المثقف مهماز ومجس في آن واحد :
المهماز أداة يعرفها الفلاحون و الفرسان ، وهي تستخدم في حث الركوبة على المضي قدما و بهمة عالية ، و المجس أداة قد تكون عضوية كقرون الاستشعار عند الحشرات لتلمس طريقها ، وقد تكون جامدة من الجمادات لكنها تؤدي غرض قرون الاستشعار ، عندما توضع في آلة لمعرفة درجة حرارتها ، أو تنظيم كمية توريد مدخل الى المركب الخ ..
مع فارق التشبيه ، ومع احترامي للجنس البشري ، الذي كرمه رب العالمين ، فان ايراد تلك التوطئة ، كانت فقط لتوضيح صميمية الترابط بالجانب الوظيفي للمثقف ..
فلو كان المثقف ، يرسل ولا يستقبل ، لأصبح مثل أجهزة الهاتف التي ، ينذر أصحابها بوجوب الدفع قبيل قطع الخدمة عنهم .. وان كانت الحالة معكوسة بهذا المثل .. ولو كان يستقبل ولا يرسل ، لأصبح مثل الأرض التي تسقى ، ولا يصرف ماؤها ( يبزل) .. فتزداد ملوحتها ، ولا تعود تصلح للزراعة ..
ان مهمة التحريض عند المثقفين ، من خلال كتاباتهم ، لن تكون ذات جدوى عندما يكون المثقف ، يقيم في المهجر ، أو يقيم بين المجتمع و لكن لا يراه .. تماما كمراقبي الخطوط الجوية عندما يفقدوا الصلة بطائرة ما ، فانها ممكن أن تهوي و تقتل ما فيها ، وممكن أن تقصف من على الأرض ، حتى المراقب نفسه . فإرسال المراقب و أهميته تلتصق تماما مع كونه في حالة مراقبة تامة للطائرة المكلف بمراقبتها ..
ولو كان المثقف يقرأ ويقرأ ، ليلا نهارا ، ولا يقوم بترجمة ما قرأ ، أو ينفثه كأحد المدخلات الانتاجية في عملية تثقفه ، فان التخمة أو عسر الهضم الثقافي ، أو ازدياد ملوحة بيئته الثقافية يجعله غير قابل لإنتاج أي شيء مفيد للمجتمع ، فمقابل دخول هناك خروج ، ومقابل ري هناك صرف ..
__________________
ابن حوران
|