أثر التطور الصحي في إحداث التشوهات الإقتصادية :
ما بين عام 1927 وعام 1954 م ، بعد أن قمت بلملمة قصص الأهل من كبار السن ، تبين أن أعداد سكان قريتي ، لم يزدد بشكل يذكر ففي عام 1927 كان عدد السكان 2750 نسمة وعام 1954 كان 4700 نسمة ، في حين يبلغ عدد سكانها الآن حوالي 100 ألف نسمة ، فعندما كانت تأتي الحصبة مثلا تأخذ من هم دون الخامسة ، ويبقى أطفال قليلون جدا ، كما أن متوسط أعمار الناس كان ينخفض كثيرا عما هو عليه الآن ، فلم يكن في المنطقة أي طبيب ،بل كان التداوي يتم بطرق بدائية جدا .. في حين يوجد اليوم من أبناء المدينة أكثر من 330 طبيبا .
ان التطور الصحي الذي حدث على مستوى اللقاحات ، و طرق المعالجة ، اضافة الى تحسين مستوى التغذية قد أدى الى زيادة نسب النمو السكاني الذي أثر بشكل أو بآخر على حدوث تشوهات نذكر منها :
1 ـ زيادة عدد أفراد الأسرة ، و أعداد سكان الوحدة الجغرافية ، مع ثبات في كمية الدخل ، مما أدى الى ارتباك في تهيئة الطعام والشراب ، والمساكن ، وكلف التعليم والمعالجة ، والزواج وغيرها .
2 ـ الهجوم على الأراضي الزراعية ، لتأمين المساكن للزيادات الحاصلة ..
3 ـ التدقيق بوصايا الثقافة الصحية الجديدة و محاولة تطبيقها ، مما استوجب التوجه لماء ذا نوعية أفضل و غذاء ذا نوع أفضل و مسكن ذا نوع أفضل ، وهذا أدى الى اضطراد في كلف إضافية .. مما جعل الهجرة للبحث عن مال أو بيع عقار الأسر لمسايرة الوضع الذي طرأ على ضوء التطور الصحي .
4 ـ عندما دقق المواطن في مردود أرضه المتواضع ، و قارنه بمردود الوظائف الجديدة ، فوجد أن هذا المردود لا يلبي حاجة مسايرة الحياة الصحية الجديدة و متطلباتها ... هجر العمل الزراعي ، مما جعل الزيادة الهائلة في أعداد الأسر بلا عمل ، بل تستهلك ما يأتيها من دخل متواضع منتظرة فرص لتشغيلها .. وهيهات ..
5 ـ ان الأعداد الهائلة التي تم ضخها للقرى و المدن ، و أخر معدل أعمار الزواج فيما بينها ... جعل هذه الأعداد تحتك ببعضها ، لتنال ما بيد غيرها حتى لو بأساليب نصب و حيلة ، لتأمين زواج واستقرار ، غالبا ما يكون مؤقتا وكاذبا بعد عدم قدرة الزوج على الوفاء بالتزامات أطلقها كوعود بفترة الخطوبة .. والتي تم التساهل بها من خلال رغبات الأسر بزواج بناتها التي أصبحت ظاهرة العنوسة تشكل عبئا اضافيا على حياة الأسرة المرتبكة أصلا ..
6 ـ لقد كان في التطور الصحي ، الذي ظاهره نعمة و هو كذلك في حالة النمو المتوازن للشعوب و مؤسساتها .. لقد كان يرافقه خطر صحي لم تعهده المجتمعات فيما قبل حدوثه .. كمشاكل صحية أتت من سوء المساكن ، كالربو والأمراض التنفسية الأخرى ، ومشاكل تأتي من سوء الصرف الصحي في الأحياء الشعبية الملاصقة للمدن كما في المغرب و مصر وكثير من المدن العربية ، بالاضافة لانتشار حالات لم ترصد بشكل صادق من أمراض الاتصالات الجنسية غير الشرعية ، والتي ظهرت على هامش تأخير سن الزواج ..
__________________
ابن حوران
|