عرض مشاركة مفردة
  #46  
قديم 27-10-2005, 06:51 AM
maher maher غير متصل
رب اغفر لي و لوالدي
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: tunisia
المشاركات: 2,978
إرسال رسالة عبر MSN إلى maher إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى maher
إفتراضي

قد يجادل في صحة هذه المعاهدات وجواز الأخذ بها من يظنون أنها ستحقق خيراً للمسلمين في الدنيا، وأنها يمكن أن تجعل عند المسلمين فسحة من الوقت ليستعدوا لعدوهم، وقد يقول من يقول ممن باع آخرته بدنياه بأن ثمرات السلام كبيرة جداً، وأن هذا السلام المزعوم سيأتي بالخير والرخاء على شعوب المنطقة كما يقولون، والصحيح أن الفساد الدنيوي والمادي، والآثار الضارة لهذه المعاهدات كثيرة جداً، يربو أضعافاً مضاعفة على ما يلوح ويظن من المنافع.

ومعلوم شرعاً أنه لا يجوز للمسلمين أن يعقدوا صلحاً مع عدوهم تربو فيه سيئاته على حسناته، وهذا في الشروط الجائزة، لأن مثل هذا يكون تفريطاً في حق المسلمين، وضياعاً لأموالهم، ودنياهم، ومصلحتهم.

وهذا أحد مبطلات العقد مع الكفار كما نص الأئمة على ذلك من حيث أنه لا يجوز إبرام عقد ليس في صالح المسلمين، فكل عقد تزيد خسائر المسلمين فيه على منافعه لا يجوز لهم أن يعقدوه لأنه يكون تفريطاً في حق الأمة، وإعطاء للأعداء بغير سبب للإعطاء، وتقويتهم على المسلمين.

وهذه بعض الخسائر التي تحققت للمسلمين من وراء هذه المعاهدات:

1- أنها تطلق يد اليهود في أموال المسلمين، وتفتح أسواق المسلمين لهم، وترفع الحصار الاقتصادي عنهم، وبذلك تنمو تجارتهم ويستقوون بمال المسلمين على المسلمين، كما فعلوا ذلك في أمريكا وأوروبا فمع أن اليهود قلة في أمريكا بالنسبة لمجموع الشعب الأمريكي إلا أن الدورة الاقتصادية تكاد تكون جميعها بأيدي اليهود، وبالتالي ملكوا ناصية الحياة في أمريكا، واستعبدوا شعبها، وهذا المصير المؤلم سيكون مصيراً للعرب لو فتح لهم باب الدول العربية ليسيطروا على اقتصادها ويعبثوا بهذه الأمة كما عبثوا بالشعوب النصرانية، وجعلوها في خدمتهم وتحت أقدامهم.

ومما يؤسف له أن الشعوب العربية الإسلامية قد تخلى كثير منهم عن آداب الإسلام وأحكامه، وأصبحوا من الشعوب المسرفة التي تنفق أكثر مما تكسب، ولا تكاد تنتج عشر معشار ما تأكل وتركب وتلبس وتستعمل، واليهود عكس ذلك.. فهم أمة مدخرة منتجة عاملة وهذا سيجعلهم في النهاية سادة المسلمين وقادة العرب لأن أموال المسلمين ستحول بالضرورة لتكون بأيدي اليهود، ويصبح أبناء العرب غداً خداماً لليهود: عمالاً في مصانعهم، وفلاحين في مزارعهم، وموظفين صغاراً في مكاتبهم، وتجاراً بالمفرق لكبار تجارهم، ووكلاء صغاراً لشركاتهم، وخدماً لبيوتهم، وبنائين وعمالاً لعماراتهم.

2- دخول اليهود ليكونوا عضواً في جسم الدول العربية والأمة الإسلامية بعد أن نزعوا عنها مسمى الإسلام والعروبة، فالمنطقة العربية الإسلامية قد نزع عنها هذا الإسم وسميت باسم جديد هو «الشرق الأوسط» وهي تسمية تجعل دولة اليهود جزءاً من هذا «الشرق الأوسط» لأن موقعهم فيه، وهذا سيعطي اليهود صفة المواطنة في هذا الجزء من أرض الإسلام، بل والأخوة والصداقة، والجوار، والوحدة في إطار هذا «الشرق الأوسط» الذي قد تقوم فيه وحدة سوق، ووحدة سياسات وأهداف، وبالتالي يصبح اليهود جزءاً من هذا النسيج، ودخول اليهود إلى الجسم العربي والإسلامي على هذا النحو سيعطيهم حرية الحركة في بث سموم الفرقة والبغضاء بين المسلمين، وينشرون العقائد الزائفة والنحل الكافرة، وكل ما امتازوا به عبر التاريخ في هدم أعدائهم.

