بعد الجريمة: التحليل والتقييم
162 ـ بذلت اللجنة جهوداً مكثفة لوضع خريطة تحرك السيد الحريري وما فعل قبل الانفجار، وكذلك التحركات والأفعال الأخرى، من أجل اكتشاف الحافز والأسباب التي أدت إلى هذه الجريمة.
163 ـ عُقدت لقاءات مع أقاربه ومعاونيه وأصدقائه والعاملين معه وزملائه، ولم يفض أي من هذه الجهود إلا إلى الوقائع التي مهدت لاستقالة السيد الحريري من رئاسة الحكومة.
164 ـ لقد عززت هذه المعلومات صورة علاقة التوتر بين السيد الحريري من جهة والرئيس لحود والسلطات السورية من جهة أخرى. وأضيف دليل من محادثة الهاتف بين اللواء غزالة ومسؤول لبناني كبير في 19 تموز 2004؛ الحوار بين الرئيس الأسد والسيد الحريري في 26 آب 2004، في سوريا، التوجه إلى السيد الحريري عن طريق يحيى العرب، وسام الحسن وسليم دياب في تشرين الأول ـ تشرين الثاني 2004 لزيادة الأمن حوله بسبب التوتر وردّ الحريري "بأنهم لا يجرؤون على المسّ بي"؛ اللقاء بين الجنرال غزالة ويحيى العرب في 13 شباط 2005، وردّ السلطات اللبنانية على توزيع زيت زيتون خلال شباط 2005.
165 ـ كل اللاعبين الرئيسيين بين السلطات اللبنانية المتنافسة جرى استجوابهم، وكذلك الخبراء المنخرطين في الاجراءات الأولية للتحقيق، التحقيق المبكر أظهر ان أحداً لم يقل انه كان لديه أي مؤشر مهما كان صغيراً عن ان شيئاً ما يجري حول السيد الحريري يمكن ان يهدد حياته. الجهود التي قامت بها اللجنة خلال فترة محدودة من الوقت وصلت إلى استنتاج على طرف نقيض من ذلك. كانت هناك اشارات تحذير عديدة تتعلق بالسيد الحريري في محيطه المباشر بعد ما حصل في النصف الثاني من العام 2004، خصوصاً عندما يأتي الأمر إلى سياق تجارب لبنانية سابقة لهجمات تستهدف أفراداً من خلال متفجرات.
166 ـ في 30 آب 2005، أوقفت السلطات اللبنانية واحتجزت أربعة مسؤولين رفيعي المستوى في الجهاز الأمني والاستخباري اللبناني، بعد مذكرات اعتقال أصدرها المدعي العام اللبناني بالاستناد إلى توصيات من لجنة التحقيق الدولية بأن هناك سبباً يستدعي توقيفهم واحتجازهم بالتآمر على القتل في ما يتعلق باغتيال الحريري. الأشخاص الموقوفون هم المدير العام السابق للأمن العام اللواء الركن جميل السيّد والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج والمدير السابق للاستخبارات العسكرية العميد ريمون عازار ورئيس الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان.
167 ـ الأربعة استجوبوا من قبل لجنة التحقيق بحضور محامين، واصل كل منهم نفي أي تورط في تخطيط أو تنفيذ اغتيال الحريري، أو أي علم مسبق بمثل هذه المؤامرة، أو القيام أو إصدار الأمر بالقيام بأعمال مخصصة لاعاقة التحقيق بعد ذلك.
168 ـ كما في أي تحقيق، كانت نقاط الانطلاق بالنسبة للجنة التحقيق هي ضحايا الجريمة، مسرح الجريمة والشهود، بالاضافة إلى ذلك ركزت اللجنة على خمسة تحقيقات فرعية.
1ـ أحمد ابو عدس
169ـ ان تحقيق لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن السيد أحمد ابو عدس أوصل الى التركيز على السعي الى تحديد أماكن وجود السيد أبو عدس وتقويم إمكان ان يكون السيد ابو عدس هو فعلا المفجر الانتحاري مثلما زُعم.
170ـ لم تتمكن لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة من مقابلة والد السيد أبو عدس، الذي كان قد خضع لاستجواب من قبل السلطات اللبنانية في 14 شباط (فبراير) 2005، لأنه كان قد توفى في 7 آذار (مارس) بعد فترة قصيرة من استدعائه للمثول امام قاضي التحقيق.
