عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 04-10-2005, 03:28 PM
ابوحنيفة ابوحنيفة غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 1,102
إفتراضي

لم تكن الأحياء الشيعية الثلاثة في المدينة قد طالها القصف والدمار، وكأنها لم تسمع بالاجتياح بل جرت جميع المعارك في بقيه أحياء المدينة التي تزيد عن العشرة أحياء، حيث قُصفت بهمجية من قِبل الاحتلال وجنوده، وسرقت ونهبت من قِبل جماعة 'بدر' وأعوانه المتسترين باسم الجيش العراقي.

ومما علق في ذهني قبل يومين ـ أي يوم الاثنين ـ هو ما وجدته من تصرفات لجماعة 'الحرس الوطني العراقي'، حيث ما إن اقتحموا المنزل وشاهدوا فيه صورًا على الجدران تعود لشخصيات ومراجع شيعية؛ حتى تركوه واعتبروه 'أمانة الإمام المهدي المنتصر'، على حد وصفهم. لكنّ منازل أهل السنة تبدوا مميزة فأغلبهم لا يضع تلك الصور على جدران منازلهم، ولا يملكون تفسير الوائلي للقرآن، ولا معجم القرآن للطباطبائي، الذي يتداوله الشيعة في العراق؛ ولهذا طالها الحرق والتخريب والسرقة بل والاعتداء على النساء إن وجد في تلك المنازل نساء.



وللتأكيد على خبري الذي أرسلته لكم قبل أيام من اغتصاب ثلاث فتيات سنيات على أيدي الاحتلال، شاهدت جنازة 'لبيبة' وقد تُوفيت، وشارك فيها علماء دين ووجهاء المدينة، وقد دُفنت في مقبرة خارج 'تلعفر' قرب مخيم اللاجئين بعد يوم من اغتصابها، حيث اجتمع عليها عدد من جنود الاحتلال.

لا أعلم قد يكون الله جعلها سببًا في استنفار عدد كبير من شباب 'تلعفر' الذين لم يقاتلوا في البداية، فكتب الله لها الشهادة، وكتب نصرًا سيخلده التاريخ على مر العصور.

أما عن خسائر العدو في أيامه السبعة الأولى، فقد سجلتُها أخي في دفتر جيب صغير كنت قد حرصت على أن لا أكتفي بالسمع أو كلام الشارع، بل الذهاب قرب المكان أو بمحيطه، وأعمل ما ينبغي على الصحفي عمله لإخراج الخبر الصحفي، وسأرسلها لك لاحقًا.



وكانت من مروحيات الاحتلال ما بلغ 8 مروحيات مختلفة: منها الأباتشي ومنها الكوبرا ومنها الشينوك، شاهدت خمسًا منها بأم عيني، إلا أن 'كاميرتي' التي جُهزت بها لم تكن بالمستوى الكافي من حيث تقريب المسافة لالتقاط الصور بشكل واضح.

وعن الآليات فحدّث ولا حرج، فمن الهمفي إلى الهمر إلى البرادلي والبراهام ـ تلك الدبابات العملاقة ـ إلى ناقلات الجنود، فقد فاقت أكثر من 110 آلية بعضها دُمّر بشكل كامل، التقطت صورًا لعدد منها [4] .

وكان قتلاهم قد ذكروني بمعركة الفلوجة، وما حدثنا عنه الثقاة من مراسلينا من تكوّم جيفهم في الشوارع، وعلى الأبنية، فقد كانوا كُثر، وأعتقد أن أغلبهم مرتزقة، حيث يملكون الشعر الطويل ويرسمون 'الوشم': كالأفاعي والسلاحف والصلبان على أذرعهم وصدورهم، وهم بالتأكيد مرتزقة.



وعن زيارتي الأخيرة إلى المستشفى الميداني، والتقاطي للصور التي أرسلتها لكم، فوالله لقد جازفت بحياتي من أجل إيصالها ليس لشيء إلا أنني قلت في نفسي إن لم أصنع شيئًا جديدًا في الأخبار، وأثبت زيف كذبهم فلا خير فيّ، وإما أن أهرب حالي حال الهاربين من الصحفيين، أو أعمل عملاً ينفع غير هذا العمل، والحمد لله رغم عيون شيعة السيستاني الإيرانيين حول المستشفى وجماعه بدر، ورغم خوف الكادر الطبي من بطش فيلق بدر إذا سمعوا أن أيًا منهم صرّح لأي صحفي بشيء، تمكنت من إخفاء 'كاميرتي الدجتل' تحت حزامي بطريقة ماكرة للغاية لا يمكن لأي أحد أن يكتشفها،

وأكملت مهمتي على أكمل وجه، وذهبت إلى حيث خرجت صباحًا [5] .



