الأسر الحاكمة في البلاد العربية ..
(2)
هل تستطيع مواصلة إعادة إنتاج نفسها ؟
استطاعت الأسر الحاكمة في البلاد العربية من الحفاظ على نفسها منذ بداية القرن الماضي ، ولغاية اليوم ، متفوقة بذلك على غيرها من أشكال الحكم الأخرى في القدرة على البقاء . وتكاد تكون متشابهة في أداء حكمها إذ أنها استفادت منذ البداية من العوامل التالية :
1ـ استفادت من الحرمان الطويل للعرب في حكم أنفسهم الذي استمر زهاء ألف سنة ، وعليه فقد رضي العرب ، بل تساهلوا و تسابقوا للالتفاف حول تلك الأسر لتقوم بحكمهم ، مراهنين بأنها أقل سوءا إن لم تكن أفضل من غير العرب .
2ـ أوهمت تلك الأسر شعوب بلادها بأنها الوحيدة التي تحظى بمزايا فريدة ، لا يمكن ان يستطيع أحد أن يجمع مثلها .. كالحظوة الكاريزمية المنسوبة للدين ، أو الفن الاستثنائي الفريد بالتعامل مع القوى العالمية والمحلية ، لإبقاء حالة الاستقرار بالبلاد . وقد تكون بالنقطة الأخيرة محقة لالتقاء المسار الذي تقوم به مع إرادات و أجندة تلك القوى .
3 ـ اعتمدت تلك الأسر ، الأوضاع الاقتصادية التي كانت سائدة قبل مجيئها ، كخط فاصل للمقارنة مع ما حصل بعد وجودها .. وقد خدمتها التطورات الطبيعية سيما تلك المتعلقة ببروز النفط بالمنطقة . فكانت وما زالت تلمح لتجيير تلك التغيرات لتحصرها بنفسها كمسبب .
4 ـ اعتمدت تلك الأسر ، سحب اعتماد الناس على رزقهم من خلال أعمال كانوا يمتهنونها مئات السنين ، وربطتهم بمحور نشاطها وعطاءاتها ، ليبقى هؤلاء الناس ينشدون رضى تلك الأسر من خلال طاعتها .
5 ـ اعتمدت تلك الأسر ، بناء قواتها الأمنية والعسكرية والمخابراتية ، أسلوبا يتناسب مع رؤيتها في نحت شرعيتها و ربطت قيادات تلك الأجهزة بها مباشرة وحصرته بأبناءها أو أبناء القوى التي تعتمد عليها لإبقاء حالة الشرعية تلك ، وكانت تقصي الضباط الذين تتوجس منهم خطرا ولو ضئيلا ، في وقت مبكر .
6 ـ اعتمدت تلك الأسر ، أسلوب إشغال الناس بمراقبة بعضهم البعض ، وجعلتهم في وضع يتنافسون فيه لنيل رضاءها . فمن خلال الدعوات للقصر أو خلال التعيينات أو من خلال أشكال الانتخابات محدودة التأثير عليها ، فكان الناس يتباهون بالمجالس بذكر مناقبهم أو مناقب رجال أقاربهم ، الذين نالوا هذا الشرف العظيم ، ويجلس الآخرون الذين يستمعون في حالة حلم وهيام للوصول الى مثل تلك الحظوة !
لكن نعود بالسؤال : هل تستطيع تلك الأسر البقاء على نفسها أو تعيد إنتاج نفسها بشكل يتماشى مع التطورات المحلية و العالمية ؟
لقد أخذت الأجيال التي عاشت أجواء مبررات وجود تلك الأسر ، بالزوال شيئا فشيئا بفعل الموت وتقادم الأعمار ، وأخذت مساحة الذاكرة التي تحمي تلك المبررات تصغر شيئا فشيئا ، وتنحصر في خلف الأسر المحيطة بالأسر الحاكمة وعليه فان ظروفا استجدت تهدد بقاء تلك الأسر :
1 ـ زوال قوة خطاب أهلية تلك الأسر ، بعدما تعرضت الأمة لسلسلة من الإهانات على مرأى ومسمع تلك الأسر ، والتي لم تكن على الحياد ، بل كانت تشارك وتسهم في وصول أعداء الأمة الى أهدافهم ، في حين كانت الجماهير تنتظر من تلك الأسر التي التفت حولها كل هذه المدة ان تذود عن الأمة .
2 ـ مشاعية المعلومات ، مما جعل المواطن الذي افتتن كل تلك المدة بهذه الأسر أن يطلق العنان لإشغال عقله و يتفحص سلوك تلك الأسر .
3 ـ جرب بطون أبناء تلك الأسر ومن يحيط بهم ، و ابتلاعهم معظم ثروات البلاد ، وتمثيل دور المتصدق و المتحسن على أبناء الشعب ، مما خلق دملا يزداد حجمه يوما بعد يوم ، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بوقت انفجاره ، وان كانت أحد مظاهر خراجاته تتمثل بما يطلق عليه ( الإرهاب ) .
4 ـ إصرار تلك الأسر الحاكمة على الاعتماد على رجال دولة ، هم من أكثر الناس فسادا وعدم أهلية ..
5 ـ تسرب بعض رجال الدولة ، الذين لم يعد مرغوب بهم من قبل الأسر الحاكمة ، و تسريب بعض المعلومات عن دواخل تلك الأسر بالصالونات السياسية والدواوين او في خارج البلاد ، مما يشكل صاعقا لمتفجرات الشعب القادمة ، وبرأيي أن هذا العامل هو من أخطر العوامل ان لم يكن أخطرها ، التي تهدد تلك الأسر .
6 ـ تمزق تواصل الذاكرة بين القوى الأجنبية وجدارة تلك الأسر بالبقاء ، ونحن رأينا كيف تم ذلك مع نهاية العهد القاجاري في ايران أو نهاية حكم هيلاسي لاسي في أثيوبيا و شاه ايران الأخير محمد رضا .. كيف أن الاعتماد على القوى الأجنبية وحده لا يصلح ان يكون ضمانة لديمومة تلك الأسر .
7 ـ كانت تلك الأسر الحاكمة ، أحد العوامل الماثلة أمام أبناء الأمة العربية في تعطيل محاولات التقارب والتناغم في الأداء العربي ، لضمان بقاءها في الحكم ولتنعم بحالات الهنأة و الدعة .. مما صنع مزاجا إقليميا بالنظر لها نظرة لا تنم عن احترام وحرص على بقاءها ..
__________________
ابن حوران
|