الموضوع: هذا الذي يحدث
عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 11-12-2005, 09:44 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي هذا الذي يحدث ... 7

هذا الذي يحدث ...
7
كان ذلك في ليلة صيف مقمرة على شاطيء من شواطيء البحر الأبيض المتوسط...حينما وجدت زائرا يقتحم حياتي بدون إستئذان في الماء الذي كنت أسبح فيه ، في تلك الليلة المقمرة..
إنه قريب لي ، كان يعيش بيني وبين أخواتي كشقيق وحيد. وكانت طلباته كيفما كانت ملبية ومن جميع أفراد الأسرة... في تلك الليلة صار يطاردني بجسمه في مياه البحر ، على سطحه وعمقه.. ولم أستطع المقاومة فإنسكب علي كروال مطر يسيل على جدران بيت من زجاج ، و حينها وصلت إبنتاي ليشهدا ما شهدا.. و يا ليتني غرقت في ذلك الماء ولم أخرج منه حية..
لم أكن في سن النزوات و المخاطرات ، لكني لم أستطع أن أقاوم وأفلت من بين ذراعيه..
عدت إلى حيث إقامة الأسرة وبكيت بكاءا مرا في الحمام حيث لا يراني أحدا ، وإعتزمت ألا أعود إلى هذا المكان مرة أخرى ...
لكن بعد أيام قليلة وجدت نفسي في نفس الموقف ودون مقاومة .. وكانت بناتي وراء هذا الحدث و كأنها مؤامرة أحيكت ضدي..
ولم تمر أيام حتى عادت الأسرة إلى البيت ، ولما أتاني ذلك الزائر طردته وإختلقت له مشكلة معه فإختلف وإياه فطرده ونهره و إشتد الخلاف بينهما لدرجة القطيعة....
ومن أجل حرصي على مستقبلي ومستقبل أطفالي صرت ألبي لهن كل شيء..فقد صارت تلك الصور والبحر وأنا وهو والأطفال والقارب المحطم تطاردني أينما حللت .. لم أعد أستطيع أن أرفض أي طلب لهن حتى وإن كان فيه ما يشين في المحيط الذي أعيش بينه. بل كنت أسدي لهن كيف يقنعن الآخرين بأن ذلك تحضرا وتتطورا ونوعا من الثقافة .. حتى لا يقعن مثل ما وقعت فيه رغم أنهن لا يشعرنني بشيء مما رأين إلا بنظرات تشعرني أن وراءها تهديد ووعيد إن لم ألبي الطلب..
صرت أمدهن بنصائح الغش والتمويه وهن اللاتي لم تتجاوز كبراهن الرابعة عشر من عمرها...
لم تمر أسابيعا ثلاثة على وفاته ، وكان البيت الذي أسكنه يعج بالأهل والأقارب والمعارف.. يقدمون العزاء والمواساة والمؤانسة حتى لا نشعر بفراغ فقدانه. بعدها لم يبق سوى أمه. .. أما شقيقه فكان يزورنا كل نهاية أسبوع حيث يتفقد أحوال الأسرة وإحتياجاتها.
رغم كراهيتي الشديدة له ، فهو رجل تقاليد وثقافة رأيتها قديمة لم تعد تتماشى مع العصر عصر الحريات..ولكن لحاجتي له لم أحاول إظهارها رغم إستفزازات بناتي وولدي له كلما يحضر لدينا علنا نبعث فيه شعورا ليوقف زيارته عنا.. فبناتي كن يتغيبن عن الحضور له لما يدخل البيت ولا يراهن ، وإن سأل أخلق له من المبررات والأعذار المقبولة لديه ، كأن أقول له إنهن يراجعن واجباتهن المدرسية أو يرتبن أمور الدور العلوي للبيت حيث لم يسعفنا النهار لزيارة طارئة من أحد الأقارب... فكان يهز رأسه ويرفع جبينه قليلا لينظر في عيني ثم يطأطئ رأسه وندخل في أحاديث أخرى...
