عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 02-11-2005, 04:22 PM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي التطرف في المنهج والرؤوس لا في الضمائر

التطرف في المنهج والرؤوس لا في الضمائر


يوسف القرضاوي - 08/09/2005 - [التعدد والاختلاف]



* كلمة القرضاوي أمام ملتقى (اقرأ) بشرم الشيخ

جاءت كلمة الشيخ يوسف القرضاوي أمام مؤتمر إقرأ الفقهي المنعقد في شرم الشيخ في إطار المحور الأول للمؤتمر والذي يدور حول الإجابة على عدة تساؤلات يأتي في مقدمتها الجهاد والإرهاب: توافق أم تناقض؟

ويطالب الشيخ القرضاوي بضرورة تحديد هذه المفاهيم أولاً، محذراً من دوافع القوى الصهيونية والأمريكية والغربية بصفة عامة قائلاً : " قبل بيان الموقف الشرعي من هذا التساؤل يجب علينا- قبل كل شيء- تحديد هذه المفاهيم والمصطلحات التي تجرى على الألسن، وتسيل بها الأقلام، دون أن يعرف الناس لها مدلولاً محدداً، أو تعريفاً جامعاً مانعاً؛ يزيل عنها كل لبس، ويوضحها لعامة الناس توضحاً كافياً.

فإن القوى الصهيونية والأمريكية والغربية بصفة عامة، تجعل الدفاع عن الوطن من الإرهاب، والمدافعين عن أوطانهم من الإرهابيين.وعلى هذا الأساس، أدخلوا جماعات المقاومة للاحتلال الصهيوني في قائمة الإرهابيين، مثل: حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجماعة (الجهاد الإسلامي) وفصائل المقاومة المختلفة في فلسطين، وكذلك (حزب الله ) في لبنان. كل هؤلاء إرهابيين!

وهؤلاء جميعاً يقومون بما يسميه الفقهاء ( جهاد الدفع) ويعنون به: دفع العدو الذي غزا بلدهم بكل ما يستطيعون، وقد أجمع الفقهاء من جميع المذاهب، وخارج المذاهب، على أن هذا الجهاد فرض عين، للذود عن دار الإسلام، وأرض الإسلام.

وفي هذا الجهاد تسقط الحقوق الفردية أمام حق الأمة العام، في تحرير أرضها، وطرد عدوها عنها، وفي هذا قالوا: تخرج المرأة لهذه المقاومة أو هذا النفير العام، ولو بغير إذن زوجها، والابن بغير إذن أبيه، والخادم بغير إذن سيده، لأن الزوج أو الأب أو السيد إذا منعهم من هذا الجهاد يمنعهم من أداء ما فرض عليهم، وهذا يعدّ أمراً محرماً، وهو معصية ظاهرة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وقد دعا القرضاوي علماء الأمة إلى ضرورة الوقوف بشدة أمام هذه الدوافع الخبيثة قائلاً: " ويجب على علماء الشرع أن يقفوا بشدة ضد التوجه الصهيوني والأمريكي في تجريم المقاومة للاحتلال، واعتبار ذلك من الإرهاب الذي يجب إعلان الحرب عليه. ولا بد للعلماء أن يكون بيانهم صريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غبش: أن من حق من احتلت أرضه – بل من واجبه الشرعي- أن يدافع عن أرضه التي هي أرض الإسلام، بكل ما يستطيع من قوة، ولو كان ذلك عن طريق العمليات الإستشهادية، التي جعلها الله سلاح الضعفاء في مقابلة الأقوياء المستكبرين. وعلى المسلمين جميعاً أن يعاونوا هؤلاء بالمال والسلاح والرجال، على حسب حاجتهم، لأنهم أمة واحدة " يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على ما سواهم"(1) وكل جزء من أوطان المسلمين، يعتبر جزءاً من (دار الإسلام) التي يجب على المسلمين جميعاً أن يحموها ويدافعوا عنها بالأنفس والأموال.وهنا يظهر لنا تساؤل هام ألا وهو :