إن اليهود هم الساعون في الأرض بالفساد منذ ضلوا عن دين الله المنزل على موسى، ولعنهم الله ولعنوا على ألسنة جميع أنبيائه ورسله بعد موسى «لعن الذين كفروا من بني "إسرائيل" على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» (المائدة: 78). ولازال سعيهم بالفساد والإفساد إلى آخر الدنيا، وإلى أن يروجوا للدجال، ويمهدوا الأرض له على أنه الله ملك السموات والأرض، فكفار اليهود هم الذين قتلوا أنبياءهم، وسعوا في قتل عيسى بن مريم، ونجاه الله من مكرهم، وسعوا في قتل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ونجاه الله مراراً من ذلك، ثم كان موت أحد أصحابه بأثر السم الذي دسته امرأة منهم في طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعوا في إبطال دين الإسلام كما أبطلوا دين النصرانية، ولكنهم فشلوا في إبطال دين الإسلام، ولايزال هذا الدين قائماً إلى آخر الدنيا رغم دسائسهم، وإلى أن يبيدهم الله بأيدي المسلمين في آخر الزمان.

وهؤلاء اليهود الذين أصبحوا بهذه المعاهدات جزءاً من الوطن الإسلامي العربي الذي سموه «الشرق الأوسط» ستتيح لهم هذه المعاهدات أن ينفثوا سمومهم في أمة الإسلام، وأن يشعلوا الحروب الداخلية بين المسلمين بهدف تدميرهم وإذهاب قوتهم.. وسيفعلون ذلك آمنين مطمئنين لأنهم قد أصبحوا داخل البيت الإسلامي بعد أن كانوا -بنسبة ما- خارجه.

وغداً لو طبقت هذه الاتفاقات، فلا يوجد مكان يمكن أن يمنعوا منه إلا مكة والمدينة، وأما سائر بلاد الإسلام والعرب فستكون مسرحاً لمؤامراتهم وفسادهم.

فهل يقول عاقل إن هذه المعاهدات هي في صالح الإسلام والمسلمين في أمور دنياهم.

3- إن حقيقة المنافع التي لوح بها اليهود للمسلمين من وراء هذه المعاهدات إما أنها مضار خالصة، أو شيء تافه لا يقوم بما أخذوه وحصلوا عليه، فالتخلي عن حرب اليهود وعداوتهم هو مضرة خالصة لأنه ترك للدين، وإبطال للشرائع وهذا ضرر محض على المسلم، وأما أن السلام سيجلب المساعدات من الكفار للمسلمين فهذا ضرر كذلك لأن الكافر لا يساعد المؤمن مجاناً، ولا من أجل وجه الله، ومساعادت الكفار للمسلمين مشروطة بشرط من الذل والعار وترك الدين، وهدم الإسلام، وحرب الصالحين لا يرضاها من يخاف الله ويتقيه، وإما أن تكون قروضاً يرتهن فيها المسلمون لأعدائهم، ويقع المسلمون بها في شباك الربا المركب الذي يرهن اقتصادهم وثروتهم بالكفار وهذا ما فعله الكفار في بلاد المسلمين.

وأما ما سموه بالحكم الذاتي للفلسطينيين فهو نوع من الذل والإهانة حيث تصبح الأرض لليهود، وللفلسطينيين حكم أنفسهم في بعض شؤونهم على أرض اليهود وليس على أرضهم.

وقد كان الأولى أن يعيش أهل فلسطين في أرض فلسطين، وهم يعتقدون أنها أرضهم المغتصبة خيراً من أن يعيشوا على أرض فلسطين وهم يعتقدون أنهم قد تنازلوا عنها لليهود، وقد أصبحت أرضاً لليهود، ولأن يحكمهم اليهود بالفقر في جميع أمورهم، وهم كارهون معادون لهم خير من أن يحكموا أنفسهم في بعض الأمور الصغيرة ويتركوا كل الأمور الخطيرة بأيدي اليهود طوعاً وتنازلاً من الفلسطينيين لهم.

والخلاصة:

أن الخسائر الدنيوية والمفاسد العاجلة لهذه المعاهدات لا تحصى كثرة مع منافع إما أنها موهومة كالأمن والرخاء، وأما أنها قليلة عديمة المنافع، وفي المقابل تخلى المسلمون لليهود في هذه المعاهدات عن دينهم وعزتهم وكرامتهم وأرضهم ومقدساتهم... فأي كسب يعدل هذه الخسائر؟