المرحلة الثالثة : مرحلة الحاميات الثابتة
يمكن القول أن هذا الشكل من الأداء والتنظيم العسكري قد بدأ في عهد المماليك ، حيث كان يقتطع لهم أو يقطعون لأنفسهم مساحات ، تقام فيها الحاميات الثابتة ، وتغلق تلك الحاميات على من في داخلها ، لا يسمح حسب هذا النموذج الاختلاط بالحياة المدنية بشكل واسع .
ثم تطورت تلك الحالة عند العثمانيين ، لتصبح تلك الحاميات مدارس متخصصة في زرع العقيدة العسكرية والولاء المطلق لقيادة العسكر ، وقد أتاح هذا النمط من زيادة التدريب واحتراف فنون القتال ، بشكل يتفوق على غيرهم من الجيوش ، وهذا كان من أحد أسباب تحقيق الانتصارات المتتالية للعثمانيين .
وقد ظهر تنظيم الانكشارية الذي كان يعزل أطفال البلاد ذات الديانة المسيحية عن أهلهم وتربيتهم تربية عسكرية شديدة ، بعد العمل على تعليمهم الاسلام ، وكان هؤلاء الانكشاريون لا يقيمون أصلا في حاميات قريبة من أوطانهم التي أخذوا منها طوعا او قسرا .. ومع الزمن تتصلب أحاسيسهم و يصبحون أشبه باللاعبين المحترفين .
كانت تلك الحاميات تابعة إداريا للسلطان مباشرة ، فيعين قياداتها و يفوض الولاة في الولايات إدارتها أو التنسيق مع قياداتها في ضبط الأمن والحدود .
لم يكن في قيادة تلك الحاميات أي عنصر غير تركي ، ولكن كان فيها من الجند والعسكر ، والذين كانوا يوضعون في مناطق نائية عن بلادهم .. وكان عندما يجند العربي مثلا ويؤخذ للخدمة ، فن رحلة نحو المجهول قد بدأت .. وغالبا ما تنتهي بالموت .
استمر استبعاد العناصر غير التركية ، في قيادة ، وحتى في رتب الضباط ، في تلك الحاميات لغاية القرن التاسع عشر عندما كثرت القلاقل في أطراف الامبراطورية ، فتم ترقية أو إناطة مسؤوليات الضباط الى قسم من أبناء العرب والذين كانوا يبعدوا أيضا عن أوطانهم فابن العراق يخدم بالمغرب وابن الشام يخدم بالبلقان ، وابن المغرب يخدم بالشام وهكذا .
وقد أدخل قسم من هؤلاء الضباط الى دورات متقدمة كان يحضر لها مدربون من بروسيا و فرنسا ، وتقدموا في رتب الجيش ، حتى بدأت تنشط حركات قومية تركية ، تدعو الى تتريك الامبراطورية هي و أطرافها ، فنشأ عند هؤلاء الضباط العرب هواجس قومية مضادة ، وأخذوا يفكرون بتنظيمات ذات طابع قومي ، إضافة لمطالبتهم بتغيير سياسة الخدمة خارج أوطانهم
__________________
ابن حوران
|