عرض مشاركة مفردة
  #54  
قديم 26-11-2005, 05:59 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

من يقوم بصياغة الأيديولوجيات :

نجد أنفسنا قريبين من مصطلح على صلة كبيرة مما نحن بصدد مناقشته .انه مصطلح ( الوعي ) .. وهو مصطلح يستخدم بكثرة ، في المناقشات السياسية ، وسنمر عليه لنجعل من حالة التأسيس للمضي بالفكرة الى نهايتها ، شيئا خاليا من نقاط الخلاف على قدر الإمكان ..

فالوعي هو القدرة على إنتاج صورة و إعادة تركيبها ، وهذا يصلح لمناقشة الوعي الماضوي ( أي المنسوب للماضي ) ، وعندما يكون الماضي قريب ، مثلا عقدين أو ثلاثة أو خمسة ، فان ذاكرة الفرد تعود لإنتاج تلك الصورة التي حدثت كعراك بالحي أو موت شخص بطريقة معينة ، فان ذلك سيتم إعادة انتاج صوره بشيء من التفصيل كلما كانت الحادثة لها وقع حاد في وقتها .. ولكن يتم نسيان وجبة الغداء أو لون قميص شخص أو هل كان يركب سنا من الذهب أو غيره .

في حالة الماضي البعيد ، فان كثيرا من التفاصيل ستسقط ، ولكن يعاد انتاج الصورة بإمكانيات مختلفة ، فمعركة أحد التي مر عليها أكثر من أربعة عشر قرنا ، سيتم تصورها ، من حيث كيفية مسارها و كيف استغلال الجيب الذي كان مكلفا به خالد ابن الوليد وحسمه للمعركة ..

ان إعادة تشكيل الصور القديمة ، يعتمد على قدر كبير من الثقافة ، فاذا أراد مؤلف سينمائي أو مخرج أن يعيد انتاج صور قديمة ، عليه أن يكون مطلعا على نمط المباني و الملابس والاسلحة ووسائط النقل القديمة من خلال مطالعاته الكثيرة .. فكلما كانت ثقافة من يريد أن يصيغ نصا أيديولوجيا ، ثقافة متنوعة وواسعة كلما كانت الصور التي يعيد انتاجها أقرب للحقيقة ..

أما من يريد أن ينتج صورا مستقبلية ، لم تحدث ، ولكنه يتنبأ لها أن تحدث وفق السياق العلمي لحتمية حدوثها ، فان هذا النمط من الوعي المستقبلي ، سيتم من قبل أشخاص لهم ثقافة واسعة و معرفة بحركة المجتمع و واقعه ، ومعرفة بزيادة السكان و معرفة بحركة الأعداء المحيطين به أو البعيدين عنه ، وما سيمرون به من مشاكل ..

ان صياغة الأيديولوجية تتطلب وعيا عميقا بالماضي و الحاضر والمستقبل ، وتضع خططها الاستراتيجية وفقا للوسائل التي ستستخدم في المضي قدما في تحقيق ما وضع من أهداف .. فأي خلل يحدث ، سواء بعدم ملائمة الوسائل للأهداف وعدم قدرتها على القيام بتحقيق الأهداف ، أو تطوير تلك الأهداف بشكل يجعلها أقرب للإنحراف منها الى التكتيك . كل ذلك سيجعل من أن ينظر الى قدسية تلك الأيديولوجية أن يفكر في عمل (تحويلة ) على مسارها ..

ان من يضع صيغ الأيديولوجيات ، لم يمتازوا على غيرهم من أبناء المجتمع في كثير من النواحي ، فالإحساس بالآلام ، و رسم أحلام المجتمع ، واستنهاض القيم العليا للأمة ، و امتلاء الصدور بالغيظ والإرادة للخلاص من كل ما هو قائم صفات قد يشترك بها كل أبناء المجتمع ..

لكن المبادرة و القدرة على الصياغة ، هي ما يميز المصلحين الاجتماعيين الذين عندما يتناولوا موضوع الدولة وعلاقاتها يتحولون الى مصلحين سياسيين . من هنا نصل الى الأجواء أو البيئة التي تخرج هؤلاء الذين يكثفوا حالات المجتمع و آلامه و آماله ، في شكل صيغ للأيديولوجيات ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس