عرض مشاركة مفردة
  #45  
قديم 16-10-2005, 05:04 PM
مُقبل مُقبل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
المشاركات: 461
إفتراضي

لن أعـــــــود .. لن أعــــــود ..


وفي عتمة المكان دخل نورٌ خافتٌ يتفقدني .. استدرتُ إليه ..
فإذا هو والدي .. يطمئنُّ عليّ .. ويسأل عن حالي ..
وعيناه تفيض بالحزن والكمد !!
حتى الابتسامة ترفّعتْ عن شفاهي !!
تردّد أبي كثيراً قبل أن يقول :
- يا ابنتي .. هل مازلتِ مستيقظة ؟
أريد .. أريد أن أخبرك بــ..... بــ .... بأن زوجك قد جاء ..
وهو .. وهو في انتظارك ...
ويريد أن .. أن يتفاهم معك .. و... استجمعتُ شجاعتي ..
اتكأتُ على يديّ حتى وقفتُ أترنّح من شدة الإرهاق والتعب والحزن ..

هتفتُ بصوتٍ بالكاد سُمع :
- ماذا ؟ ماذا ؟! لماذا أدخلتموه إلى المنزل ؟
ألا يكفيه ما آلت إليه حالي ؟!
ألا يكفيه ما فعله بي ؟
أبي !!!
كيف تستطيع النظر إليه أو مخاطبته؟!
إنه إنه بلا قلب .. ألا ترحمونني؟!!
وأجهشتُ بالبكاء الذي رجا الدنيا أن ينفيه من أمامي ..
ولكن أبي أمسك بي برفق وقال بهدوء:
- يا ابنتي أخبرتُه بكل ما تريدين .. فبكى بمرارة ..
وقال أنه لا يُصدِّق ذلك .. وأنه يريد أن يراكِ ويسمع ذلك منكِ ..
- لا لا لا .. لا أريد رؤيته حرام عليكم .. أنا أكرهه ..
هل تعرف معنى ذلك يا أبي .. أرجوك..أرجوك ..

رجاني أبي بقلبٍ وجيع :
- أرجوكِ يا ابنتي ..
يجب أن تخبريه بما تريدين .. وأنكِ تريدين الفراق عنه ..
فلن يُصدِّق أحداً سواكِ!!
هيا يا ابنتي أرجوك .. سأقف معكِ لا تقلقي ولا تخشي شيئاً ..
هيا يا ابنتي هداك الله !
مشيتُ معه بخطىً مُتماوتة! متثاقلة !
حاولتُ الدخول فلم أستطع !! فشجعني أبي بأن دخل قبلي ..
وبقيتُ خلف الباب .. أمسك بالحائط علَّه يساعدني في الثبات ..
دخلتُ ببطء .. وجدته يجلس في وسط المكان وعلى الأرض ..
لم أعرفه !! مَنْ هذا الرجل ؟!!
استدرتُ للخروج بسرعة .. فناداني أبي ..
ظننتُ أني قد دخلتُ على رجل آخر !!
هل يُعقل أن يكون هذا ؟!! ما أبشع منظره !!
يا إلهي ما هذا الاختلاف الكلي الذي طرأ عليه !!!
أين القوة والضخامة ؟!! أين الصحة والخشونة ؟!!
لا لا .. لا يُعقل أن يكون هو !!!

وقف بسرعة ! كلمح البصر .. لم أتعرف على ملامحه !
كرهتُ النظر إليه .. أو سماع صوته !!
جلستُ متهاوية على الأريكة .. شقّتْ ابتسامته نهر الدموع في عينيه ..
اعتقد أني وافقتُ على العودة معه..
نظر إليّ بفرح ..
وتغيّرتْ ملامح وجهه فجأة وهو يقول :
- ما بكِ لا تنظرين إليّ ؟!! لقد نحلتِ كثيراً !!
هل أصابكِ مكروه ؟! حتى أنا تغيّر حالي ..
منذ أن ذهبتِ ونحن نعيش في فراغٍ كبير ..
في جفاءٍ ووحشة أنا وأهلي جميعاً !!
لزمتُ الصمت ! لا أريده !! الآن !!
بعدما جعلتموني أعاني من الذل والهوان ؟!!