هل يجوز لجماعة من المسلمين أن تعلن الحرب على الغير دون موافقة ولي الأمر، أو مجموع المسلمين؟

وأجاب القراضاوي قائلاً أن الأصل في الجهاد أن يكون بإذن ولي الأمر الشرعي الذي ارتضاه المسلمون إماماً لهم يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله؛ لما يترتب على الجهاد من أعباء وأخطار في الأنفس والأموال والحرمات. فلا يجوز أن يوكل إلى إرادات الأفراد وأهوائهم ونزعاتهم الخاصة . قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) النساء:59. وقال سبحانه فيما يتعلق بشؤون الأمن والخوف، أو السلم والحرب وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء:83. وقال رسوله عليه الصلاة والسلام:" "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني" (2).

بل قرر العلماء: أنه يجوز الجهاد مع ولي الأمر الفاسق ما دام قوياً قادراً على الجهاد، فإن فسقه على نفسه، وقوته للمسلمين، ولهذا قالوا: يجهاد مع كل بر وفاجر، ولا سيما (جهاد الطلب) أي جهاد الأعداء في ديارهم، فهذا يتحتم فيه بالإجماع موافقة ولي الأمر. إذ قد يرخص بعض العلماء في ( جهاد الدفع) والمقاومة: أن يتم بدون إذن أولي الأمر، لأنه كما قال ابن تيمية: جهاد اضطرار لا جهاد اختيار(3). وخصوصاً إذا تقاعس ولي الأمر عن القيام بالجهاد المفروض، أو تعاون مع الغزاة ووالى أعداء الله، فله حكمهم في هذه الحالة، كما قال تعالىوَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) المائدة:51.

ولكن المشكلة في (فقه جماعات العنف): أنهم يتهمون الحكومات القائمة في الدول الإسلامية بصفة عامة: أنها حكومات غير شرعية. لهذا لا يطلب إذنها، بل هم يوجبون محاربتها، والخروج عليها، فكيف يطلبون إذنها؟

ولهذا ينبغي مناقشتهم في هذا الفقه نفسه، والأصول التي بنوا عليها تكفير هذه الحكومات، واستباحة عصيانها والخروج عليها بالسلاح.

وهذا ما يناقشه الفقه الإسلامي في كتاب ( البغاة) وهم الخارجون على الإمام بتأويل، كما ناقش الفقه هذا عند بيان مسألة التكفير وضوابطه.


* الإسلام يحرم ترويع الآمنين:

وحول تساؤله، هل من الجهاد ترويع وقتل المسلمين، وإتلاف ممتلكاتهم ؟

يوضح أن ترويع الآمنين أمر محرم في الإسلام. فمن حق كل إنسان أن يعيش آمناً على نفسه، وعرضه، وماله، وأهله، وسائر حرماته. ولا يجوز تخويفه وترويعه بأي صورة من الصور، ولو على سبيل المداعبة.

وقد روى عن النعمان بن بشير: أنهم كانوا في سفر مع النبيr، وكان رجل من الصحابة معه كنانة فيها سهام له، قد وضعها تحت رأسه، فأخذته سنة من النوم، فأراد بعض الصحابة أن ينتزع سهماً من كنانته ، فانتبه الرجل فزعاً حينما أحس بذلك، فقال r :" لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً"(4).

هذا مع أنه فعلها على سبيل المزاح والمداعبة.

وقوله "يروع مسلماً" لأن القصة حدثت بين مسلم ومسلم، ولكن هذا لا يعني أن يروع المسلم غير المسلم، فإن ذلك لا يجوز، والأصل في ذلك قوله r:" المؤمن من أمنه الناس على دماءهم وأموالهم"(5).

وإذا كان الترويع لا يجوز، فكيف بقتل النفس وإراقة الدماء؟ إن هذا من أكبر الكبائر وأعظم ما يوجب غضب الله تعالى ولعنته قال تعالى وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) النساء 93.