ومما زاد خوفي في اليوم الثاني من معارك 'تلعفر' هو إعلان الاحتلال عبر مكبرات الصوت عن بحثه عن مراسل 'مفكرة الإسلام' في تلعفر، والصحفي الذي يورد الأخبار للجزيرة أبو [ ... ]؛ فنصحني أحد المقربين أن أخرج من المدينة، أو أرافق عناصر المقاومة أينما حلّوا وأينما رحلوا، وجلست أفكر وقررت أن أغطي الحدث بمرافقة المقاومة؛ لأن قوات الاحتلال وعملاءها لن يتركوني ، وهو بالفعل ما حدث معي، وما أحلاها من صحبة ورفقة، فكنت أتوقع أنهم أناس قساة القلوب لا يضحكون ولا يبكون ولا يجاملون ولا يتسامرون فيما بينهم، إلا أنني كنت مخطئًا، فقد نلت منهم من الطرافة ورقة القلب والإيثار وسمو الأخلاق ما لم أجدها إلا في سير الصحابة، وتراهم في وجبات طعامهم كل واحد منهم يدفع ما أمامه إلى صاحبه وبالعكس، وكثيرًا ما كانوا يخافون علي ويطلبون مني أن أبقى عندما تندلع أية اشتباكات، والتي يظهرون فيها مختلفين عما أجدهم في جلساتهم عندما تنتهي المعارك؛ فلا تشاهد منهم ألا العيون الملتهبة بالشرار والكلام المعطر بالقرآن، متوجهين إلى ساحة الاشتباك دون خوف أو وَجَل من أحد.



كم تمنيت ساعتها أن أشاهد تلك النظرات الثاقبة والوجوه القوية عند كثير من الحكام العرب الآن عندما يتوجهون إلى أميركا ولندن!!!

على كل حال فوضعنا هنا في 'تلعفر' كالآتي 55% للمقاومة، و45% للاحتلال وأعوانه، أما أحياؤها فعشرة ثلاثة منها شيعية، لم تطلق فيها رصاصة واحدة؛ كعادة عملاء الاحتلال، بل إن شرهم علينا كبير فقد كانوا جواسيس.



واليوم هو الثلاثاء، وقد طلب الاحتلال من المقاومة التفاوض؛ لأنه وضع نفسه في موقف محرج، حيث ذكر أن الخميس هو يوم تسليم المدينة للأهالي وتطهيرها من الإرهابيين، ولا يزال في 'تلعفر' قتال أيام، بل وأسابيع إن وصل للمقاومة أكْل وشرْب كاف.

فكيف سيكون الوضع؟.. إنها الساعة السادسة عصرًا وأمامي أحد رجال المقاومة، وهو ممدد على الأرض في استراحة محارب، بينما يوجد مصحف وقاذفة بجانبه. فكيف للاحتلال أن يُقنع العراقيين والعالم بنصر لم يحصل أصلاً؟! بعد أن وعد قبل هذه المرة وأخلف وعده.

إذا ألهمني الله تلك الروح إلى يوم بعد غد سأنقل لكم الأخبار وما يحصل [6] .



وكنت أود أن أؤجل هذا التقرير لأرسله كاملاً، لكن أبا [ ... ] أصرّ على أن يخرج يوم غد فجرًا من معبر سري من 'تلعفر' فاضطررت إلى كتابته، وعندما تنجلي مصيبة 'تلعفر' بالنصر إن شاء الله، فسوف أزودك بأفلام وصور مهمة جدًا، ولكني لن أعطيك إياها حتى تخطب لي امرأة طيبة؛ فأنا دائمًا أثق باختيارك.. ما عليك، أمزح عليك..



وأخيرًا أرجو الدعاء لي، فإني تحت رحمة الله تعالى الآن.



محبك: سالم الجبوري

مراسل 'مفكرة الإسلام' في 'تلعفر'



وأخيرًا .. هذه الرسالة تسمى لدينا بالتقرير الخاص، والذي لا يُعرض على الموقع أصلاً نتيجة احتوائه على بعض المعلومات المهمة، ولكنا اضطررنا أن نعرض التقرير كما هو؛ تقديرًا لـ'سالم' رحمه الله ورغبة منا في معرفة الناس بوفاء هذا الرجل لقضية أمته.





ـــــــــــــــــــــــ

[1] للأسف لم يتبقَ منها شيء؛ فقد أخذها أحفاد العلقمي من بيته بعد اغتياله .

[2] يقصد المنظار .

[3] نرجو الله أن يكون منهم .

[4] كل ما في منزله تمت سرقته بعد أن اغتاله أبناء العلقمي .

[5] ونحن نعتقد أن جواسيس الاحتلال من أنصار 'السيستاني' قد اكتشفوه في المستشفى في حين كان يظن رحمه الله أنه قد استطاع خداعهم، وقد قمنا بتحذيره مرارًا من هذا، ولكن كان رحمه الله حريصًا جدًا على التوثيق

[6] نسأل الله أن يغفر له، وأن يسكنه فسيح جناته.


http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=535