كرر حديثه ثانيةً :
- ما بكِ ؟!! ألا تعرفين مَنْ أنا ؟
أنا زوجك ! لقد وعدتيني بالعودة ! ولم تفعلي !
جئتُ لآخذك معي .. هيا ..
هيا استعدي فالطائرة ستقلع بعد ساعتين ونصف من الآن .. أيضاً لزمتُ الصمت !!
نظر إلى أبي في تساؤلٍ وحيرة :
- ما بها يا عمّاه ؟! ما بزوجتي لا تطيق حتى النظر إلى وجهي ؟!!
اجعلها تكلمني أرجوك !! ما بها ؟
ثم حوّل نظره إليّ وقال :
- ألا تريديني ؟!! لماذا ؟ تكلمي !! ماذا تريدين ؟!
نطقتُ أخيراً من بين دموعي الوجعى وما زلتُ أشيح بنظري عنه :
- لا أريدك .. لا أريدك .. أرجوك ..
أطلق سراحي .. فأنا لا أطيق النظر في وجهك ..
ولن أعود معك !! مهما حييت ! ألا ترى ما فعلته بي ؟!
أبي أرجوك .. أخرجه من هنا !!
أنا لا أريده لا أريده لا أريده .. أكرهه ..

أمسك أبي بي بسرعة وأوقفني بتمهل وهو يبتعد بي عنه إلى الغرفة المجاورة ..
- على رسلك يا ابنتي ! ارحمي نفسك وما وصلتْ إليه حالتك ..
أرجوك .. لا تنفعلي كثيراً .. أرجوك ..
صرخ الزوج بأعلى صوته وهو ينتحب وجميع أهلي يسمعونه :
- أعيدوا إليّ زوجتي .. لن أتركها لكم !!
حرام عليكم .. أنا لا أستطيع العيش بدونها!!
أعيدوا زوجتي .. أريد زوجتي ..
أريدها أن تعود معي لمنزلي .. لن أدعها تذهب مني!!
أعيدوها إليّ .. أعيدوها.. سأوافق على كل ما تريد .. صدقوني ..
ماذا تريد هي ؟!! أين زوجتي ؟!

عُدتُ إليه بسرعة وأنا أستند على الجدران وسألته بصوتٍ باكٍ ومغتاظ :
- حسناً .. هل ستترك ما أنت فيه من ضلال ؟
هل ستهتدي إلى الطريقة المثلى ؟!!
هل سيعتدل سلوكك الديني وأفكارك العقيمة؟!!!
بالطبع لا .. أليس كذلك ؟!!
صمت .. ثم قال باكياً :
- اطلبي كل ما تريدين .. إلا هذا !! لا أستطيع العيش بدون ذلك !!
إنها عقيدتي ومذهبي وهو الصحيح !!
ولكني أعدك ألا أجعلك تُرغمين على الذهاب إلى مكان لا تريدينه .. فعودي أرجوكِ ...

قلتُ له بأسف :
- لا جدوى من عودتي ! سيعود الحال إلى ما كان عليه !!
نحن لا نستطيع العيش معاً !
لا نستطيع .. معيشتنا ستكون عيشةً ضنكاً !! مؤلمة متعبة!!
الخلاف الديني سيقف حائلاً دائماً بيننا !
عدا أني قد زهدتُ فيك وقطعتُ الأمل في تفهمك لما أعني..
أرجوك .. لا يمكننا البقاء معاً أبداً .. أبداً ..
وخرجتُ .. أبكي .. فاحتضنتني أمي ..
و هدّأتْ من روعي أختي ..
أما أبي ..
فهو يمسح دمعات فيّاضة تطفر قسراً من عينيه وهو يعاين لحظات الوداع الأخيرة ..
لا جدوى منه أو مني !! لا جدوى !!
رحل .. سمعتُه يناديني .. فلم أجب .. ما الفائدة !!
أغلقتُ الدار عليّ بالمفتاح .. لا مجال للعودة أو التراجع ..
هذا أمر الله .. ولا يمكن أن يجتمع الضدّان أبداً !!!!

مرّتْ أيامٌ عصيبةٌ على حياتي ..
وفي هذه الأثناء كنتُ أحتضرُ فيها جاء القريب والبعيد يرجونني بالعودة إليه!!
إنه بقايا إنسان !! يتصل مراراً وتكراراً حتى أعود إليه !!
إنهم قومٌ لا يعلمون !!
وما فائدة عودتي إلاّ زيادةٌ في العذابات والمُفارقات !!
بالطبع رفضتُ ..
مجرد محاولة واحدة فقط منهم في استمالتي إلى ما يدينون سوف تودي بحياتي إنْ عُدتْ وأنا بهذه الحال المترنحة !!!
حتى وإنْ كان يُعاني فقدي ونُقل مراراً إلى المشفى فلن أعود !!
لن أعود .. لن أعود !!!




تمت بحمد الله.
الرد مع إقتباس