عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 20-11-2005, 09:43 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي ما الذي يحدث ؟؟؟ !!!

[align=justify][font=Simplified Arabic]
ما الذي يحدث ..؟!


منذ ما يزيد عن الأربعة عقود دخل مدينة طرابلس لأول مرة.. كمواطن عائد من هجير هجرة طال أمدها أو قصر من أسرة إنحدرت من جبالها الشامخة وبواديها الشاسعة... و كما يقول المؤرخون الأفاضل ، من بطون بني سليم .. يتأبط آلاما و آمالا طويت في الفؤاد والنفس وحفرت في ذاكرتيهما.
كان مفعما ممتلأ بالنشاط والحماس والأمل بالعودة إلى الوطن الأم ... وكانوا هم تأشيرة دخوله إليه.
منذ ما يزيد عن الأربعة عقود لم تكن طرابلس بالنسبة له سوى جنة يحلم بها، لذا لم يتجاسر وهو يسير على آماله تلك وفتنته بها أن يعطيها كل ما لديه . فسكنها ، صفيحا وجدرانا وقرر أن لا يخرج منها إلا إلى قبره.. وأن لا يدفن إلا في ترابها حتى يشبع لحمه ، مثلما رواه الأجداد ماء ودما.
كانت البساتين تعبق الأنفاس بعبيرها. ومساجدها العتيقة تعج بالمصلين في كل الأوقات.. وتتربع على شاطئها السراي وقرونا عميقة في التاريخ ، ثرية بما فيها...
كانت شوارعها القديمة ذات بهاء وجمال ، وأزقتها ممرا لحكايات لا تغيب...
منذ أربعة عقود غمرته هذه الفاتنة الكريمة بفيض من الحنان كأنها أمه ، وأم كل العائدين وهي تضمد جروحه وتربت على أوجاعه برأفة لم يتعودها، وهو الجافل من ضراوة الغربة المؤلمة، وليس لديه سوى ما حفره الضيم من كلمات صهرت كبده وفؤاده...
منذ عرف النور عشق طرابلس فكبر عشقها حتى صار دما يجري في عروقه ولحما يغطي جسده... فجعلها قدره المؤبد الذي لا إنفكاك منه ، و ملاذه الآمن ، وجدثه الذي ينسلّ منه إلى ربه يوم بعثه ....!
ففي طرابلس تناثرت روحه ، وبين أبوابها المتعددة ، من باب قرقارش إلى باب عكارة إلى بن غشير إلى باب تاجوراء إلى باب الجديد إلى باب بحر إلى باب الحرية ، وبين مناراتها و أضرحة أوليائها وأبراجها ، من بالأشهر إلى سيدي الشعاب إلى سيدي منيدر إلى سيدي الهدار إلى سيدي حامد إلى سيدي عبدالجليل ..... إلى برج بوليلة وجامع بنت البي ... إستعاد ذاكرة أبيه الذي طالما رسم بآهاته أروقة أسواقها ، من سوق الثلاثاء إلى سوق تاجوراء... ومعاركها من معركة سيدي على الهاني إلى معركة قرقارش... ورجالها الذين هتفوا آنذاك " مرحب بالجنة جت تتدنى ".........
طرابلس التي من أجلها منذ أكثر من أربعين دهرا وهو يمشي على ترابها وفي شوارعها وأزقتها التي كان الإنتقال فيها من بلوزة بالهضبة الخضراء إلى غوط الشعال يعتبر مغامرة تشد لها الرحال أيام كان شابا "بزرّد" هناك.. حيث كان التنقل مشيا على الأقدام في رمال لها عتاياتها...
فما الذي يحدث ؟ !
ليس بالضرورة هاما جدا أن تعرف الإجابة الكافية الشافية. ولكنه أزلي على نحو ما ، وعلى نحو آخر يحوي دهشة أكثر مما تجرجره إشارة الإستفهام.
