أثر الأيديولوجيا على النشاط الجماهيري :
ان أثر الأشخاص كرموز ، وأثر الأيديولوجيا كفكر محرك ومحرض للجماهير ، هو كأثر الحصى أو الحجر أو أي كتلة عندما ترمى فوق سطح مائي ، يترك أمواجا ( روجات ) ، تتناسب أحجامها و سعتها مع وزن الكتلة التي ترمى ..
و تتخذ الأيديولوجيا كنشاط أو نتاج للعقل الفاعل ، بمعاونة العقل السائد ، أشكالا يكون أثرها واضحا عندما يتناولها العقل السائد ( أي مجموع القبول أو الرفض عند الغالبية العظمى من الناس ) ..ويعتمد تقبل الناس للأيديولوجية على ضوء تطابقها مع سلسلة مصالحهم المتدرجة من مصلحة الفرد كوحدة منعزلة عن المجموع العام من المجتمع ، الى كونه وحدة ممثلة لإرادة المجموع ..أي مجموع طلباته الخاصة التي تشبع حاجاته ، مع مجموع طلباته العامة التي تشبع خاصيته كمواطن يفرح بالإنتصارات والاختراعات والحياة الآمنة الرغيدة ..
ان بداية ظهور معالم أي أيديولوجية ، ليبدأ بإحساسها والاعتراف بوجودها من قبل أبناء المجتمع أو من يعني بمراقبة ذلك المجتمع ، من دول جوار أو دول عالمية . إن ذلك يعني إيذانا ببداية الأيديولوجية المضادة لها ، فتتكون بالداخل أي داخل المجتمع التي ظهرت به تلك الأيديولوجية الواعدة ، رؤى تتجمع لتصبح أيديولوجيا مضادة . وهذه يصيغها أبناء المجتمع الذين يستشعرون الخوف القادم من تلك الأيديولوجيا الواعدة .
وسرعان ما تتحالف القوى الخارجية مع رواد الأيديولوجيا المضادة للأيديولوجيا الواعدة ، اذا ما استشعرت تلك القوى الخارجية الخوف على مصالحها من القادم غير المرغوب فيه . فتظهر للعيان تحالفات غير معلنة في كثير من الأحيان ، تكون عناصرها غير متجانسة ، بل ومتضادة أحيانا ، الا أنها تلتقي على محور واحد ، هو معاداة الأيديولوجية الواعدة ..
ان هذا النمط من الحراك الذهني والحراك المضاد له ، هو نمط طبيعي ، لا يستدعي التطير والانفعال ، و ان كان واضعو خطوط الأيديولوجيا الواعدة لم يضعوا بحسبانهم تلك التحالفات و ردات الفعل المضادة ، فانهم يكونوا قد أسقطوا عاملين مهمين من عوامل الديالكتيك (الجدلية ) .. وهما حيوية الفكر ، وحراسة تطوره وفق ما يطرأ من عوامل قد تعيقه !
وان كان واضعو الأيديولوجية ، قد وضعوا نصوصهم لمواجهة قوى غاشمة تعيق نمو الأمة ، فان هناك شرائح تعتبرهم قوة غاشمة ، يجب إيقافها أو إعاقة نموها ..
تلجأ الهيئات الى وضع نصوصها استنادا الى ثوابت محببة لنفوس الجماهير ، تطمح من وراء ذلك أن تحظى بهالة كاريزمية ، تعطيها أولوية في مساندة الجماهير والتفافها حولها .. فمنهم من يضع الدين في الصدارة ومنهم من يضع القومية في الصدارة ومنهم من يضع الواقعية في الصدارة ، ومن من يخلط كل عناصر ذلك بخطابه ..
لقد جرى تطور هائل على القدرة الجماهيرية ( باعتبارها شخصية هائمة ولكنها تعبر عن توحدها بشكل ما ) .. وهذا التطور كان بمثابة التحصن وعدم أخذ الخطاب الأيديولوجي على محمل الجد . فلو فتشنا بكل الخطابات لن نجد خطابا واحدا يذم الجماهير أو يبشرها بمستقبل مظلم أو يدعو لتفشي البطالة و نشر الأمية والأمراض .. بل كلها تدعو لجنات عدن ومستقبل زاهر والتقرب من الله ، ونشر الأمن والرخاء الخ ..
ان أهم ما يعني الجمهور به ، هو تمثل ما يقال في الخطاب مع سلوك من في الحكم أو من في المعارضة ، فلا يعقل أن يطالب أحد الأحزاب بالوحدة وعناصره أو بعضهم يفرقون بين عشيرة وعشيرة ، أو شعب و شعب ، أو مدينة ومدينة .
لو كانت الأيديولوجيا وحدها تحكم ، لحكمت المكتبات العامة لما تحويه من كتب يربض بين صفحاتها كلام جميل ومنمق .. ان السلوك والسلوك وحده الذي يتطابق مع الكلام ، هو ما يجعل الكلام له أهمية وأثر . ألم يكن كلام الله عز وجل وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، أفضل كلام أتى على الأمة ؟ . ألم تنحرف الأمة عن مسارها قبل ظهور أمريكا و الكيان الصهيوني ؟ .. انه السلوك المطابق أو غير المطابق لما يقال في الكلام ( الأيديولوجيا ) .
__________________
ابن حوران
|