الشهير "التفسير البياني للقرآن" (جزءان) , حيث تناولت في "الجزء الأول" تفسير كل من : (الضحى) , (الشرح) , (الزلزلة) , (العاديات) , (النازعات) , (البلد) , (التكاثر) , وخصص الثاني لسور (العلق) , (القلم) , (العصر) , (الليل) , (الفجر) , (الهمزة) , (الماعون) .. والكتاب - بجزئيه - يعد عملاً بديعاً على مستوى التفاسير , التي تراكمت وتنوعت عبر قرون من الزمن , ولا شك أنه مشروع حضاري ؛ خصوصاً على صعيد المنهج الذي بدأه أستاذها وزوجها " أمين الخولي" .

إن اهتمام "عائشة عبد الرحمن" بالدراسات القرآنية , وبعلوم اللغة - هو دعوة علنية للوحدة , ولجوء لكتاب الله ليس بهدف المعرفة , ولكن - كما أرى - بهدف المواجهة ؛ إذ نلاحظ انشغال الباحثين - رجالاً ونساءً - كما ذكرت بقضايا التراث , الشعر خصوصاً - لا يتعدى ذِكر التجارب البشرية المقصورة عن الفخر , أو المدح , أو الخمريات , ما يعني محاولتها تصويب الاهتمام البحثي على مستويين , الأول : يتعلق بالمنهج , والثاني : بطبيعة الموضوعات , وأعتقد أن تلك المحاولة البحثية التي جاءت بنتائج معلومة - قد أفقدت التيارات الأخرى أهدافها , من حيث جعل القرآن كتاباً تراثياً له حضوره في حياتنا المعاصرة.

وعلى الرغم من أن ناشرات النصوص والمحققات منهن (الجامعيات) - أي اللاتي قمن بتحضير رسالة - ومنهن غير ذلك - أي اللاتي حققن النصوص خارج دائرة الدراسة الجامعية , إلا أنه يمكن القول بالنسبة لعائشة عبد الرحمن إنها قد جمعت بين الاثنين , حيث "تمكنت - على حد قول الأستاذ الراحل محمود الطناحي - بجرأة عالية وهمة صبورة , من البحث لها عن مكان بين الرجال الأفذاذ في ذلك الزمان(18) , وعاشت مع كتابات التراث , وعرفت رجالها , وعاشت معها ؛ مما ساعد بعد ذلك على أن تعيش مع القرآن وتتفاعل معه , وقد خاضت لُجة البحر وهي مؤمنة بقضية كبرى هي قضية ذلك التراث العربي , وواجبنا نحو إبرازه وكشفه وإضاءته ؛ لتقوم عليه الدراسات الصحيحة , فلا دراسة صحيحة مع غياب النص الصحيح المحرر(19) , وأهم نص صحيح كان أمامها هو القرآن الكريم .

لا أود الدخول - بحثاً - في كتابات "عائشة عبد الرحمن" , فهذا ليس موضوعنا الآن , ولكن ذكرت ذلك بما يقتضيه السياق المتعلق بمسألة "تحرير المرأة" , أي حين حاول دعاة التحرير تضليل المرأة , بإشغالها بجسدها ومتطلباته وصراعه مع الرجل - حباً وكرهاً واستهلاكاً وجذباً - جاء الجواب من عائشة عبد الرحمن في عمل استحضاري للقرآن في حياتنا , مثلما كان العمل الدعوي "لزينب الغزالي" , إنهما حقاً نموذجان , تجاوزا مسألة "السطحية والوهمية" إلى تحرير "الأنثى" , إلى مسألة أعمق هي تحرير "الإنسان" , انطلاقاً من المجتمع الذي عاشتا فيه , وبما أن عملهما خالص وصادق فقد وصل إلى بقاع عديدة من العالم الإسلامي .