عرض مشاركة مفردة
  #192  
قديم 11-12-2005, 12:28 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال: ( ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى، يا رسول الله. فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا ) فاللسان هو أعظم الأعضاء جرما؛ لأنه سهل الحركة، كثير الخطايا، فباللسان يحصل الاعتقاد الزائف باللسان يقول المرء الكلمة لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا، باللسان تحصل العداوات.

باللسان تحصل العداوات ، وقد قال -جل وعلا -: ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً {53}الإسراء ، وباللسان يحصل الوقوع في المؤمنين والإيذاء بغير حق، قد قال -جل وعلا – ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً {58} الأحزاب ، والإيذاء أعظم أنواعه ما كان باللسان، وقد أوذيت عائشة -رضى الله عنها وأرضاها- باللسان بما بلغ بها المبلغ الذي تعلمون في قصة الإفك، باللسان يحصل نشر الخير وباللسان يحصل نشر الشر.

فإذا حاسب المرء نفسه على لسانه، حصل له ملاك هذا الأمر، وهو أنه ملك عليه دينه، وأما إذا أطلق لسانه في كل شيء، فإنه يضر نفسه ضررا بالغا ولا يملك على نفسه دينه، واللسان قد جاءت الأحاديث الكثيرة في بيان شأنه، ومر معنا في حديث مضى بعض ذلك فقال: ( كف عليك هذا ) يعني: أمسك، فالكلمة إذا لم تعلم أنها من الحق الذي تؤجر عليه، فاتركها؛ لأنها عليك، وليست لك، قال : ( قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك ) ؛ لأنه لا يتوقع من معاذ، وهو العالم بالحلال والحرام الفقيه أن يسأل هذا السؤال، فقال : ( ثكلتك أمك ) يعني: استغراب من هذا السؤال الذي لم يتوقع من معاذ أن يسأله فقال: ( ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) .

يستنكف كثير من الناس، يعني: من المسلمين أن يعمل عملا محرما من الكبائر بجوارحه، تجد أنه يستنكف أن يأكل الربا، ويستنكف أن يشرب الخمر، يستنكف أن يأتي كبيرة الزنا، يستنكف أن يأتي كبيرة السحر، يستنكف أن يأتي كبيرة قذف المحصنات الغافلات، يستنكف أن يأتي كذا وكذا من الكبائر، ولكنه في كبائر اللسان يقع فيها بلا مبالاة، فيقع في النميمة من دون أن يشعر، فينقل كلاما، وبه يفرق بين المرء وبين أخيه، يقول: فلان سمعته يقول فيك كذا وكذا، وهذه نميمة أن تنقل كلاما يوقع الضغينة والشر في نفس مسلم على أخيه المسلم، وهي كبيرة من الكبائر، وهي الحالقة، ويغتاب، والغيبة محرمة، وهي عند كثير من أهل العلم كبيرة، ومدارها على اللسان، وقد قال -جل وعلا -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {12} الحجرات .

قال طائفة من أهل العلم: لما شبه الغيبة بأكل لحم الميت دل على أنها من الكبائر؛ لأن المشبه به كبيرة، فيأخذ المشبه حكم المشبه به، فدل على أنها من الكبائر.

وهكذا في أصناف شتى، فما وجدت العداوات والبغضاء إلا باللسان، وما تفرقت الأمة إلا باللسان قبل الأعمال، فاللسان هو مدار الأمر؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- : ( ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ ) يعني: برأس الأمر وعموده وذروة سنامه، ( قال: بلى، يا رسول الله، قال : كف عليك هذا ) فهذه وصية عظيمة، وسبب التعذيب، تعذيب كثيرين في النار، أنهم لم يكفوا ألسنتهم عما لا يحل لهم؛ فلهذا علينا أن نحذر اللسان أعظم الحذر، فنوصي بهذه الوصية التي أوصى بها المصطفى -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ( كف عليك هذا ) .

فأوصي نفسي وإياكم بأن نكف ألسنتنا، إلا عن شيء علمنا حسنه، فإذا خاطبنا إخواننا، فلنخاطبهم بالتي هي أحسن (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً {53} الإسراء ، أحسن ما تجد من اللفظ قله لوالدك، لوالدتك، لإخوانك، لأخواتك، لأهلك، لإخوانك المؤمنين؛ لأنه بهذا تبعد مدخل الشيطان في التفريق ما بين أهل الإيمان.

وما حصل، ما حصل في تاريخ الإسلام، وفي زماننا هذا من أمور منكرة إلا بسبب إطلاق اللسان فيما لا يعلم أنه من الحق، وكل يتكلم بما شاء، فحصل ما لم يحمد، نسأل الله -جل وعلا -أن يلهمني وإياكم ما فيه صلاحنا في قلوبنا وألسنتنا وجوارحنا.

إنتهى شرح الحديث التاسع والعشرون

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }