الأعمدة
(2)
العسكر : هل يصلحون أن يكونوا عمودا في العصر الحديث ؟
المرحلة الثانية : مرحلة الازدهار .. وتعدد ولاء الجيوش
اذا كانت المرحلة الأولى دشنت قواعد دولة قوية ذات إرادة مركزية ، مهدت لإطلاق إبداعات المبدعين في المرحلة التي تليها ، فان المرحلة التي تلتها والتي امتدت من بدء العهد العباسي الى نهاية عهد الخليفة العباسي العاشر (المتوكل) والتي أطلق عليها عصور الازدهار ، فانها شهدت من جانب آخر تهديد تلك الإرادة المركزية ، وأسست لتجزئة سلسة لا زالت آثارها قائمة حتى اليوم .
فبعكس المرحلة الأولى ، كانت الجيوش في الأطراف تتبع إرادة حكام محليين كانوا يكلفونها بتصليب أوضاعهم المستقلة و أحيانا التطاول على أصقاع الدولة المركزية وقضمها شبرا بعد شبر .
ومع ذلك كان كل من حكام تلك المناطق الانفصالية ، يدعي بأنه يصون وحدة أراضي الدولة المركزية ، ويذود عن حماها ، وهو بالحقيقة ، كان يتحين الفرص ليحظى بالانفراد بالإيحاء للخليفة (المركزي) لتحسين وضع ملكه وسلطاته ولم يشبع هؤلاء حتى لو قاموا بدور الخليفة نفسه من وراء ستار .
ولتعدد أعراق الجيوش ، التي تزامنت مع تداخل تشكيل دول أو دويلات كثيرة ، بدءا من دولة الأغالبة في تونس والأدارسة في المغرب و ودولة بني سامان ودولة بني صفار (في فارس و خراسان ) ودولة اليعافرة في اليمن ، ومن ثم دولة الغزنويين في افغانستان و التسارع الشديد بعد ذلك في تكوين كميات هائلة من الدويلات ( العقيليين في الموصل ) والحمدانيين في حلب ، الطولونيون والأخاشدة والمهديين والفاطميين والبويهيين والزنكيين الخ من تلك الدويلات وجيوشها التي حمتها .
ان تكوين تلك الجيوش ، قد أحدث تصور لحدود الدولة القطرية ، التي كانت تمثل في كثير من الأحيان ولا زالت ، خطا لحماية القطر الذي يطمع به حاكم تلك المساحة و جيشه ، وقد كون هذا التسلسل ذاكرة سياسية جغرافية لسكان تلك البلاد ، فلا عجبا ان تجد اليوم من يدافع عن تلك القطرية ، لأنه يعجز بالبحث عن بقعة في تلك الذاكرة تجعله يحس بمشاعر وحدوية مع أشقاءه في الأقطار الأخرى ..
ان بداية هذا المسلسل ، تم تجيير فعلها لمصلحة (العسكر) الذين كرسوا تلك القطرية منطلقين من مصلحة صاحب الغاية الانفصالية . وقبل ذلك كانت صفقات الانفصال تتم على هامش مقايضة الفعل العسكري باقتطاع ملك لمن يقدم تلك هذا الفعل ، فكانت صفقة ابراهيم ابن الأغلب بإعطاءه تونس له ولأبناءه من بعده لقاء إسكات الأدارسة في المغرب ، وكانت صفقة بني صفار في ايران لقاء وقوفهم مع المأمون في صراعه مع أخيه الأمين .. وهكذا تم مع عبد الرحيم بن يعفر في اليمن .
__________________
ابن حوران
|