عرض مشاركة مفردة
  #59  
قديم 02-12-2005, 04:15 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

أثر التنظيم في ديمومة أو هدم قوام الحزب :

اذا كانت الحوافز و إشباع حاجات الأعضاء ، لا تتوفر في أجواء المعارضة ، وتجعل من الناس يتخوفون من الدخول للأحزاب ، و أن الأعضاء ترتخي هممهم ويتسرب منهم ما يتسرب ، وتزداد تلك الظروف مع شدة الهجمات على الأحزاب والحزبيين ( طبعا في بلادنا العربية ) .. فان من يصمد و يبقى سيصنف مع مرور الزمن على أنه من صنف المناضلين والأبطال ، وهو وصف يستحقه .

فإن تلك الظاهرة ستنقلب و تتغير مع وصول حزب ما الى السلطة ، أو تشكيل حزب تؤسسه سلطة قائمة بالأصل .. فإن أمواجا من المنتسبين الجدد ستنهال للانضمام لهذا الحزب ( حزب السلطة ) .. وسيكون للحوافز وإشباع الحاجات الفردية لدى المنتسبين شأن كبير ..

وبغض النظر عن جدارة الحزب من عدمها ، وبغض النظر عن صحة و أهمية ما يطرح هذا الحزب ، فإننا سنتناول الميكانيكية التي يجري بها التنظيم ، وهذا ما يعنينا في هذا المقال ..

إن حالة الالتفاف الجماهيري سواء ، بدوافع صادقة نتيجة زوال ما كان يمنعهم من التعبير عن إرادتهم في سابق العهد ، أو نتيجة التسابق لتحصيل جزءا من الحوافز و المكاسب التي تتحقق نتيجة للانضمام للحزب . ان تلك الحالة تشعر القائمين على الحزب و الذين أحدثوا التغيير السياسي ، بالغبطة والفرح الكبيرين نتيجة انضمام تلك الأمواج .. لكن سيظهر مجموعة من الأعراض غير المرغوب بها و التي تتمثل ب :

1 ـ قلة أعداد الكوادر القادرة على استيعاب هذا الكم الهائل ، وتنظيمه بشكل يضمن رفد الحالة الجديدة ، بأفواج صادقة و جادة ومبدعة ..
2 ـ ضعف القدرة على تمييز المتسللين لتخريب الحالة الجديدة و التجسس عليها من داخلها .. خصوصا اذا عرفنا أن الصامتين والمبتسمين والمطيعين والمواظبين على حضور الاجتماعات و الاحتفالات و ما أكثرها ، سيتطور وضعهم بسرعة هائلة ، حتى لو كانوا صهاينة !

3 ـ قد يصادف أن ينضوي أحد المؤمنين حقا بما جاء به الحزب من أفكار و أهداف ، ويكون المسؤول عنه فقيرا بالثقافة و أحيانا بالشخصية ، فلا يحس هذا المؤمن الوافد بأهلية المسؤول الفقير الذي قد يكون سبقه بشهر أو يوم ، أو يكون في دائرة الثقة أكثر من المؤمن المجهول .. فان تلك الحالات ستكون بوابات لحرمان الحزب من إبداعات هؤلاء المؤمنين الجدد ، وقد يتحولوا لأعداء اذا ما استغل المسؤول الفقير وضعه من حيث ثقة المسئولين به ، بإقصاء هذا الوافد المزعج بطرحه المحرج بنظراته ، مما يخدش هيبة المسؤول أمام الجماعة التي هو مسؤول عنها ، والتي يفترض أن تمنحه التوقير و التبجيل .

4 ـ قد يتسلق هؤلاء الفقراء بإبداعهم ، ليعتلو مكانات مرموقة في ناحية أو قضاء أو محافظة ، أو حتى على مستوى البلاد ، وهي نادرة ، وان حدثت فإنها تصبح ظاهرة غريبة . ولكي يداري هؤلاء( الفقراء بقدرتهم الإبداعية ) خيبتهم وحرجهم من تفوق المبدعين الذين هم تحت مسئوليتهم ، فان موضوع إقصائهم يصبح واردا في أي لحظة ، وسيجد من ينوي ذلك ، عشرات الطرق اليسيرة لتنفيذ مقصده ، ونادرا ما يجد من يردعه ، حتى من ( الأقوياء المبدعين ) .

5 ـ تصاغ لوائح داخلية للتنظيمات الحزبية في البلاد العربية ، تكون في ظاهرها محكمة و قوية ، ولكنها غالبا ما تستخدم في إقصاء غير المرغوب بهم ويتم تجاوزها أو حتى مجرد التلميح بها ، ممن هم مع خط الأقوياء الراهنين .

6 ـ هناك حالة تنسحب على تنظيمات الأقطار العربية لبعض الأحزاب التي لها ما يشبه الامتداد في تلك الأقطار ، فبعض الدول التي يتسلم حزب ما الحكم بها ، تجد أن شبه الامتداد في بلد لا يحكمه ذلك الحزب ، فان من يقودوا تنظيم شبه الامتداد ، سيتصرفون وفق التقاليد الحزبية التي تعم في البلد المحكوم من الحزب نفسه .. وينسحب السلوك التنظيمي في ذلك البلد المحكوم من قبل الحزب على أشباه الامتداد التي قد تستنبط نمطا من الحوافز التي تجعلها متمكنة من إدارة التنظيم بالطريقة نفسها التي يدار بها الحزب في بلد الحكم .

7 ـ ان الهواجس الأمنية التي تحرك سلوك معظم ، لا بل كل الدول العربية ، تجاه أبناء تلك البلاد ، تستلهمها التنظيمات الحزبية ، التي هي أقدر على وصف هذا السلوك من غيرها و تمارسها تجاه أعضاءها دون أن تعلم أنها تقوم بذلك .

فيخبو صوت الإبداع ، ويكثر المسكوت عنه ، وتستنسخ نسخ كثيرة من الفرد الواحد ، لتقوم بأدوار متناغمة بشكل منقطع النظير مع إرادة الفرد الواحد .. حتى ليظن المراقب أن هناك خطا ساخنا بين الشخصية المحورية في الحزب وكل من هؤلاء الذين أحيانا تبعد المسافة بينهم لتزيد عن آلاف الأميال ..

إن هذه الصيغ رأيناها في أمكنة مختلفة من العالم سبقونا بتلك التقاليد ، من الاتحاد السوفييتي الى الصين ..

وللإنصاف ان كنا نتحدث عن أهمية الحافز وإشباع رغبات الأعضاء الأكثر وفاء .. فلن نغفل حجم الناتج الذي يتم من خلال تلك العملية المعقدة ، فقد نما الاتحاد السوفييتي نموا هائلا خلال عدة عقود ، جعلت منه قطبا هاما ، بعد أن كان يوضع على جدول أعمال أي غزو من نابليون بونابرت حتى هتلر ..

كما نمت الصين ولا زالت تنمو ، وان كانت الصين قد جمعت مع تلك الطرق للسلوك ، طرقا أخرى أصبحت تحد من الفردية المطلقة ، فلذلك إن ديمومتها قد تكمن في هذا السر ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس