[ تفسير ابن هشام لبعض الغريب ]
قال ابن هشام : المكاء الصفير . والتصدية التصفيق . قال عنترة بن عمرو ( ابن شداد ) العبسي
ولرب قرن قد تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الأعلم
يعني : صوت خروج الدم من الطعنة كأنه الصفير . وهذا البيت في قصيدة له . وقال الطرماح بن حكيم الطائي :
لها كلما ريعت صداة وركدة بمصدان أعلى ابني شمام البوائن
وهذا البيت في قصيدة له . يعني الأروية يقول إذا فزعت قرعت بيدها الصفاة ثم ركدت تسمع صدى قرعها بيدها الصفاة مثل التصفيق . والمصدان الحرز . وابنا شمام جبلان . قال ابن إسحاق : وذلك ما لا يرضي الله عز وجل ولا يحبه ولا ما افترض عليهم ولا ما أمرهم به فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون أي لما أوقع بهم يوم بدر من القتل .
[المدة بين يا أيها المزمل وبدر ]
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد عن عائشة قالت ما كان بين نزول يا أيها المزمل وقول الله تعالى فيها : وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما إلا يسير حتى أصاب الله قريشا بالوقعة يوم بدر .
[ ما نزل فيمن عاونوا أبا سفيان ]
قال ابن إسحاق : ثم قال الله عز وجل إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون يعني النفر الذين مشوا إلى أبي سفيان وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة فسألوهم أن يقووهم بها على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا .
ثم قال قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا لحربك فقد مضت سنة الأولين أي من قتل منهم يوم بدر .
[ الأمر بقتال الكفار ]
ثم قال تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله أي حتى لا يفتن مؤمن عن دينه ويكون التوحيد لله خالصا ليس له فيه شريك ويخلع ما دونه من الأنداد فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا عن أمرك إلى ما هم عليه من كفرهم فاعلموا أن الله مولاكم الذي أعزكم ونصركم عليهم يوم بدر في كثرة عددهم وقلة عددكم نعم المولى ونعم النصير
[ ما نزل في تقسيم الفيء ]
ثم أعلمهم مقاسم الفيء وحكمه فيه حين أحله لهم فقال واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير
أي يوم فرقت فيه بين الحق والباطل بقدرتي يوم التقى الجمعان منكم ومنهم إذ أنتم بالعدوة الدنيا من الوادي وهم بالعدوة القصوى من الوادي إلى مكة والركب أسفل منكم أي عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها عن غير ميعاد منكم ولا منهم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد أي ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما لقيتموهم ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي ليقضي ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الكفر وأهله عن غير بلاء منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه ثم قال ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآية والعبرة ويؤمن من آمن على مثل ذلك .
[ ما نزل في لطف الله بالرسول ]
ثم ذكر لطفه به وكيده له ثم قال إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور فكان ما أراك من ذلك نعمة من نعمه عليهم شجعهم بها على عدوهم وكف بها عنهم ما تخوف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم .
قال ابن هشام : تخوف مبدلة من كلمة ذكرها ابن إسحاق ولم أذكرها وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته .
[ ما نزل في وعظ المسلمين وتعليمهم خطط الحرب ]
ثم وعظهم وفهمهم وأعلمهم الذي ينبغي لهم أن يسيروا به في حربهم فقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة تقاتلونهم في سبيل الله عز وجل فاثبتوا واذكروا الله كثيرا الذي له بذلتم أنفسكم والوفاء له بما أعطيتموه من بيعتكم لعلكم تفلحون .
وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا أي لا تختلفوا فيتفرق أمركم وتذهب ريحكم أي وتذهب حدتكم واصبروا إن الله مع الصابرين أي إني معكم إذا فعلتم ذلك ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس أي لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه الذين قالوا : لا نرجع حتى نأتي بدرا فننحر بها الجزر وتسقى بها الخمر وتعزف علينا فيها القيان وتسمع العرب : أي لا يكون أمركم رياء ولا سمعة ولا التماس ما عند الناس وأخلصوا لله النية والحسبة في نصر دينكم وموازرة نبيكم لا تعملوا إلا لذلك ولا تطلبوا غيره .
ثم قال تعالى : وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
قال ابن هشام : وقد مضى تفسير هذه الآية .
قال ابن إسحاق : ثم ذكر الله تعالى أهل الكفر وما يلقون عند موتهم ووصفهم بصفتهم وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم عنهم حتى انتهى إلى أن قال فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون أي فنكل بهم من ورائهم لعلهم يعقلون وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم إلى قوله تعالى : وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون أي لا يضيع لكم عند الله أجره في الآخرة وعاجل خلفه في الدنيا ثم قال تعالى : وإن جنحوا للسلم فاجنح لها أي إن دعوك إلى السلم على الإسلام فصالحهم عليه وتوكل على الله إن الله كافيك إنه هو السميع العليم
وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو من وراء ذلك . هو الذي أيدك بنصره بعد الضعف وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم على الهدى الذي بعثك الله به إليهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم بدينه الذي جمعهم عليه إنه عزيز حكيم
ثم قال تعالى : يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون أي لا يقاتلون على نية ولا حق ولا معرفة بخير ولا شر .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عباس قال لما نزلت هذ الآية اشتد على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مئتين ومئة ألفا ، فخفف الله عنهم فنسختها الآية الأخرى ، فقال الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين قال فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم
[ ما نزل في الأسارى والمغانم ]
قال ابن إسحاق : ثم عاتبه الله تعالى في الأسارى ، وأخذ المغانم ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنما ، من عدو له .
قال ابن إسحاق : حدثني محمد أبو جعفر بن علي بن الحسين ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأعطيت جوامع الكلم وأحلت لي المغانم ولم تحلل لنبي كان قبلي ، وأعطيت الشفاعة خمس لم يؤتهن نبي قبلي
قال ابن إسحاق : فقال ما كان لنبي أي قبلك أن يكون له أسرى من عدوه حتى يثخن في الأرض أي يثخن عدوه حتى ينفيه من الأرض تريدون عرض الدنيا أي المتاع الفداء بأخذ الرجال والله يريد الآخرة أي قتلهم لظهور الدين الذي يريد إظهاره والذي تدرك به الآخرة لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم أي من الأسارى والمغانم عذاب عظيم أي لولا أنه سبق مني أني لا أعذب إلا بعد النهي ولم يك نهاهم لعذبتكم فيما صنعتم ثم أحلها له ولهم رحمة منه وعائدة من الرحمن الرحيم فقال فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم
ثم قال يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم
|