[ إسلام ابن كيسان وموت عثمان كافرا ]
[ إسلام ابن كيسان وموت عثمان كافرا ]
فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا . وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا .
[ طمع ابن جحش في الأجر وما نزل في ذلك ]
فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا : يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم فوضعهم الله عز وجل من ذلك على أعظم الرجاء . والحديث في هذا عن الزهري ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير . قال ابن إسحاق : وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش : أن الله عز وجل قسم الفيء حين أحله فجعل أربعة أخماس لمن أفاءه الله وخمسا إلى الله ورسوله فوقع على ما كان عبد الله بن جحش صنع في تلك العير . قال ابن هشام : وهي أول غنيمة غنمها المسلمون . وعمرو بن الحضرمي أول من قتله المسلمون وعثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون .
[ غزوة بدر الكبرى ]
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلا من الشأم في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تجاراتهم وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو أربعون منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام .
[ ندب المسلمين للعير وحذر أبي سفيان ]
قال ابن هشام : ويقال عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن مسلم الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن عباس ، كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر ، قالوا : لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ، ندب المسلمين إليهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها . فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمر الناس . حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك . فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمر أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه . فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة .
[ ذكر رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب ]
قال ابن إسحاق : فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ، ويزيد ابن رومان ، عن عروة بن الزبير ، قالا : وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب ، قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها . فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي ، والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني ، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك به فقال لها : وما رأيت ؟ قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ، ثم صرخ بمثلها : ألا انفروا يا لغدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها . ثم أخذ صخرة فأرسلها . فأقبلت تهوي ، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منها فلقة قال العباس والله إن هذه لرؤيا ، وأنت فاكتميها ، ولا تذكريها لأحد .
[ الرؤيا تذيع في قريش ]
ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وكان له صديقا ، فذكرها له واستكتمه إياها . فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث بمكة حتى تحدثت به قريش في أنديتها .
[ ما جرى بين أبي جهل والعباس بسبب الرؤيا ]
قال العباس فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا ، فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال لي أبو جهل يا بني عبد المطلب ، متى حدثت فيكم هذه النبية ؟ قال قلت : وما ذاك ؟ قال تلك الرؤيا التي رأت عاتكة ; قال فقلت : وما رأت ؟ قال يا بني عبد المطلب ، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقا ما تقول فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب . قال العباس فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا . قال ثم تفرقنا .
[ نساء عبد المطلب يلمن العباس للينه مع أبي جهل ]
فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني ، فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غير لشيء مما سمعت ، قال قلت : قد والله فعلت ما كان مني إليه من كبير . وايم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفينكنه .
[ العباس يقصد أبا جهل لينال منه فيصرفه عنه تحقق الرؤيا ]
قال فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة ، وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه . قال فدخلت المسجد فرأيته ، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به وكان رجلا خفيفا ، حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر . قال إذ خرج نحو باب المسجد يشتد . قال فقلت في نفسي : ما له لعنه الله أكل هذا فرق مني أن أشاتمه قال وإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري ، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث . قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر .
|