171ـ والدة السيد ابو عدس، نهاد موسى، خضعت للاستجواب من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة في 7 تموز (يوليو) 2005، وهي كانت قد خضعت قبلا للاستجواب اربع مرات على الاقل من قبل السلطات اللبنانية، المرة الاولى في 14 شباط (فبراير) 2005. لقد احتجزت هي ووالد السيد ابو عدس، تيسيرموسى ، بشكل غير شرعي لنحو 10 ايام. وهي أفادت بانها أبلغت السلطات اللبنانية التالي: اختفى السيد ابو عدس في 16 كانون الثاني (يناير) 2005 ولم تسمع عنه شيئا منذ ذاك الحين. ووفقا لما قالته، فان السيد ابو عدس أوضح لها في مطلع كانون الثاني (يناير) انه التقى شخصا تعرفه هي فقط باسم "محمد" وهو يريد التحول من المسيحية الى الاسلام، وان السيد ابو عدس كان يساعده في ذلك. وأشار السيد ابو عدس الى محمد كان يبدو غنيا وانه قد يغيب احيانا لمدة اسبوع او ما يقارب ذلك. وبعد إحدى غيباته، عشية السبت في 15 كانون الثاني (يناير) 2005، اتصل محمد على رقم المنزل. أخبر محمد السيد ابو عدس بانه سيأتي لاصطحاب السيد ابو عدس في الصباح التالي وبانه يحضّر له مفاجأة. غادر السيد ابو عدس مع محمد في الصباح التالي واعدا أمه بانه قد يغيب لساعات قليلة، بما انها كانت قد طلبت منه مساعدتها في تنظيف سجادة كبيرة. لم يعد السيد ابو عدس أبدا. صباح الاثنين تلقت والدة السيد ابو عدس اتصالا من شخص قال لها بالا تقلق بشأن أحمد باعتبار انه في طرابلس حيث تعطلت سيارتهم وهم في انتظار تصليحها. خمنت السيدة موسى ان هذا الشخص هو ذاته المدعو "محمد" الذي تحدثت معه عبر الهاتف قبل يومين. طلبت التحدث الى ابنها، لكن قيل لها ان ابنها ينتظر في منزل حيث لا هاتف وان المتصل يتحدث من كاراج تصليح السيارة. قال المتصل للسيدة موسى ان ابنها سيعود في الوقت لمساعدتها في تنظيف السجادة. وعند الساعة التاسعة، في اليوم نفسه، تلقت اتصالا آخر من الشخص المدعو "محمد" الذي قال انهم لم يتعرضوا لحادث وان السيارة لم تتعطل. ومضى المتصل للقول ان السيد ابو عدس اراد الذهاب الى العراق وانه لن يعود. وعندما أعربت السيدة موسى عن دهشتها وقالت ان السيد ابو عدس لم يذكر لها ابدا أي اهتمام كهذا من قبل، قال المتصل انه سيحاول الحصول لها على رقم هاتف السيد ابو عدس بحيث يمكنها محاولة تغيير رأيه. وانهى المتصل المكالمة ولم يتصل بعد ذلك ابدا. قامت العائلة بالابلاغ عن مفقود لدى قوى الأمن الداخلي في 19 كانون الثاني (يناير) 2005.
172ـ في مقابلة تالية مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، أضافت السيدة موسى ان أفضل صديق للسيد ابو عدس رجل اسمه زياد رمضان وكانت قد التقته باعتباره موظفا في شركة كومبيوتر قبل نحو سنتين. الاتصال الاخير لها بالسيد رمضان كان بعد ايام عدة من اختفاء ابنها وهو سألها ما اذا كان لديها أي خبر عن ابنها. في المقابلات مع السلطات اللبنانية أكدت السيدة موسى بان ابنها لا يمتلك رخصة سواقة وبانهم لا يمتلكون خط انترنت في منزلهم.
173ـ ان لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة لم تتمكن من تحديد مكان زياد رمضان لاستجوابه. فبعد استجوابه من قبل السلطات اللبنانية في 14 شباط (فبراير) 2005، يبدو ان السيد رمضان عاد الى سوريا مع عائلته. وفي المقابلة مع السلطات اللبنانية صرح السيد رمضان بانه عرف السيد ابو عدس لنحو سنتين باعتبار انهما عملا في الشركة نفسها لمدة شهرين. والمرة الاخيرة التي رأى فيها السيد رمضان ابو عدس كانت يوم الخميس او الجمعة السابق على اختفائه عندما ناقشه ابو عدس بشأن تصاميم أغلفة كتب في عمله الجديد.
174ـ هناك شخص لم تتمكن لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة ولا السلطات اللبنانية من مقابلته حتى الآن يدعى خالد مدحت طه، وهو زميل متدين آخر، وله أهمية مميزة استنادا الى سجلات السفر المسنودة اليه والى بعض الصدف غير العادية. السيد طه التقى السيد ابو عدس عندما كانا طالبين في الجامعة العربية حيث كانا يلتقيان عادة في مسجد الجامعة. ووفقا لسجلات السفر، فان السيد طه غادر عبر مطار بيروت الدولي الى الامارات العربية المتحدة في 21 تموز (يوليو) 2003 وعاد الى بيروت في 17 تشرين الاول (اكتوبر) 2003. السجل التالي له يظهر انه دخل الى لبنان آتيا من سوريا برا في 15 كانون الثاني (يناير) 2005، في اليوم السابق على اختفاء ابو عدس.
في اليوم التالي غادر السيد طه لبنان الى سوريا برا. لا تظهر السجلات مغادرة لبنان قبل 15 كانون الثاني (يناير) 2005 ما يشير الى انه دخل سوريا قبل ذلك التاريخ بشكل غير شرعي. إن تحقيقا أبعد كشف ان ثلاثة من عناوين الـ E-MAIL للسيد طه كانت تمر عبر سوريا والرابع عبر لبنان نفسه فيما كان يزعم انه في تركيا. أكثر من ذلك، فان موعد مغادرته الى سوريا من لبنان ـ في 16 كانون الثاني (يناير) 2005 ـ هو نفسه موعد اختفاء السيد ابو عدس. أكثر من ذلك، اشارت السلطات اللبنانية في تقريرها الى انه لم يعتقل ابدا لدخوله غير الشرعي الواضح الى سوريا قبل 15 كانون الثاني (يناير) 2005 حتى لدى عودته الى سوريا في 16 كانون الثاني (يناير)، وهذا حدث غير عادي، ما يشير الى مغادرته ودخوله في اليوم التالي قد سهلا من قبل شخص ما. لقد اتصلت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أخيرا بالسلطات السورية لتزويد اللجنة بمعلومات مفصلة عن خالد طه، خصوصا سجلات سفره الى سوريا ومنها.