وفي الحديث " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم"(6). رواه النسائي.

وكما حرّم الإسلام دم المسلم، حرّم ماله وعرضه " كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله"(7).

السؤال الثالث: هل من الجهاد قتل الأجنبي ـ ولو كان من الحربيين ـ إذا دخل بأمان من الدولة، أو من آحاد المسلمين؟

والجواب: أن من أمنه المسلمون من الحربيين، لا يجوز قتله ولا الاعتداء عليه في نفسه أو ماله أو أهله ، ولو كان الذى أمنه فرداً عادياً من المسلمين ، رجلاً أو امرأة ، أو حتى عبداً من رقيقهم.

وقد ثبت فى الحديث: أن أم هانئ بنت أبى طالب أمنت رجلاً من أحمائها من المشركين ، وأراد شقيقها علي بن أبى طالب أن يقتله ، فشكت ذلك إلى رسول الله r فقال لها: ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)(8).

وقد أخذ العلماء من ذلك: أن إعطاء المرأة للجوار أو الأمان ، يجب أن يُراعى ولا يخترق ، وأن على الدولة المسلمة أن تحترم ذلك.

ولذلك، يجب حماية كل الأجانب الذين يدخلون بأمان من المسلمين، ما دامت معهم تأشيرة الدخول التي تعطيها الدولة عادةً، أو ما يقوم مقامها فى ذلك.

ولهذا كان الاعتداء على (السياح) الذين يدخلون ديار الإسلام مستأمنين محرماً شرعاً ، لأنهم فى ضيافة المسلمين وحمايتهم، وقد أعطاهم هذا الأمان عهداً مؤقتاً لا يجوز أن ينكث ، وفى الصحيح:" من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة"(9).

السؤال الرابع: هل الصحيح هو الجمع بين آيات الجهاد أم نسخ بعضها ببعض ؟

وهل الصحيح فى زمن قوتنا: أن ننسخ كل رحمة، وكل صفح وكل عفو؟

وفى زمن ضعفنا: نمحو دلالة كل آية فيها وجوب مقاومة المعتدي؟؟

والجواب: أن الأصل المتفق عليه بين أهل الفقه والأصول: أن لا نلجأ إلى القول بالنسخ - بل القول بالترجيح – بين النصوص، إلا بعد أن نعجز عن الجمع بينها.

فالجمع بين النصوص هو الأصل، لأنه يقوم على إعمال النصوص كلها، دون إلغاء بعضها بالنسخ أو الترجيح. ولا سيما النسخ الذى هو إبطال لمفعول النص ، بحيث يبقى لفظه، ويرتفع حكمه، فكأن وجوده لاغٍ أو معدوم!

ومن قرأ القرآن الكريم بتدبر، وجد فيه عشرات الآيات التي تدعو إلى الدعوة بالرفق واللين، والجدال بالحسنى، والصبر على الأعداء، والصفح عنهم، وعدم بدءهم بالعدوان، وقتال من يقاتل المسلمين منهم، والاعتداء عليهم بمثل ما اعتدوا على المسلمين، وكف اليد عنهم إذا كفوا عن المسلمين وألقوا السلم، وتحريم الاعتداء عليهم حينذاك، والترغيب في بر المسالمين منهم والإقساط إليهم، وإجابتهم إذا دعوا إلى السلم أو جنحوا له، واحترام عهودهم ومواثيقهم..إلى آخر الآيات الكثيرة التي تصب في هذا الاتجاه.

ولكننا وجدنا العلماء أمام هذه النصوص تقف مواقف متباينة، منهم من قضى على هذه النصوص بكلمة واحدة، في غاية السهولة والبساطة، وهي: أنها منسوخة.

وما الذى نسخها؟

نسختها آية واحدة، وهي التى قالوا عنها: آية السيف!

وما آية السيف هذه؟

اختلفوا فيها فقال بعضهم: هي قوله تعالى فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(التوبة:5.