عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 02-10-2005, 08:59 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

موائمة الإمكانات مع الحاجات :


لم يكن الناس قبل اختراع النقود .. باستطاعتهم التفكير الا بحجم مقتنياتهم من الحيوانات ، و ان أرادوا شيئا اضافيا فانهم سيفكرون بمبادلة جزء من ممتلكاتهم البسيطة بالحاجة التي قد تكون عند غيرهم .. وهذا الشيء لا يزال ساريا ببعض أرياف البلاد العربية .. كتقديم قطعة أرض أو مجموعة من الأبقار مهرا لعروس ..

ولو أخذنا أنماط المنازل لوجدنا أنها تتفق مع ما نقول .. فموادها الأولية من طين وقش و أخشاب ، هي متوفرة بالطبيعة و دون ثمن تقريبا .. وكانت تلك المواد تنقل على ظهور الحيوانات المنزلية .. وكان البناء يتم بتعاون الأقارب والجيران لإنجازه ..

أما تصميم البيت والحي والقرية .. فلم يضعه معماريون في كثير من الأحيان ، بل تضعه الضرورة الأمنية والثقافية والاجتماعية ... فكنت ترى أن عرض الشارع لا يزيد عن ثلاثة أمتار .. ليسمح بتقابل بعيرين محملين دون أن يعيقا حركة بعض .. وكانت الأسوار المطلة على الشارع عالية لتمنع السطو ..

أما بوابة المنزل فكانت بارتفاع يسمح لبعير ( جمل ) محمل بالدخول دون تعب ، فكان ارتفاعها أقل من ثلاثة أمتار وعرضها حوالي مترين ونصف .. وكان في البوابة فتحة تفتح كنافذة .. تعلو نصف متر عن الأرض وعرضها حوالي ذراع وارتفاعها ايضا يزيد عن الذراع قليلا .. يسمح للأشخاص الدخول الى المنزل دون الحاجة الى فتح البوابة الكبيرة ..

واذا دخلت الى باحة الدار ، فان أول ما يصادفك قرب الباب ، من أحد جهتيه اليمنى أو اليسرى ، حسب اتجاه الريح .. سيكون هناك غرفة واسعة يجلس بها رب البيت ، في وضع يسمح له برؤية الباب الخارجي و باحة المنزل .. وعلى الجهة الأخرى ، ستجد حظيرة لإيواء حيوانات الأسرة ، و لكي تكون قريبة من أجل استضافة حيوان الركوب للضيف .. وبجانب الحظيرة ستجد مخزنا للأعلاف ، وبجانبه مخزن الوقود ( حطب ، مخلفات الحيوانات والبيدر ) ، وبجانبها تجد الفرن أو ( الطابون ) ، الذي يحاذيه بيت ( العائلة أو المؤونة ) ..

وفي صدر المنزل ستجد غرف تعتلي مصطبة ومسورة بسور حوالي المتر ، تكون بمثابة غرف نوم توزع على الأبناء المتزوجين في الأسرة الكبيرة .. وفي الباحة يكون بئرا أو أكثر لجمع مياه الأمطار ..

تختلف تلك الصورة من القرية الى المدينة ومن بلد عربي الى آخر .. لكن مع ثبات وظيفة البناء و أداءه الذي يصنع حرمة للمنزل ونساءه .. ويحفظه من تطفل المارة .. وحتى الضيوف ، لا يستطيعون ان يحرجوا أهل المنزل .. بل بالعكس ، كان الضيف باستمرار مرحبا به .. نتيجة التكوين الأصلي للبناء ..

حاولوا الآن مقارنة تلك الصورة التي و ان بدت بسيطة ، الا انها تشكل مع منازل الحي أو القرية أو المدينة وحدة منسجمة مع غيرها .. في حين نجد اليوم تناقض بين طراز المنزل و المنزل الذي يجاوره ، فتكون القرية أو الحي ، وان كانت مواد بناءها أكثر حداثة ، لكنها تعتبر تشوهات مع ما يستوجب أن تكون .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس