قتل مخيريق
قال ابن إسحاق : وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق ، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون قال لما كان يوم أحد ، قال يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق ، قالوا : إن اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم .
فأخذ سيفه وعدته وقال إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - مخيريق خير يهود
[ أمر الحارث بن سويد ]
قال ابن إسحاق : وكان الحارث بن سويد بن صامت منافقا ، فخرج يوم أحد مع المسلمين فلما التقى الناس عدا على المجذر بن ذياد البلوي وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة ، فقتلهما ، ثم لحق بمكة بقريش وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به ففاته فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه الجلاس بن سويد يطلب التوبة ليرجع إلى قومه . فأنزل الله تعالى فيه فيما بلغني ، عن ابن عباس : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين إلى آخر القصة .
[ تحقيق ابن هشام فيمن قتل المجذر ]
قال ابن هشام : حدثني من أثق به من أهل العلم أن الحارث بن سويد قتل المجذر بن ذياد ولم يقتل قيس بن زيد والدليل على ذلك أن ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد ; وإنما قتل المجذر لأن المجذر بن ذياد كان قتل أباه سويدا في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من هذا الكتاب . فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه إذ خرج الحارث بن سويد من بعض حوائط المدينة ، وعليه ثوبان مضرجان فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ، فضرب عنقه ويقال بعض الأنصار .
قال ابن إسحاق : قتل سويد بن الصامت معاذ بن عفراء غيلة في غير حرب رماه بسهم فقتله قبل يوم بعاث
[ أمر أصيرم ]
قال ابن إسحاق : وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة قال كان يقول حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط ، فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو ؟ فيقول أصيرم ، بني عبد الأشهل ، عمرو بن ثابت بن وقش
قال الحصين فقلت لمحمود بن أسد : كيف كان شأن الأصيرم ؟ قال كان يأبى الإسلام على قومه . فلما كان يوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد بدا له في الإسلام فأسلم ثم أخذ سيفه فعدا حتى دخل في عرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة . قال فبينا رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا : والله إن هذا للأصيرم ما جاء به ؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث فسألوه ما جاء به فقالوا : ما جاء بك يا عمرو ؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام ؟ قال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ثم أخذت سيفي ، فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني ، ثم لم يلبث أن مات في أيديهم . فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمن أهل الجنة
[ مقتل عمرو بن الجموح ]
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن أشياخ من بني سلمة أن عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج ، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا له إن الله عز وجل قد عذرك ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه . فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك ، وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد
[ تحريض عمر لحسان على هجو هند بنت عتبة ]
قال ابن إسحاق : فحدثني صالح بن كيسان أنه حدث أن عمر بن الخطاب قال لحسان بن ثابت يا ابن الفريعة - قال ابن هشام : الفريعة بنت خالد بن خنيس ويقال : خنيس ابن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج - لو سمعت ما تقول هند ، ورأيت أشرها قائمة على صخرة ترتجز بنا ، وتذكر ما صنعت بحمزة ؟ قال له حسان والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وأنا على رأس فارع - يعني أطمه - فقلت : والله إن هذه لسلاح ما هي بسلاح العرب ، وكأنها إنما تهوي إلى حمزة ولا أدري ، لكن أسمعني بعض قولها أكفكموها ، قال فأنشده عمر بن الخطاب بعض ما قالت فقال حسان بن ثابت :
أشرت لكاع وكان عادتها لؤما إذا أشرت مع الكفر
قال ابن هشام : وهذا البيت في أبيات له تركناها ، وأبياتا أيضا له على الدال . وأبياتا أخر على الذال لأنه أقذع فيها .
[ استنكار الحليس على أبي سفيان تمثيله بحمزة ]
قال ابن إسحاق : وقد كان الحليس بن زبان أخو بنو الحارث بن عبد مناة ، وهو يومئذ سيد الأبيش ، قد مر بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح ويقول ذق عقق فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما ؟ فقال ويحك اكتمها عني ، فإنها كانت زلة .
[ شماتة أبي سفيان بالمسلمين بعد أحد وحديثه مع عمر ]
ثم إن أبا سفيان بن حرب حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته فقال أنعمت فعال وإن الحرب سجال يوم بيوم أعل هبل أي أظهر دينك ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عمر فأجبه ، فقل الله أعلى وأجل ، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . فلما أجاب عمر أبا سفيان قال له أبو سفيان هلم إلي يا عمر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر ائته فانظر ما شأنه ; فجاءه فقال له أبو سفيان أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا ؟ قال عمر اللهم لا ، وإنه ليسمع كلامك الآن قال أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر لقول ابن قمئة لهم إني قد قتلت محمدا .
قال ابن هشام : واسم ابن قمئة عبد الله .
[ توعد أبي سفيان المسلمين ]
قال ابن إسحاق : ثم نادى أبو سفيان : إنه قد كان في قتلاكم مثل والله ما رضيت ، وما سخطت ، وما نهيت وما أمرت . ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى : إن موعدكم بدر للعام القابل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه قل نعم هو بيننا وبينكم موعد
[ خروج علي في آثار المشركين ]
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، فقال اخرج في آثار القوم ، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة ، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم قال علي : فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة .
[ أمر القتلى بأحد ]
وفرغ الناس لقتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أخو بني النجار من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق . قال فقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال أنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم ومنكم عين تطرف قال ثم لم أبرح حتى مات قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره .
قال ابن هشام : وحدثني أبو بكر الزبيري أن رجلا دخل على أبي بكر الصديق ، وبنت لسعد بن الربيع جارية صغيرة على صدره يرشفها ويقبلها ، فقال له الرجل من هذه ؟ قال هذه بنت رجل خير مني ، سعد بن الربيع ، كان من النقباء يوم العقبة ، وشهد بدرا ، واستشهد يوم أحد
[ حزن الرسول على حمزة وتوعده المشركين بالمثلة ]
قال ابن إسحاق : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني ، يلتمس حمزة بن عبد المطلب ، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه . فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى ما رأى : لولا أن تحزن صفية ، ويكون سنة من بعدي لتركته ، حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم . فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا : والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب .
قال ابن هشام : ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة قال لن أصاب بمثلك أبدا ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا ثم قال جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب ، أسد الله وأسد رسوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وأبو سلمة بن عبد الأسد ، إخوة من الرضاعة أرضعتهم مولاة لأبي لهب .
[ ما نزل في النهي عن المثلة ]
قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي ، وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس : أن الله عز وجل أنزل في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة
قال ابن إسحاق : وحدثني حميد الطويل عن الحسن عن سمرة بن جندب ، قال ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة
[ صلاة الرسول على حمزة والقتلى ]
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن مقسم ، مولى عبد الله بن الحارث ، عن ابن عباس ، قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتي بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة
[ صفية وحزنها على حمزة ]
قال ابن إسحاق : وقد أقبلت فيما بلغني ، صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه وكان أخاها لأبيها وأمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام : القها فأرجعها ، لا ترى ما بأخيها ; فقال لها : يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي ، قالت ولم ؟ وقد بلغني أن قد مثل بأخي ، وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله . فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك قال خل سبيلها ، فأتته فنظرت إليه فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن
|