لقد بدأت أضيق ذرعا من أمه ومن زياراته. وزاد ذلك من بناتي حيث كانت تلك العجوز تسأل عن كل طارق بنهار أو بليل أو حتى متكلم في الهاتف... فلم أجد حيلة للتخلص منها ... فالبيت بيتها وأنا لا أملك فيه شيئا... لكن كنت أشعر بأنها تقيد حريتنا...
كانت تستيقظ في الصباح الباكر ، وكنت أنا وبناتي لا نستطيع ذلك حيث كما نتسامر بعد أن تنام لساعات متأخرة من الليل نقضيها ما بين برامج التلفزيون والحديث عن شئوننا الخاصة..
وعن المستقبل والثراء والسعادة ...
وجاء اليوم الذي قررت فيه طردها من البيت وكان يوما شتويا عبوسا قمطريرا ، حيث الفصل شتاء والبرد قارس. طلبت مني الإفطار الصباحي فمددت لها عجينا من التمر كنت أحتفظ به في الثلاجة ، وما إن لمسته حتى ردته علي بحجة أنه بارد جدا وهي بحاجة إلى شيء دافيء تدفيء بها جسمها ... وكان ما كان ، حيث قلت لها لديك بناتك وإبنك فليمدوك بذلك...فأنا ليس عندي غير هذا ...
فخرجت ولم تعد منذ ذلك اليوم ولم أر وجهها إلا يوم وفاة إبني بعد عامين من وفاة أبيه وهي لم تعد تعرف أحدا...
لم أعلم أن إبنها الأكبر قد علم بذلك من الذين كنت أعتبرهم صناديق أسراري ومشدي أزري عند الشدائد و ضده..إلا أنه لم يحسسني بشيء من ذلك. فقد كانت زياراته مستمرة و بإنتظام و دقة ، سواء من حيث اليوم أو التوقيت حتى صرت أتوقع زيارته وأضبط عليها ساعتي.. حيث يحظر هو وزوجته فقط ، لأنه قليلا جدا ما يحظر إحدى بناته ، فيقضيا ساعات طويلة يتفقد فيها شئوننا والذي كنت دائما أصده بأنني لست محتاجة لشيء.. كان قلبي يقول إن حاجتي الوحيدة هي أن أفهمك أيها الصخرة الصماء ، أن أعرف نقاط ضعفك لأحولك إلى خاتم بين أصابعي....لكن كنت عاجزة تماما..عن فهمه رغم المواقف الكثيرة التي كنت أحاول حبكها مع بناتي لإستفزازه علني أدخل معه في خلاف وإشكالية تقطع عنا زياراته ، لكن كنت دائما حليفة بالفشل.
حتى في عيد الإضحى لما أخذنا معه لبيته الكبير حاولت إحدى بناتي من خلال شقيقها خلق مشكلة معه إلا أنه كان أكثر ذكاء ودهاءا.. فرغم سب إبني له وضربه وتمزيق ثيابه إلا أنه كان غير منفعل ولا مهتم لذلك... بل كان يعامله بمنتهى الهدوء والرحمة وإبتسامة عريضة كانت ترتسم على شفتيه تذكرني بإبتسامة شقيقه حينما يكون في حالة إنبساط...
وما كان مني إلا أن طلبت منه أن يعيدنا للبيت بحجة أنه عيد وقد يأتي أحد لزيارتنا بهذه المناسبة. ورغم شعوري بعدم الرضاء الذي إرتسم على وجهه إلا أنه إستجاب لي فور الإنتهاء من مراسم الأضحية .. فلم نقض حتى الساعات الثلاثة ببيته.. كل ذلك لأن بناتي وأنا نرغب في حريتنا ولا نرغب في الإستمرار في محيط الأسرة التي نشعر أنها تقيد حريتنا...
الرد مع إقتباس