المرحلة الرابعة : مرحلة الاستعمار الأوروبي
اختلفت تلك المرحلة عن سابقاتها بالتركيز على الأقليات الإثنية ، ببناء جيوش عربية ، قياداتها من أبناء الأقليات ، وذلك لحصر ولائهم بالمستعمرين ، دون أن تنازعهم على هذا الولاء ارتباطات هؤلاء النخب مع قبائلهم وشبكة علاقات تلك القبائل مع بعضها ، مما كان يصنع هاجسا كبيرا عند المستعمرين .
ومن هذا المنطلق انخرط في الجيش الذي بني تحت أعين المحتلين في العراق ، أبناء الأقلية الكردية والآشورية ، وفي سوريا العلويين والدروز والأرمن ، وفي لبنان الموارنة وهكذا ، وقد أسهمت تلك السياسات في زرع بذرة توكيد الذات الإثنية لدى تلك الأقليات التي انتقلت من الظل الى دائرة الأضواء ، فأخذت تطور من محاولاتها في تعميق دورها السيادي ، فكانت طلائع الأحزاب الشيوعية من هؤلاء الفئات ، ومنافذ الدخول لإحداث قلاقل داخل البلاد العربية من خلال تلك الفئات التي خرجت عن مواضعة تعايشها القديم مع الأكثرية العربية ، لتمارس دورا بالوكالة عن القوى التي كانت تنوي زعزعة الاستقرار في تلك البلاد .
وبعد بوادر الاستقلال الاسمي ، أخذت العائلات الميسورة وذات النفوذ ، زج أبناءها بالجيش لتتقاسم مع تلك الأقليات النفوذ العسكري ، ولتصنع حالة من التعايش السيادي غير الثابت في معظم البلدان العربية .
وبعد الاستقلال وانشغال الدول في معارك الاستقلال ، وفيما بعد حروب داخلية كحالة العراق مع الأكراد ، أو في حالات الحروب الخارجية ، كالتي كانت مع الكيان الصهيوني ، و ما شملها من حالات تعبئة غير جادة ، كل ذلك جعل من المؤسسات العسكرية ، لوجود حالة التوتر الدائم تلتهم حوالي ثلثي ميزانيات الدول العربية .
وهذا أوجد حالات تكدس التقنيات و الأموال في المؤسسات العسكرية ، فتهافت أبناء الأرياف و البادية للانخراط بالجيش ، طمعا بدخل ثابت ومتفوق نوعا عن غيره من مصادر الرزق .. وفي كل مرحلة اهتزاز أمن السلطات الحاكمة يجري تغيير في رأس المتنفذين في القوات المسلحة ، والتي كان يحرص رأس الحكم على ضمان ولائها ..
من هنا نكتشف أن المؤسسة العسكرية أسهمت في بقاء حدود الدولة القطرية ، لطابع الاستقلال النزق والذي بقي ولا زال ، من مفاصل قياداته المحترفة ، ممن تربى في مدارس المحتلين و أرضعوا وربوا ممن أفتتن بهم على هذا النهج القطري .. فأصبحت قيادات الأمن والاستخبارات بيد الأقلية غير العربية في كثير من الدول ، مما أبقى القنوات مفتوحة مع الأجنبي ، والذي كان يضع تلك الشخصيات كثوابت في نظم تعاونه ورضاه عن الكثير من الأنظمة العربية .
وبالمقابل فان الصراع الذي قام بين المنخرطين من أبناء الريف ، والحرس القديم ممن تناسل من السلالات الأولى لقيادات الجيوش العربية ، بقي قائما فيأخذ طابع الانقلاب العسكري في أكثر من قطر عربي ، حتى كنت ترى أن أكثر رؤساء الدول العربية منذ الأربعينات وحتى اليوم ، تقترن برتبة عسكرية السيد الرئيس العقيد او الرائد او الفريق او اللواء او المشير الخ .
ان هذا الوضع الذي لا زالت آثاره واضحة حتى اليوم ، كان على صلة كبيرة جدا بما رافقه من طابع اقتصادي وثقافي و صناعي وزراعي متأثرا بالحالة الإيبستمولوجية العسكرية وهذا ما سنمر عليه في حديثنا القادم .
__________________
ابن حوران
|