ما يخلخل الآمال ليس بالضرورة الدنيا التي كان عليها أن تكون أجمل وأكثر إشراقا ، وإستيعابا بالكائنات التي يعول عليها الكثيرين في تحقيق معيشة مستورة هانئة هادئة.
فماذا يجري ؟
الذي ليس من أصول طرابلس ( مقيدا في السجل المدني بطرابلس ) لا يحق له العمل فيها .. فهل سيحل به يوما ما عدم العيش في أحضانها بعد أن أعطاها عمره، طفولة وشبابا وكهولة وحتى شيخوخة !؟. وهل سيلغى حقه في الحياة فيها والموت فيها والدفن فيها؟ !. هل هذا هو الوفاء لمن ساهم في إعمار طرابلس؟!!
ويتبادر للذهن هنا سؤالا آخر . هل سيلغى من الأمس ومن كونه كان موجودا بها بين مسارب مزارعها وأزقتها وأرصفة شوارعها وصفيح أكواخها وجدران بيوتها ؟ !.
وهل لن يوجد له قبرا يضمه بعد أن أعطاها عمره..؟ !
وهل سيصير إيجاد قبر للمواطن الوافد إلى طرابلس قضية مثلما هو الحال الآن في تعيين الخريجين والخريجات في الوظائف العامة ؟ !.
فأي حلم يمكن أن يستدرج ، وأي نافذة يمكن أن تفتح عن آخرها ؟ وبأي مكان سيخبيء أوهامه التي ساورته عمرا كاملا ترسم دروبا جميلة جذابة...
ماذا سيخبر أبنائه وأحفاده حينما تسأله عيونهم عن طرابلس وبماذا أفادته ؟ ويطرحون مطالبهم من الدنيا ليعملوا ويشقـّوّا طرقهم... وبماذا أفادت ولادتهم و ترعرعهم وتعلمهم وتعلقهم بطرابلس وإقامته وحياته وحياتهم فيها مستقبلهم الذي ضيعه ؟ !.
أليس لديه سوى أن يقول مغازلا إياهم ، إن للخير جولة .. وللطمأنينة جولة ... وللإنسانية جولة .. و.. إستعينوا بالصبر والصلاة ..إلخ .... من الألفاظ التي تبعث على التفاؤل والأمل على أن تنقل صورة مؤسسات تشتعل كراهية وحقدا وعبقرة في التعقيد والتدمير والإمتهان.. إلخ ... من الألفاظ التي تطير العقل وتدفع للإنتحار...
قد يشعر القاريء الكريم أن هذا كلام مبالغ فيه ، لكن هذا هو الواقع .!
إلا أن كاتبه لا يطلب إلا شيئا معقولا واحدا بعد أن عاش ما عاش ورأى ما رأى وسمع ما سمع ، ولم يبق له من العمر إلا القليل ، ولن يعيش أكثر مما عاش.. هو أن يقبض عليه الموت في طرابلس ، ويدفن في تراب طرابلس ليأكل حشاشة لحمه فيشبع منه مثلما إرتوى بدماء الأجداد والآباء الذين لم ينساهم الأوفياء من أبنائهم وأحفادهم.
فكاتبه في الواقع ليس سوى إنسانا بائسا كان قدره أن يبحث عن موقف في غابة إسمها الدنيا ومدينة سماها عروس الشواطيء وسيدة المدن .
ثم متمثلا بقول شيخنا الكريم الوفي خليفة التليسي في قصيدته الرائية " وقف عليها الحب"
فوقف عليها الحب شدت قيدنا ، أم أطلقت للكون فينا مشاعرا
ووقف عليها الحب ساقط نخلها رطبا جنيا ، أم حشيفا ضامرا
ووقف عليها الحب أمطر غيمها ، أم شح ، أو نسيت محبا ذاكرا
ووقف عليها الحب كرمى عينها ، تحلو منازلة الخطوب حواسرا
تفدي العيون جبينهــا ولو أنها تبدي لنا دلاّ وطبعــــا نافرا
الرد مع إقتباس